بصوت متجهم وأسلوب فظٍّ جدًّا قالت لي: ” يعني هما المسلمين واحنا اللي كفرة؟”، ثم انطلقت تتمتم بكلماتِ سباب تظن من تتابعها أنّها لا شك تعويذة ستقلبُهم قرودًا من كم هذا الكره الدفين الذي تلوكه في لسانها ويشعل صدرها!

ـ والأخرى مثقفة جدًّا تلتهم الكتب التهامًا، إلا أنّك تقتنع بعد أول محادثة لكما أنه لديها تُخمة معرفية فحسب، غالبًا لم تقرأ من كل ما قرأت قول عليّ عزت بيجوفيتش إن “القراءة المبالغ فيها لا تجعلنا أذكياء, بعض الناس يبتلعون الكتب وهم يفعلون ذلك بدون فاصل للتفكير، وهو ضروري لكي يُهضم المقروء ويُبنى ويُتبنى ويُفهم. عندما يتحدث إليك الناس يخرجون من أفواههم قطعًا من هيجل وهايديجر أو ماركس في حالة أولية غير مصاغة جيدًا، عند القراءة فإن المساهمة الشخصية ضرورية مثلما هو ضروري للنحلة العمل الداخلي والزمن، لكي تحول رحيق الأزهار المتجمع إلى عسل “هي نسيت دور المساهمة الشخصية فقط هي متلقٍ للكلمات، كما تتلقّى الأخبار فتوقن تمامًا بها”.

على أي حال هي مقتنعة تمامًا أن هذا الكيان ما هو إلا كيان صهويني لنشر الفرقة بين المسلمين وزعزعة فكرة الشمولية في الإسلام!

ـ والأخيرة كانت ترى أنّ الإخوان قد قاموا بعمليات “غسيل مخ” كاملة لأولادها، حيث إنّهم ذهبوا إلى المساجد التى يُحفِّظ فيها شباب من جماعة الإخوان المسلمين الأولاد، ومن ثمّ تغير حالهم فصاروا يُصلون ويلتزمون بكثير مما كانت تتمنى لو يلتزمون به، إلا أنّها الآن تكره هذا اليوم الذي امتاطوا فيه أحذيتهم وذهبوا إلى حيثُ كان شباب الإخوان!

لم يكن يعلم الإمام حسن البنا أبدًا (1)  حين زاره إخوانه الستة: حافظ عبد الحميد، وأحمد الحصري، وفؤاد إبراهيم، وعبد الرحمن حسب الله، وإسماعيل عز، وزكي المغربي، وهم من الذين تأثروا بالدروس والمحاضرات التي كان يلقيها الإمام، وجلسوا يتحدثون فقالوا: “لقد سمعنا ووعينا، وتأثرنا ولا ندري ما الطريقة العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين، ولقد سئمنا هذه الحياة: حياة الذلة والقيود، ها أنت ترى العرب والمسلمين في هذا البلد لا حظ لهم من منزلة أو كرامة، وأنهم لا يعدون مرتبة الأجراء التابعين لهؤلاء الأجانب.

ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذا الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة، من قوت أبنائنا، ولا نستطيع أن ندرك الطريق إلى العمل كما تدرك، أو نتعرف السبيل إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرف، وكل الذي نريده الآن أن نقدم لك ما نملك لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا وعما يجب أن نعمل، وإن جماعة تعاهد الله مخلصة على أن تحيا لدينه، وتموت في سبيله، لا تبتغي بذلك إلا وجهه، لجديرة أن تنتصر، وإن قل عددها وضعفت عدتها”.

كان ببساطة هذا هو أساس تكوّن جماعة الإخوان المسلمين ولهذا القول المخلص أثره البالغ في نفس البنا، فأجاب ببساطة جدًّا: “شكر الله لكم وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح، يرضى الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح. فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندًا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة”.

لم يكن يعلم البنا على أي حال أنّ تلقائيته في اختيار اسم كهذا حينما سُئل حيث قال قائلهم: “بمَ نسمي أنفسنا؟ وهل نكون جمعية أو ناديًا، أو طريقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل الرسمي؟”.

فقال: “لا هذا، ولا ذاك، دعونا من الشكليات، ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه: الفكرة والمعنويات والعمليات. نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن (الإخوان المسلمون)”.

فقط بهذا تسمّوا، ولأجل هذا أٌنشئوا، ولم يكن يدري الإمام وقتها أنّ نوائب الدنيا ستجعل من الاسم أكبر عائق، ومن الفكرة أكبر جماعة إرهابية في مصر.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

كتاب مذكرات الدعوة والداعية للإمام حسن البنا
عرض التعليقات
تحميل المزيد