أحسبه شهيدًا والله حسيبه ولا أزكيه على الله، أحسبه شهيدًا من مات على الحق لا يخشى في الله لومة لائم، أحسبه شهيدًا من سجن وأوذي وقتل قتلًا بطيئًا بالإهمال الطبي، أحسبه شهيدًا من مات وقد واجه حاكمًا ظالمًا مستبدًا أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، أحسبه شهيدًا من جاهد عمره كله في الدفاع عن حقوق الفقراء والمظلومين، أحسبه شهيدًا من حفظ كتاب الله وعمل به وسعى في تحكيمه شرعةََ ومنهاجًا، أحسبه شهيدًا من رفض عرض الدنيا حتى لا يخسر آخرته، أحسبه شهيدًا من أخذ بالعزائم وتحمل في سبيلها بينما الرخص أمامه سهلة ميسورة، أحسبه شهيدًا من حاربه فقط المجرمون والظالمون والمفسدون والعتاة الزناة الجباة، أحسبه شهيدًا من أيد صبره وجهاده فقط العلماء والدعاة والمصلحون والفقراء والأيتام والمساكين والمظلومون المقهورون.
أحسبه شهيدًا من استغل كل فرصة وكل منبر وكل مقعد ليصدح بكلمة الله لا يصده خوف ولا يغريه عن الكسل ترف، أحسبه شهيدًا من رفض أن يستلم راتبه طوال فترة حكمه من الدولة، ومن استغنى بشقته الخاصة عن قصور الحكم، ومن أنفق على أهله من ماله الخاص دون استغلال موارد الدولة، ومن عالج أهله على نفقته لا على نفقة الدولة، رغم أن كل ذلك كان مباحًا له سهلًا، أحسبه شهيدًا من ناصر إخوانه المظلومين المعتدى عليهم من قبل يهود محتلين أو من قبل سفاح قاتل، وأعلنها صرخة مدوية هنا: لن نترك غزة وحدها، وصاح هناك: لبيك يا سوريا.
أحسبه شهيدًا من ترضى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، في عقر دار الفسقة الذين يكفرونهما بغيًا وعدوًا، وذلك ما لم يجرؤ حاكم غيره على فعله، أحسبه شهيدًا من وقف في الأمم المتحدة وتحدى العالم بأسره، فصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وصرح أننا: نحترم من يحترمه ونعادي من يمسه بسوء من قول أو عمل. وهو ما لم يجرؤ حاكم، ولا رئيس، ولا ملك، ولا سلطان، ولا أمير، أن يفكر حتى في النطق به جهرًا، أحسبه شهيدًا من خاطر بحياته وجازف بحريته وضحى بهما في سبيل الحفاظ على دماء الأبرياء من شعبه، أحسبه شهيدًا من حارب الفاسدين أكلة مال اليتيم، واجتهد في رفع أجور الفقراء المحتاجين، وتوفير لقمة عيش هنيئة للذين ولاه الله أمرهم، أحسبه شهيدًا من تفقد أمور رعيته ليلًا ونهارًا، وسعى في تحسين الخدمات العامة لهم، وتسخير ما استطاع توفيره من إمكانيات ليوفر لهم رواتب معقولة تكفيهم ذل الحاجة والسؤال.
أحسبه شهيدًا من أعلي مكانة وطنه حين كان يقابل الملوك والرؤساء والوزراء فينحنون له لأنهم يعلمون أنه لا ينحني إلا لله، بينما أتي من بعده من يكاد يركع من فرط الانحناء لهم، لعلمه ويقينه أنه لا شرعية له ولا بقاء له دون دعمهم وأموالهم، أحسبه شهيدًا من حافظ على كل شبر من وطنه، ولم يفرط لا في جزر ولا غاز ولا ثروات أو آثار، أحسبه شهيدًا من سعى إلى توجيه جنود الجيش في بلده إلى حماية الحدود وأداء الواجب الوطني المنوط بهم، ولم يؤجرهم مرتزقة لكل من يدفع، ولم يحثهم على قنص الأطفال وقتل الشيوخ والأطفال، وذبح الشباب وحرق الجثث وتدمير البيوت وقصف المساجد واغتيال المصلين وإخلاء القرى من ساكنيها، أحسبه شهيدًا من ظل يحافظ على النساء، بنات وزوجات وأمهات، وكرمهن وشجعهن على العفة والكرامة، ولم يجعل منهن راقصات غانيات يتاجرن بأجسادهن أمام لجان الانتخابات وفي المناسبات المختلفة.
أحسبه شهيدًا من كان يطلب من شعبه الصبر معه ومساعدته وعونه على الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والسلاح، ليفك عن الشعب ربقة الديون والخنوع والخضوع للقوى العالمية الظالمة، ولم يستعن بشعبه في تفويضه لقتل معارضيه، ولم يزد شعبه جوعًا وفقرًا وتبعية وصلت إلى حد التسول، أحسبه شهيدًا من صبر على عقوق أبناء شعبه به بالشتم والسب والسخرية والشائعات الكاذبة، ولم يغلق جريدة أو قناة ولم يقصف قلمًا، ولم يسجن أحدًا لرأي صرح به، بل سن قانونًا يحمي به إصحاب الرأي الآخر،
أحسبه شهيدًا من صبر وداوم على ذلك كله، ولم ينحن للفسدة، ولم يعط الدنية أبدًا من دينه أو وطنه أو شرعيته، حتى لفظ آخر أنفاسه في محكمة ظالمة عاتية، يصدر فيها الأحكام زناة عتاة مرتشون، تملأ فضائحهم الشاشات والصحف والمواقع، ليلقى الله الذي لا يظلم عنده أحد، وتكتمل محاكمته، لكن أمام رب العالمين، الحكم العدل، في يوم هو للعدل فقط (لا ظلم اليوم).

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد