في خضم الأحداث المتلهبة في المنطقة ، برزت مخالب الصهيونية الإسرائيلية والفارسية الإيرانية كأدوات فاعلة في تحريك الصراع الدائر بين الأنظمة الفاسدة وشعوبها الثائرة . كنا قد تحدثنا في مقالنا السابق عن ’’ الشقيقتين إسرائيل و إيران .. النشأه وخيوط العلاقة ‘‘ وفي هذه السطور سنستكمل الحديث عن رؤية الشقيقتين وأهدافهما في المنطقة .

 

 

الرؤية :

 

 

ينظر الفرس واليهود إلى العرب نظرة دونيه واحتقار، ويتجلى ذلك في خطاباتهم القومية المعادية للعرب والإسلام ، فإذا قرأنا الخطاب القومي الفارسي الإيراني سنعرف مدى الكراهية التي يحملها الفرس للعرب ودين الإسلام الذي شرفهم الله برسالته ، فالفرس لن ينسوا أبدا أن العرب والمسلمين هم من أنهى قرونا من حكم إمبراطورية فارس التي نشأت في إيران وامتدت من شمال وشرق شبه الجزيرة العربية إلى تركيا غربا ، وعلى هذا الأساس يتمحور الخطاب القومي الفارسي الذي تم تبنيه رسميا من قبل الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في إيران .

 

بالمقابل، ينظر اليهود للعرب بأنهم غاصبون لدينهم ومقدساتهم ، وبأن محمدا العربي قد انتزع الملك والنبوة منهم ، والتي كانت حكرا  لشعب الله المختار كما يزعمون ، وأن العرب شعوب الرعاع والدهماء قد أوتوا ما لا يستحقون من التكريم والتفضيل الذي خصهم به الله تعالى بأن جعل خاتم الأنبياء من بين ظهورهم ، في حين كانوا ينتظرون خروج هذا الرسول في بني إسرائيل ، فهم شعب الله المختار وأبناؤه وأحباؤه .

 

 

يذكر التلمود وهو كتاب تعاليم الديانة اليهودية ( أن الاسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة ، وأنه جزء من الله ، ومن ضرب يهوديا فكأنه ضرب العزة الإلهية . والشعب المختار هم اليهود فقط ، وما سواهم من الشعوب ـ ومن بينهم العرب ـ مجرد حيونات خلقوا لخدمة شعب الله المختار ) .

 

ومن هذه الرؤية الحاقدة ينبع الخطاب القومي الفارسي العنصري ، وكذلك الخطاب القومي اليهودي الأكثر عنصرية تجاة العرب والإسلام . فالخطاب الفارسي يتصف بخاصية العنصرية للعرق الآري ـ الفرس ـ ومعاداة العرب كعرق سامي دون غيرهم ، والإسلام كدين وثقافة كانت السبب في تدمير إمبراطورية فارس ، وقد نشأ هذا الخطاب باحثا عن إجابة لأسباب التخلف التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية التي من ضمنها إيران ، وفي لجة هذه الأحداث اكتشف المثقفون الحداثيون من القوميين الفرس أن تخلف بلادهم يكمن في وجود الدين الإسلامي ، وأن السبيل الوحيد للخروج من دائرة التخلف هذه وتحقيق أهدافهم ببناء إيران الحديثة ، هو العودة إلى ماضي إيران القديم ، إيران ما قبل الإسلام ، إيران كسرى وفارس .

 

وبهذا الحل الذي توصلوا إليه نبعت كراهيتهم للإسلام وللعرب خصوصا لأنهم مصدر هذا الدين ، ولذلك ينفرد العرب بالدونية والاحتقار والبغض المبالغ فيه أحيانا في أدبيات القومية الفارسية عن غيرهم ، فالعرب الحفاة الجياع رعاة الأبل الذين ليست لهم ثقافة أو حضارة تذكر ، هم السبب الكامن وراء تخلف إيران والفرس عن ركب الحضارة الغربية كما يرون ، ومن هذه البعد الحاقد تشكلت الصورة القبيحه لدى المفكرين القوميين الفرس عبر العصور .

 

كتب ’’ آخوند زاده ‘‘ وهو رائد الفكر القومي الفارسي الحديث ( وا أسفاه عليك يا إيران ، أين عظمتك ؟! أين سطوتك ؟! أين سعادتك ؟! لقد جوعك العرب الحفاة ولمدة 1280 سنة ، وخربوا أرضك ، وجعلوا أهلك يجهلون التطورات الكبرى التي حدثت في العالم ومحرومون من نعمة الحرية ، وملكهم رجل جاهل ) .

 

كما كتب أحد منظري هذا الفكر العنصري ويدعى ’’ آرمش دوستدار ‘‘ يقول ( كيف للثقافة التي بدأت مع ’’ زرداشت ‘‘ ـ مؤسس الديانة الزردشتية في إيران ـ ، ونمت وتبلورت على يدي ’’ ماني ‘‘ ، وشهدت الثورة الدينية والاجتماعية التي قام بها ’’مزدك ‘‘ أن ينتهي أمرها منحدرة إلى هاوية السقوط ، على يد رسول ينتمي إلى شعب هو الوحيد من بين شعوب السامية الذي لا ثقافة له ، وذلك عبر شعار لا إله إلا الله . هذا الإسلام الذي لا يحتوي على أي رائحة للإبداع ، ولا تنسجم أطروحاته مع ظروف الحياة ، والفاقد لكل مظهر حضاري وثقافي ) .

 

 

بل وصل حقدهم واحتقارهم للعرب إلى حد قول أحد أهم شعرائهم المشهورين ويدعى ’’ مصطفى بادكوبه ‘‘  قصيدة باللغة الفارسية بعنوان ’’ إله العرب ‘‘ يحتقر فيها العرب ويقول مخاطبا الله ـ إله العرب كما يزعم ـ ( خذني إلى أسفل السافلين ـ يقصد قعر جهنم ـ أيها الإله العربي شريطة أن لا أجد عربيا هناك أو أسمع كلمة عربية واحده ) . وأردف يقول أيضا ( إن كلام غاندي وأشعار هوغو أشرف من المزاعم العربية ـ يقصد القران ـ ) . ويختم قصيدته الحاقدة هذه قائلا ( أقسم بك يا إلهي يا رب الحب أن تنقذ بلادي من البلاء العربي ) . كل هذه السموم الحاقده بثها هذا الشاعر العنصري من على منبر ثقافي حكومي رسمي ، ووسط هتافات جمهور محبي الشعر والأدب الذين وصفوه بأسد الأدب الإيراني .

 

 

وقبل أيام نشرت مواقع إيرانية أغنية راب بعنوان ’’ اقتل عربيا ‘‘ كتبت كلماتها بالفارسية وتحمل عبارات مسيئة للعرب ، ومصرحة من وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامية في إيران .

 

 

هذا غيض من فيض الأدب القومي الفارسي الكاره لكل ما هو عربي ، والمعتمد رسميا من قبل الأنظمة الفارسية المتعاقبة على حكم إيران ، بما فيها نظام الملالي والعمائم السوداء حاليا ، والأكثر عنصرية من غيره .

 

 

على الجانب الآخر ، يتصف الخطاب القومي اليهودي بالعنصرية للعرق السامي اليهودي لشعب الله المختار دون غيره من شعوب أولاد سام بن نوح ، فهم يحاولون أن ينسفوا صفة السامية ـ العرق السامي ـ عن غيرهم خصوصا العرب الذين يتشاركون معهم في نفس العرق ، وقد نجحوا فعلا بدهائهم وسيطرتهم على وسائل الإعلام ودهاليز السياسة الأوربية والأمريكية بحصر السامية فيهم دون سواهم ، وظهر مصطلح السامية الذي يعني اليهود في كل معاجم اللغة الأوربية والأمريكية ، وسُنت القوانين التي تجرم العداء للسامية اليهودية دون سواها ، وسجن المفكرون والكتاب والأدباء لمجرد نقدهم سلوك اليهود الإجرامي في أرض فلسطين المحتلة ، أو نقد حجم نفوذ اليهود السياسي والاقتصادي والإعلامي في بلدانهم  ، والتهمة كانت هي العداء للسامية !!

 

 

ويكفي أن نستدل هنا بحجم العنصرية اليهودية ضد العرب من خلال ما نراه في أفلام هوليوود المملوكة بالكامل لشركات الإنتاج اليهودية ، والتي حرصت على خلق صوره نمطية سيئة عن العرب في عقول المجتمعات الغربية والأمريكية ، فالعرب كما تظهرهم أفلام هوليوود ، ليسوا سوى أشرار ماكرون ، ماجنون ، يبحثون عن الملذات والشهوات ، إرهابيون ،  قتلة مجرمون متعطشون للدماء ، رعاع جهله متخلفون ، ليست لهم أي  ثقافة أو حضارة .

 

 

عدا ذلك كله ، تحمل الشقيقتان ـ إسرائيل وإيران ـ رؤية مزدوجة تجاه جزيرة العرب على أنها أرض سلبت من أيديهم ، فالفرس يرون أن هذه الأرض كانت ملكا لإمبراطوريتهم التي دامت لقرون ويسعون لاستعادتها من جديد ، بينما يرى اليهود أن أرض العرب هي أرض المعياد التي وعد الرب أن يمنحهم إياها ، ليقيموا عليها مملكة إسرائيل الممتده من الفرات إلى النيل ، والتي سيحكمون بها العالم أجمع بعد أن ينزل ملكهم يهوذا على جبل صيهون ويتوجونه ملكا على العالم كما يعتقدون .

 

 

تلك بإيجاز هي الرؤية الإيرانية الإسرائيلية للعرب والإسلام ، والتي تبدوا متطابقة تماما ، نفس العنصرية القومية ضد العرب ، ونفس الأدبيات القومية التي تحقرهم ، ونفس الحقد والبغض الدفين الذي يحملونه في صدورهم وعقولهم للعرب عبر القرون .  فماذا عن أهدافمها في المنطقة ؟!

 

 

الأهداف :

 

طالما عرفنا أن رؤية اليهود والفرس إلى العرب لا تختلف في جوهرها ، فبكل بساطة نستطيع القول بأن أهدافهما في المنطقة واحدة ومشتركة وأهمها على الإطلاق ’’ تدمير العرب كقومية تجمع تحت سقفها مئات الملايين من البشر ، وتدمير الإسلام كدين كان سببا في زوال ممالك وإمبراطوريات يهوذا وفارس ‘‘ .

 

 

وفي أيامنا هذه ، يبدو جليا نشاط إسرائيل وإيران في تدمير المنطقة العربية وتفتيت قوى العرب وتقطيع أوصالهم ، بعد أن سهل لهم ذلك أنظمة فاسدة أسقطت بثورات شعبية جامحة ، أججتها حناجر ودماء شباب حر ، كسر حواجز الخوف ، ورماها خلف ظهره وأنبرى يقض مضاجع الطواغيت وعروشهم ، فما كان من هذه الأنظمة  إلا أن فتحت الباب لإيران ومن خلفها إسرائيل لتعبث في دول الربيع العربي ، وتخطف ثمار الثورات العربية من أفواه آكليها في سوريا والعراق ومصر واليمن .

 

 

لقد اقتضت اللعبة الإسرائيلية الأمريكية أن تسلم المنطقة لإيران بعد أن فشل الطواغيت في السيطرة على الشعوب الثائرة ، وفقدوا شرعيتهم المزيفة ، وأحرقت كل كروتهم ، بل ووجوه بعضهم كما حصل لعلي صالح في اليمن ، فكان الحل أن تدخل إيران في الصراع العربي بين الشعوب الثائرة وأنظمتها المتساقطة ، لتوقف زحف طوفان الثورة على باقي المنطقة العربية ، والتي كانت تخشى إسرائيل أن تصل إليها ، فتقتلعها من جذورها كدولة غاصبة ومحتله لأرض عربية ومقدسات إسلامية .

 

 

إن تدخل إيران بمالها وجيشها في سوريا والعراق واليمن بحجة حماياة المقدسات تارة ، ونصرت الأقليات المضطهدة والمظلومين تارة أخرى ، لهو الحجة القبيحه ، والفرية النتنة التي انطلت على عقول البعض ، والحقيقة الواضحة أن إيران المتربصه قد دخلت المنطقة بضوء أخضر أمريكي لأهداف أهمها :

 

١ـ خلط الأوراق وإرباك المنطقة ومحاولة إنقاذ الأنظمة الساقطة وإفشال ثورات الربيع العربي الملتهبه .

 

٢ـ تفتيت المنطقة العربية وسحق كل من يهدد المصالح الأمريكية والإسرائيليه .

 

٣ـ حماية إسرائيل من تداعيات الربيع العربي .

 

 

وقد يبدو للكثير العداء الإسرائيلي الإيراني كحقيقة تنسف كل ما ذكرت من الوقائع والأهداف ، لكني أقول ، أن هذا العداء هو الرماد الذي يذر به على العيون ، ليخفي خلفه علاقة ماجنه بين هاتين الشقيقتين ، ولمن يشك في ذلك نطرح هنا بعض الأسئلة :

 

كم أطلقت إيران صواريخ على إسرائيل ؟! وكم أطلقت إسرائيل صواريخ على إيران ؟!

 

هل نشبت حرب بين إسرائيل وإيران منذ نشأتها ، ومنذ ظهور نظام الملالي في طهران ؟!

 

هل قتل إيراني واحد في عملية ضد إسرائيل بحرا أو برا أو جوا ؟!

 

أين يقاتل فيلق القدس الإيراني والحرس الثوري ؟! هل في أرض القدس المحتلة أم في سوريا والعراق ؟!

 

هل تعلم حجم التبادل التجاري الغير معلن بين إسرائيل وإيران ؟!

 

هل سمعت عن فضيحة “إيران جيت” التي زودت فيها إسرائيل إيران بالسلاح في حربها ضد العراق ؟!

 

هل تعلم أن هناك في إسرائيل 200 الف يهودي إيراني يعيشون مع أبنائهم في إسرائيل ، ويشغل بعضهم مناصب عليا في أروقة السياسة الإسرائيلية ؟!

 

هل تعلم أن في إيران 40 معبد يهودي تلحق بها مدارس عبرية ، في حين لا يوجد سوى مسجد واحد لأهل السنة البالغ عددهم 12 مليون ؟!

 

إن كل هذا العداء الظاهر لنا بين إسرائيل وإيران إنما هو عداء مصطنع ، وشعارات الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل ، والشيطان الأكبر ، وأعداء الإسلام ، وتحرير القدس ، وحلف المقاومة ، ومواجهة قوى الإستكبار العالمي ، وتهديدات إيران بمحو إسرائيل ، وتهديدات إسرائيل بضربة استباقية موجعة لإيران ، كل هذه الشعارات والتصريحات النارية هي مجرد ظواهر صوتية للاستهلاك الإعلامي فقط ، وشغل العامة بمثل هذا الكلام الفارغ عن حقيقة العلاقة الخفية بين إسرائيل وإيران ومن خلفهما أمريكا . في حين أن مليشيات فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني ، يقاتلون في سوريا والعراق ، بينما يقاتل الحوثيون وكلاء إيران في اليمن بنفس تلك الشعارات المزيفة ، وما أبعد صنعاء عن القدس !!

 

 

إن الثابت الوحيد ، هو أن الشقيقتين تربطهما رؤية واحدة لعدو لدود ـ العرب ـ وأهداف مشتركة في تدميره ومحو تراثة وتاريخية . ونستطيع أن نشخص العلاقة بين إسرائيل وإيران وأمريكا على أنها علاقة تكامليه لخدمة مصالحهما وأهدافهما ، وكذلك خدمة مصالح أمريكا التوسعية . فالدور متبادل بين إسرائيل وإيران ، فما لا تقوم به أنت أقوم بها أنا ، وما لا أستطيع إنجازه أنا تنجزه أنت ، وبناء على هذا الدور دمرت إيران سوريا الثورة وعراق الرافدين ويمن الحكمة ، في غضون خمس سنوات ، خدمة لإسرائيل وحفاظا على أمنها ، ولم تكن تحلم إسرائيل بتحقيق ذلك خلال 50 سنه ، في حين قدمت إسرائيل وأمريكا لإيران العراق على طبق من ذهب لتنهب ثرواته ، وتصدر مشروع ثورة الملالي والعمائم السوداء في المنطقة العربية .

 

 

وبكل بساطة ، يمكننا أن نضع هذا الثالوث المدمر في المنطقة ـ إسرائيل وإيران وأمريكا ـ في ميزان واحد ، فلو حصل أن توقف الدعم الأمريكي لإسرائيل فإنها ستزول في عام واحد فقط ، ولو رفع الدعم الإسرائيلي الأمريكي عن إيران فإن نظام الملالي سيسقط في شهور ، لذلك لا أشك حين أقول أن إيران وإسرائيل لهما رؤية واحده في المنطقة ، وهدف كبير مشترك يكمن في تدمير بلاد العرب ، لضمان بقائهما فترة أطول ، ولإشباع حاجات الإمبراطورية الأمريكية .

 

 

ويبقى على العرب أن يدركوا هذه الحقائق الناصعة والوقائع المستجده ، وأن يخلقوا مشروعا عربيا موحدا لمواجهة هذا الشر الماحق الذي يتربص بهم من كل جانب ، وإلا ستصبح المنطقه العربية مرتعا ومتنزها للرعايا الفرس واليهود خلال سنوات محدودة .

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد