وتقع بلاد «هلس استان » في بقعة ما من بقاع هذا الكون الفسيح
و«هَلَسَ» في معجم اللغة تعني من ذَهَب رُشْده وجعله يَهْذي، و«استان» كلمة من أصل فارسي معناها «مكان» أو «أرض» مشتقة من كلمة «شتانا» في اللغات الهندية الآرية والتي تعادلها في المعنى، وإجمالًا فــــــ«هلس استان» تعني «أرض العك» بفتح العين أو «وطن الهلس» باللهجة العامية المصرية.
هناك في بلاد «هلس استان» حيث لا يخضع أي شيء إلى قواعد المنطق والمعقول
فالجميع قد ذهب رشده، الكل يهذي بلا استثناء، أشياء لا يمكن فهمها أو تفسيرها، عنف وتعصب ودم وفوضى خلاقة وتهجير وثورات أصبحت فيما بعد حروبًا، أصبح الجنون هو الذي يقود المشهد والمنطق الذي تنحى ولم يعد ينطق، فكيف لنفس أن تحتمل هذه الرزايا والبلايا الملونة بكل ألوان الطيف؟ فالبقاء تحت سُلطة قوانين متهورة بهذا الشكل سيجعل كل محاولات التغيير عبثية وبلا جدوى.
في بلاد «هلس استان » حيث جنوح الرأسمالية من أجل الربح على حساب الاعتبارات الإنسانية الأخرى أصبح مقززًا، فبائع اللبن يمنع اللبن عن طفل مريض ويحتاج إليه كعلاج بسبب عدم مقدرة أبيه عن دفع ثمنه، بينما هذا البائع يعطي اللبن للغني ليقدمه لكلبه لقدرته على دفع ثمنه أي منطق وأي عقل يقبل هذا؟!، فبسبب اندماج المال مع السلطة تولدت مشكلات اجتماعية بشكل صارخ أدت إلى عدم عدالة التوزيع للدخل والثروة، لقد أصبح الوضع مترديًا وأصبح الحال مزريًا.
هناك دلالات على فقدان هذه البلاد لعقلها، فبينما تعلن حكومة «هلس استان » ليلًا ونهارًا عن احتياجات البلاد التي تعاني من الفقر والجوع وتأثرت بشكل كبير من ارتفاع أسعار الغذاء، وأعلنت سياسة التقشف لكي تحسن من قدراتها وتتلافى أوجه القصور في المحاصيل الزراعية خلال المواسم القادمة، نجد أن حجم الإنفاق على السلاح قد فاق حدود المتوقع فكيف لدولة شديدة الفقر أن تستنزف جزءًا كبيرًا من ميزانيتها في الإنفاق على التسليح مما يجعلها لا تملك إلا الاستمرار في تصدير الموارد الأولية دون التفكير في إقامة منشآت صناعية أو غيرها تمكنها من تحسين صادراتها والعمل على امتلاكها لاقتصاد قوي.
في هذه البلاد يسود الجهل بالتوازي مع كثرة المدارس والجامعات، نظام تعليمي فاشل لا وعي ولا توعيه وكأن جهل الشعب يصب في مصلحة من يحكمون «هلس استان»، آلاف الخريجين كل عام في جميع المجالات، غابت الثقافة فلا أحد يقرأ أو يهتم أصبح غالبية الشباب يحمل شهادات جامعية ليطويها في الأدراج او يُعلقها على الحائط،ثم يتوجه ليأخذ مكانه المعتاد بين من سبقوه على المقهى فسوق العمل مغلق «بالضبة والمفتاح»!، فهل كان الأهل ينحتون في الصخر ويصرفون من دمائهم على تجربة تعليمية فاشلة من أجل أن يذهب الأبناء في النهاية إلى المقاهى والحانات؟!، وهل المقهى هي الملاذ الأخير والمنتهى لكل صاحب شهادة جامعية؟!
وعلى الرغم من حالة الاحتقان التي تشهدها الساحة السياسية في بلاد «هلس استان» وحالة الغليان التي تنتاب المواطنين من جراء السياسات الاقتصادية التقشفية المبالغ فيها، تجد أن مواطنين «هلس استان» لم ينشغلوا عن الاهتمام بالترفيه عن أنفسهم وإنفاق مبالغ كبيرة تصل إلى المليارات على «مزاجهم» بما فيها المخدرات، فارتفع حجم إيرادات مصانع الدخان والشاي والنسكافيه، وكأنه كلما كانت الحالة الاقتصادية للبلاد متدهورة زاد الإنفاق على الأشياء المزاجية.
يبقى أن أقص عليكم قصة طريفة من قصص بلاد «هلس استان» التي لا تنتهي، فهناك المشاهير من الفنانين والرياضين والتي تصل عقودهم بالملايين من المسلسلات ومباريات الكرة، يقومون بعمل إعلانات في أحد الشهور المقدسة من العام وذلك لجمع التبرعات لدور الأيتام أو المستشفيات ويحضون فيها المواطن الفقير الذي لا يكاد يكفيه راتبه أو معاشه هو وأسرته لشراء الخبز فقط على التبرع والمساعدة!
ألم أقل لكم إنه عالم مجنون ساخر وهزلي وغير موضوعي؟!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست