«أنت موهوب، لكنك لم تصل بعد».
صرح الأديب العالمي نجيب محفوظ في حواره مع مجلة باريس ريفيو العالمية، بأنّ تلك الجملة وقعت على مسامعه كصوت الرعد على لسان سلامة موسى رئيس تحرير المجلة الجديدة، بعدما تم رفض جميع قصصه للنشر عام 1929.
لم تكن مسيرة نجيب محفوظ الأدبية سهلة أبدًا، بل اعترف في نفس الحوار بأنّه هو من كان يصرف على أعماله الأدبية في بداية حياته، و لم يبدأ في تحقيق أرباح من فنه، إلا بعدما تُرجمت قصصه للإنجليزية والفرنسية والألمانية، وهو من أكثر الكتاب العرب الذي تم ترجمة مؤلفاتهم، فقد تُرجمت أعماله لحوالي 40 لغة.
وصول الروايات العربية للعالمية لم يكن سهلًا أبدًا، لكن نتائجه كانت مثمرة للكاتب وللعمل نفسه، فحصل الكثير من الكتّاب العرب على تلك الفرصة العظيمة مثل محفوظ، وتم ترجمة العديد من الروايات العربية إلى لغات أخرى حتى بلغت العالمية، ومنها.
زقاق المدق: من هنا بدأت عالمية محفوظ
زقاق المدق هي الرواية الأولى التي تم ترجمتها لنجيب محفوظ ، ومن بعدها بدأت سلسلة الترجمة لباقي أعماله، وتعد أيضًا أولى الروايات العربية التي دخلت السينما العالمية عن طريق فيلم ميكسيكي تم إنتاجه في عام 1994 بعنوان حارات المعجزات.
«ثم أن هناك أمورًا لا يُمكن أن تُنسى».
عبارة ساكنة بين ثنايا ثلاثية محفوظ وكأنها تتحدث عن نفسها، فالثلاثية كانت من الروايات الهامة التي لا يمكن نسيانها أبدًا، فقد جلبت للأديب الراحل شهرة ملموسة في مصر مع صدورها عام 1957، وتعتبر أيضًا من أولى الروايات التي تم ترجمتها من أعماله، وتلك السلسلة التي تتكون من ثلاثة أجزاء (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) صُنفت ضمن أفضل مئة رواية عربية طبقًا لتصنيف اتحاد الكتاب العرب.
تُرجمت للمرة الاولى للفرنسية، ولكن بعد أن حصل محفوظ على جائزة نوبل عام 1988 تُرجمت إلى العديد من اللغات.
ثلاثية غرناطة: لا وحشة بين حروف رضوى
لم تكن ثلاثية محفوظ الثلاثية الوحيدة التي وصلت للعالمية، ثلاثية رضوى عاشور أو ثلاثية غرناطة بالمعنى الحرفي كانت واحدة من أروع الروايات العربية التي لفتت نظر الغرب، وتم ترجمتها بقلم وليام جرانارا.
«لكل شيءٍ في هذة الدنيا علامة، قد لا يفهمها الإنسان أبدًا.. وقد يفهمها بعد حين».
تلك الجملة وصفت بيها رضوى عاشور مملكة غرناطة المسلوبة حق الوصف، حيث تدور أحداث الرواية بعد سقوط المملكة الإسلامية في الأندلس وترحيل المسلمين منها، بعد استيلاء الإسبان على غرناطة.
تلك الرواية لم تكن ملحمة تاريخية فقط، بل ملحمة من الشجن تركته رضوى عاشور بين ثنايا حكايتها عن الأندلس، وجسدت المشاعر المضطربة على هيئة أبطال الرواية وحكايتهم مع غرناطة بين خوف وحنين وندم.
ساق البامبو: بداية المجد كانت من البوكر
كما قال سعود السنعوسي في رائعته ساق البامبو «كل شيءٍ يحدث بسبب.. ولسبب» فكانت البوكر أحد الأسباب الهامة في وصول تلك الرواية للعالمية.
ساق البامبو هي ثاني رواية للكاتب الكويتي سعود السنعوسي، والتي بفضلها أصبح أول كاتب كويتي يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر».
وقد تُرجمت تلك الرواية لـ10 لغات «الإنجليزية، الإيطالية، الرومانية، المقدونية، التركية، الفارسية، الكردية، الصينية، الكورية، والفلبينية».
تتميز أعمال سعود السنعوسي بالجرأة، فرواية ساق البامبو كانت تتناول موضوعًا شائكًا عن العمالة في الخليج، ومشكلة الأنساب المُنكرة، نتيجة التزاوج غير الشرعي بين سيد المنزل وخادمته.
الأمر كله جراءته لا تكمن في اختيار الموضوع فقط، بل في اسلوب السنعوسي أيضًا، والذي تلين به الفكرة الصعبة بين سطوره، ويزداد جمال الكلمات السهلة باختيار حروفه.
لم تكن ساق البامبو آخر رواية مترجمة أو جريئة من أعماله، رواية «فئران أمي حصة» تُرجمت أيضًا للغة الإنجليزية عام 2019، ورغم أنّها تحفة فنية حقيقية، لكنها مُنعت من العرض في الكويت في 2015، ثم بعد ثلاث سنوات أصدر تصريح بوقف قرار منع الرواية، وتم عرضها مرة أخرى على رفوف مكتبات الكويت.
رجال في الشمس: عن قوة القلم الفلسطيني
تعتبر رواية رجال في الشمس الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي وجد نضاله في الورقة والقلم بدرجة من الإبداع جعلته هدفًا للاغتيال من قبل الجهات الإسرائيلية.
سعى كنفاني في أن يجعل للقضية الفلسطينة جسدًا ينزف وروحًا تستغيث خلال تجسيده لها في رواياته، وقد برع في فعل ذلك الأمر، وكانت واحدة من الروايات التي هزت المشاعر تجاه الوطن وفلسطين هي رجال في الشمس.
تدور أحداث الرواية عقب هزيمة 1948 وتأثيرها على الشعب الفلسطيني بعد الاحتلال عبر أربعة أجيال مختلفة، حيث دفعهم يأسهم للفرار من ألم ومذلة الاحتلال والتهديد بالموت، ومحاولة السفر للكويت، وخلال تلك الرحلة يكتشفون أنّ الموت الحقيقي ليس في الاحتلال، لكن في الابتعاد عن الوطن.
تحولت الرواية لفيلم سينمائي تم اختياره ضمن أهم الأفلام السياسية في تاريخ السينما العالمية، وحاز الفيلم على الجائزة الذهبية في مهرجان قرطاج.
موسم الهجرة إلى الشمال: عبقري الرواية العربية
لُقب الكاتب السوداني الطيب صالح بعبقري الرواية العربية، بعد الشهرة التي نالها بفضل ترجمة روايته «موسم الهجرة إلى الشمال».
والتي تحكي عن شاب سوداني عاش حياته معذبًا بنار الاحتلال، ثم قرر الهجرة إلى بريطانيا، ولكن رغبته في الثأر لوطنه لم تتركه يهاجر وحيدًا، وظلت تحوطه في كل مكان، فلم يتمكن من التخلص منها، ولم يقدر أن يُشفيها أيضًا حتى اللحظات الأخيرة في حياته.
حياته التي أنتهت وهو يصرح معترفًا بمشقة الطريق وضعف حيلته «أنا في منتصف الطريق بين الشمال والجنوب، لن أستطيع المضي ولن أستطيع العودة».
تُرجمت الرواية إلى الروسية من خلال فلاديمير شاجال، وكذلك تُرجمت للإنجليزية عن طريق دنيس جونسون.
في النهاية بعد الحديث عن جزءًا من أشهر الروايات العربية المترجمة، اتضح أن الكتابة تبقى أقوى مؤثر في كل الثقافات والأزمان على اختلافها، لا يهم ما هي لغتك، أصلك، موطنك، ما دامت فكرتك تستحق الانتشار، فأهلًا بك في مدينة القلم عاصمة الكتابة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست