على امتداد العصور والأزمنة، ارتبطت إيران بعلاقة وثيقة بالمشرق العربي، وذلك للقرب الجغرافي والتداخل الاجتماعي والثقافي والتاريخي بين الجانبين، وكان لهذه العلاقة بين الطرفين الأثر في تكوين العديد من القضايا المؤثرة التي بقيت عواملها، وتداخلاتها، وآثارها، وبعض تفاصيلها يشوبها الأوهام والحقائق، ولم يتم توضيحها، أو تأويلها، أو البت في تفاصيلها؛ لكي تستغل هذه الأمور في أغراض خاصة للطرفين، أو تستغل من قبل جهات خارجية. وقد لعبت السياسة دورًا كبيرًا في إخفاء تفاسير هذه القضايا، وإضفاء صفة الغموض على العلاقة العربية– الإيرانية.

وقد طوع الطرفان: العربي والإيراني الحقائق والوقائع التاريخية لمصلحتهما، ولخدمة منافعهما، فعندما تكون هناك مصالح سياسية بينهما يلجأ الطرفان للآثار التاريخية التي تجسد الترابط والأخوة بين الطرفين، لكن عندما يحدث النفور والخلاف السياسي، يتم الاستعانة بالشواهد التاريخية التي تكرس العداء بين الطرفين. فالتاريخ يعتبر أداةً مهمة في تجسيد الغموض والأوهام التي شابت العلاقة الإيرانية– العربية على مدى الزمن.

ويعد الفكر القومي عاملًا مؤثرًا في العلاقة العربية– الإيرانية، إذ أثر الفكر القومي العربي في الثقافات المختلفة المجاورة للوطن العربي كالفرس والكرد، واستخدمت القومية كما التاريخ كسلاح ذي حدين في العلاقة العربية– الإيرانية، وقد قامت الحكومة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية بكيل العداء للقوميات المختلفة الموجودة في إيران، كالكرد والترك والعرب؛ لأن الثورة آنذاك أخذت طابعًا قوميًّا فارسيًّا، واستغلت إيران الثورة الإسلامية لإذكاء روح التوسع والعدوان لديها، وورثت من نظام الشاه نزعة الصدام مع الخارج، والعداء مع الجيران.

وقد شكل استغلال اللغة والمذهب والثروة عاملًا مؤثرًا في تأجيج الصراع العربي الإيراني، وضاعف ذلك تضعضع الحكومات العربية والرؤية الإيرانية العدائية للأنظمة السياسية في الدول العربية، كونها لا تشكل تمثيلًا حقيقيًّا لإرادة الشعوب التي تحكمها، وقد قامت إيران أيضًا باستغلال مناطق مجاورة كساحات لتصفية الخلافات ذات البعد المذهبي من وصاية إيران على المسلمين جميعًا، ودورها الذي يتعدى حدودها إلى الخارج الإسلامي، وهو ما يعرف بالإمامة.

وبالإضافة إلى ما سبق، تشكل القضية الفلسطينية عاملاً مؤثرًا وحساسًا في العلاقات العربية– الإيرانية، فقد كانت العلاقات الإيرانية– الإسرائيلية توصف بأنها مستقرة، ومتينة إبان حكم الشاه؛ مما استدعى غضب طائفة كبيرة من العرب وسخطهم على إيران، وسرعان ما اتسمت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية بالعداء بعد الثورة الإسلامية، وصعود آية الله روح الله الخميني للمشهد السياسي؛ مما خفف من حنق الطرف العربي الغاضب والساخط على علاقة إيران الأخوية بإسرائيل. ولذلك استخدمت الإدارة الإيرانية ملف العلاقات الإيرانية الإسرائيلية وسيلةَ ضغط على الحكومات العربية في علاقتها معهم.

وتميزت العلاقات السورية الإيرانية بعد الثورة الإيرانية بالدفء والحميمية، وشكل الخوف من أمريكا وموقفها الضاغط سببًا في التعاون بين الجبهتين، وقد شكل ظهور حزب الله على الساحة السياسية أداة لتوثيق العلاقة، وزيادة أواصر الروابط بين الطرفين؛ لوجود مصالح مشتركة بينهما، أما قضية الجزر الإماراتية فقد أشعلت الصراع بين الجانبين الخليجي، والإيراني، واستغل اللاعب الغربي هذا التوتر وسيلةً لابتزاز دول الخليج، ودر الكثير من المال من خلال صفقات السلاح، والحاميات، والقواعد الأجنبية على ساحل الخليج العربي.

وقد استغل الخارج هذه العوامل المذهبية والقومية في إشعال الصراع وروح الفتنة بين الجانب العربي والإيراني، فأضرم الصراع بين الشيعة والسنة والعرب والفرس في وسيلة لتوطيد سلطته ونفوذه في المنطقة.

لذلك إن اللاعب الأساسي في العلاقات العربية– الإيرانية ليس أحد الطرفين؛ بل هو الجانب الغربي الذي طوع كل العوامل السابقة التي تربط العرب بإيران من تاريخ، ومذهب، ولغة، وجغرافيا في خدمة رؤيته العدائية لإيران، كونها تمثل مشروعًا تحرريًّا استقلاليًّا ترفضه القوى الأجنبية في مناطق تعتبرها مستعمرات أجنبية، واستخدامها إيران فزاعةً لإبرام المزيد من صفقات الأسلحة مع دول المنطقة. أما الجانب الإيراني فهو يرى أن القوى الغربية تستخدم الدول العربية وسيلة ضغط عليه لإخضاعه، الأمر الذي أدى إلى استحكام حالة العداء بين الطرفين العربي، والإيراني.

ودور الفرد العربي في العلاقات العربية– الإيرانية مهمش؛ لأن الدول العربية تعيش حالة من غياب الحياة السياسية، كما أن البيئة السياسية فيها هشة، والحكومات الموجودة لا تمثل إرادة ورؤية الشعوب الحقيقية؛ لذلك فالقرار محصور بين أفراد الطبقة الحاكمة. أما في المشهد الإيراني فتبدو الصورة مشابهة مع اختلاف التفاصيل، فإن هناك تواجدًا لفئة مثقفة من الشعب تعرضت للتصفية والإقصاء السياسي، واقتصر الرأي فقط على شريحة معينة من المثقفين، هي التي تنتمي للقومية الفارسية والمذهب الشيعي الاثني عشري؛ مما أضر بهوية البلد ومكانته. لذلك استبدت النخب الحاكمة بالمشهد السياسي الإيراني العربي.

وعندما نتحدث عن العوامل المؤثرة في العلاقات العربية– الإيرانية فإنه لا يمكن إغفال دور الطاقة والنفط، إذ تعتبر المنطقة غنية به، ولكنه تحول لنقمة بدلًا من أن يكون نعمة لسوء تسخيره، فكان سببًا للضعف السياسي والاجتماعي الذي أصاب المنطقة؛ فانتشرت السلبية بين سكان المنطقة، واعتمدوا على هبات الحكام وعطاياهم من غير أن يبحثوا عن مصادر اقتصادية مستدامة، وقد أدى ذلك إلى استحكام القوى الخارجية على السياسة الداخلية، والخارجية للدول المصدرة للنفط.

المأمول هو أن يعود زمام العلاقات العربية الإيرانية لأيدي الساسة العرب والإيرانين، وألا تظل هذه القرارات مرهونة للخارج وتطلعاته؛ لأنه لا يليق بالعالم العربي أن يكون مجرد دمية يحركها الغرب كيف شاء، لتنفيذ أطماعه، وتحقيق مآربه من خلال السياسات الداعية للكراهية، والإعلام الموجه الذي يعمل على زيادة حالة العداوة والاحتقان والانقسام بين الطرفين؛ مما سينعكس بالسلب مستقبلًا على الجانبين.

ومن هنا فالواجب هو زيادة الوعي السياسي في الدول العربية، وفتح الباب للمشاركة السياسية الفعالة لكافة فئات المجتمع، وإشراكهم في عملية صنع القرار السياسي، خاصة ذلك الذي يتعلق بإيران وسياساتها في المنطقة، يجب أن تنتشر ثقافة التسامح بين الطرفين، والتقريب بين المذاهب، والابتعاد عن التطرف المذهبي، وأن تستغل العوامل التي سبق ذكرها من جغرافيا، وتاريخ، ولغة، ودين كجسور ربط، وليس تفرقة.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

سركیس ابوزید: ایران والمشرق العربي مواجھة أم تعاون ؟ مركز الحضارة لتنمیة الفكر الإسلامي، بیروت، 2010
عرض التعليقات
تحميل المزيد