بكل صراحة يمكننا القول إن دول قارة آسيا عامةً ودول الخليج خاصةً اليوم تعيش نهضة اقتصادية تنموية تاريخية شاملة، وإنها ورشة عمل تحتوي على خريطة متنوعة لبناء المستقبل الذي يرتكز على النظريات الاقتصادية الحديثة التي ترى ضرورة النظر إلى استخدام رأس المال بتنوعه كافةً، وليس مجرد الأصول المالية فقط، لأن رأس المال يتخطى الأدوات المالية، ليضم معها الأدوات المصنعة، والفكرية، والبشرية والاجتماعية.
فتوفير رأس المال المالي يمثل جزءًا بسيطًا من أدوات إنتاج القيمة، ولم يعد بإمكان الأداء المالي وحده القدرة على إنتاجها، ولقد أثبتت أزمات الانهيارات المالية في العقد الأول من القرن الـ21 من أوله وحتى منتهاه أن الاقتصاد المتكئ على رأس المال المالي وحده، لم يكن محصنًا بما يكفي لمواجهة المخاطر في المستقبل، ولم يكن قادرًا على ضمان استدامة إنتاج القيمة للمجتمعات بطريقة مستدامة، وإذا كان إنتاج القيمة يرتبط ابتداءً بتحسن جودة الحياة، فإن هذا يرتكز على الاستخدام الأمثل، لأكثر من نوعٍ من أنواع رأس المال، ولكن هذا الوضع يتطلب النموذج من العمل من خلال دمج هذه الأنواع جميعًا بوصفها مدخلات في نموذج أعمال واضح يسهم في بناء أنشطة تصنع القيمة في شكل مخرجات اقتصادية شاملة ومتنوعة.
فالدول الآسيوية تُدار اليوم وفقًا لمفاهيم اقتصادية متقدمة بناءً على محاور ذات رؤية مستقبلية متمثلة في: مجتمع حيوي اقتصاده مزدهر ووطن طموح، ولتحقيق هذه المرتكزات لا بد من التوظيف الجيد والمتكامل لأنواع رأس المال كافة. في هذا السياق طُرحت عدة برامج ومشاريع وإستراتيجيات فإذا كان برنامج صندوق الموارد البشرية يسعى إلى تحقيق توظيف كامل لرأس المال المالي فإن برنامج تنمية الموارد البشرية يوظف رأس المال البشري، وهذا التوجه يأتي إلى جانب عدة برامج مماثلة مثل إستراتيجية تطوير البنية التحتية، التي توظف رأس المال الفكري والثقافي، فإن إستراتيجية تطوير الهيكل الاقتصادي ستعتمد أساسًا على ما يتوافر في البلد من إمكانات طبيعية تمثل رأسمال يمكن توظيفه من أجل إنتاج القيمة التي ستحقق الرفاهية للإنسان في بلده .
فالطبيعة التي توفرها الدول الأسيوية من قمم وقيم حضارية وتاريخية ومسارات وتنوع جغرافي غني يمكن تحويلها إلى وجهة سياحية عالمية تجذب عشرة ملايين زائر، كما تستهدف الإستراتيجية، فالعالم يتطلع اليوم إلى اكتشاف ممرات جديدة ويبحث لمعرفة التنوع الثقافي المستند إلى تراث أصيل.
أما بالنسبة للدول الأفريقية فيما سيتمثل التوظيف القوي لرأس المال الطبيعي في مناطقها في المشروعات الحيوية التي ستطور اقتصادها، ومن ذلك تطوير قدرتها على الربط بين دول قارات العالم الثلاث، بما يعزز من دور النقل والقطاع وبما يحققه من قيمة مضافة، وكذلك يساهم في دفع عجلة النمو الاجتماعي والاقتصادي في مناطقها، وتوفير فرص وظيفية ضمن برنامج لتطوير الموارد البشرية، مع توافر بنية تعليمية، فإن التكامل بين أنواع رأس المال قد توفر بشكلٍ كبيرٍ الفرص الوظيفية عالية المهارة، ورفع جودة الحياة والارتقاء بالخدمات الأساسية وتهيئة المنطقة لتكون وجهة عالمية طوال العام اعتمادًا على مكامن قوتها الثقافية والطبيعية.
فمتى تتم الدول الأفريقية تحقيق الترابط بينها من أجل التوجه الى اقتصاد مشترك من أجل محاربة المعوقات والصعوبات التي تطاردها منذ آلاف السنين، وتعزيز مكانتها بين دول العالم المتقدم، وإعطاء صورة واضحة وحديثة للاقتصاد الأفريقي على المستوى العالمي، وهذا من أجل تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، التي تعود بالنفع على لوطن عامةً والأفراد خاصةً، في ظل الضروف القاسية التي يعيشها الفرد الأفريقي من حروب واظطربات اقتصادية واجتماعية، ومن كافة المجالات.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست