مبادرة الإبراهيمي بين التردد والخيبة

تناولت التسريبات الإعلامية نهاية الأسبوع الماضي أخبارًا مفادها عزم الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الخروج عن صمته وإطلاق مبادرة للخروج من الأزمة.

استقبلت وإخوتي المتابعين لتطورات المشهد السياسي في الجزائر وثيقة منسوبة للثلاثي أحمد طالب الابراهيمي والجنرال المتقاعد بن يلس والمحامي والحقوقي يحي عبد النور بخيبة أمل كبيرة، إلى هنا أجزم أنه لا يشاطرني الكثير الرأي وهم معذورون في ذلك.

رسالة الثلاثي وما حملته من طرح لا يخفى على العام والخاص مفادها سرد للمسار الكرونولوجي للحراك منذ 22 فبراير (شباط)، واستياء من تأزم الوضع الساسي ، واستحالة تنظيم الانتخابات في الرابع من يوليو (تموز) المقبل لإقرار رفض الحكومة التي هي في الأصل امتداد للمنظومة السابقة، كما أن محرري الرسالة أكدوا على عدم شرعية الجهاز التنفيذي المصرف للأعمال حتى موعد الرابع من يوليو. ضف إلى ذلك دعوة الجيش إلى فتح الحوار مع ممثلي الحراك ومنظمات وجمعيات وأحزاب المعارضة، إلى غاية كتابة هاته الأسطر الرسالة لم تأت بالجديد.

والمتتبع للتوقيت الذي جاءت فيه الرسالة وكذا إقحام الدكتور طالب الإبراهيمي السياسي والدبلوماسي على اعتباره وزيرًا للخارجية سابقًا للرجلين، الأول يحيى عبد النور الحقوقي ذو التكوين القانوني ومعروف عنه استماتته في الدفاع عن قضايا حقوق الانسان والرجل بن يلس الجنرال المتقاعد ذو التكوين العسكري، فالمزج بين الأطياف الثلاثة مغازلة ثلاثية سياسية، قانونية وعسكرية للتيارات المنظمة والمهيكلة في نطاق أحزاب وجمعيات ومنظمات، وقضاة ومحامون، ومؤسسة عسكرية تتابع عن كثب الأحداث ومتحكمة في اللعبة وتصنع المشهد السياسي، وأصبحت فاعلًا أساسيًا بعد أن كسبت رهان الشارع في صفها.

مبادرة الإبراهيمي المشتركة مع الرجلين تعمد فيها الدكتور مقاسمتها لكي تعمم المسؤولية على الثلاثة، ويدرأ عن نفسه تبعات فشل المبادرة من جهة ومن جهة أخرى تلميح إلى قيادة جماعية للمرحلة انتقالية، وتجنيب الرجل تحميله مسؤولية إدارة المرحلة بمفرده وهذا اعتبارًا للظروف الصحية وتقدم الرجل في السن، والذي لم يخفه في العديد من المناسبات.

تهكم الكثيرين واستيائهم من محتوى رسالة الإبراهيمي له دواعيه، بعدما نالت المبادرة ترويجًا مسبقًا وتهليلًا جعل الكثيرين يعتقدون أن الرجل يحمل عصا موسى، ومبادرته كفيلة بإخراج البلاد من الأزمة إلى بر الأمان.

دعوة الرجل للمؤسسة العسكرية لإدارة حوار جامع لمختلف الفواعل السياسية والجمعوية البريئة من مشاركة المنظومة خلال العشرين سنة الأخيرة فيه قراءتين.

الأولى أن المؤسسة العسكرية جزء من الأزمة وفاعل أساسي فيها على اعتبارها رافقت وواكبت العهدات المتتالية لبوتفليقة حتى بعدما ساءت حالته الصحية.

والثانية أن المؤسسة العسكرية في الوقت الراهن هي الجهة الوحيدة المقبولة شعبيًا ولدى الفواعل السياسية إذا دعت إلى ندوة حوار جامعة، والسؤال هنا هل ستكون المؤسسة العسكرية طرفًا في الحوار أو مشرفًا عليه.

الجواب بالنسبة للطرح القائل بأن المؤسسة العسكرية فاعل أساسي في الأزمة يجعلنا أمام حتمية العودة إلى بدايات الأزمة السياسية منذ توقيف المسار الانتخابي وسيطرة الجيش على مفاصل الدولة. وبالتالي فتح ملفات لا أول ولا آخر لها. واستدعاء أسماء من تسببوا في المأساة الوطنية إبان العشرية الحمراء، وهذا لم ولن يخدم مخارج الأزمة في الوقت الراهن.

والجواب بالنسبة للإشكالية الثانية على اعتبار أن دعوة وإشراف المؤسسة العسكرية على الحوار الوطني، على اعتبار التوافق الحاصل بين المؤسسة والحراك الشعبي، من شأنه إلزام المؤسسة بمسافة الأمان حتى تضمن الانتقال السلس وتكون في منأى عن التدخل المباشر في الوقائع السياسية.

محرر الرسالة أهمل متعمدًا مخرجات الأزمة الحقيقية، وتعمد صياغة سطحية للمبادرة، وقزم دور المرحلة الانتقالية في الخروج من الأزمة وسرد معطيات لا تخفى عن العام والخاص، رسالة أقرب إلى الدبلوماسية من الواقعية.

في حين يستدعي الوضع مبادرة أكثر شجاعة وجرأة لن يقوى على صياغتها سوى وجوه شابة وطنية مقدامة، فالثورة والتغيير لا يقوى على تنفيذه سوى ذوي العزيمة وأولي القوة والبأس، مع احترامنا لنضال الرجال ومساراتهم السياسية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد