عامٌ بعد عام، وما زلنا نقف أمام المشهد السوري عاجزين عن إدراك المعنى الحقيقي للأحداث التي تتوالى! هل هي ثورة شعبية؟، أم إنها حركة انقلابية؟، وإذا كانت هي ثورة شعبية، فأين هم الثوار، أين هؤلاء الشباب؟ ممن تركوا أرواحهم دون وصية، وامتلأت بهم الشوارع، وهتفوا جميعًا بإسقاط النظام، وإذا كانت هي حركة انقلابية، فأين هي المؤسسة الحقيقية التي طمعت في حكم البلاد؟، وما زلنا نقف عاجزين عن إدراك المعنى الحقيقي للمشهد السوري! هل هي حرب طوائف ما بين سني وشيعي وعلوي وغيرهم في بلد عاشت بكل طوائفها، أم إنها مؤامرة خارجية اجتمعت عليها الأنظمة والحكومات باسم الحفاظ على الوطن؟، وها هي الدولة السورية أصبحت مطمعًا لكل شخص، وأصبحت معقلًا للتنظيمات الإرهابية .

كل ما سبق قد يعطي تفسيرًا للمشهد السوري؛ نعم هي ثورة شعبية شبابية وطنية خرجت قبل ستة أعوام للوقوف أمام النظام، امتلأت بهم الشوارع، هتفوا بإسقاط النظام، ولم تقابلهم إلا رصاصات النظام في محاولة لإخماد جرأتهم، سقط المئات من القتلى والجرحى؛ وربما هذه الوحشية جعلت الكثيرين يتعاطفون ويقفون معهم، وكعادة الأنظمة العربية في محاولة للسيطرة، استعملت الورقة الطائفية والمذهبية، وتصاعدت الأحداث، وظهرت المؤامرات الخارجية؛ فلجأ النظام السوري إلي جاره «حزب الله»، وبالتالي إلى الإيرانيين، ثم جاء الدور الروسي في محاولة منه للعودة للشرق الأوسط، ثم الدور المصري والعراقي، وعلى الجانب الآخر لجأت المعارضة باسم الحريات للدور الأمريكي، وإلى السعودية الرافضة للوجود الإيراني، وأيضًا إلى قطر وتركيا؛ وبالتالي أصبحت لعبة الأحداث تحت الأطماع السياسية، والاقتصادية، والنفسية بين الدول المؤيدة للنظام والمعارضة له.

«وآه يا بيوت العز لما تخرب.. وآه يا بيوت الكرام لما تتذل»، هذه الكلمات التي خرجت من العجوز في رائعة عبد الرحيم كمال «شيخ العرب همام»، هكذا كانت تحترق قلوب حكام العرب على ضياع ديارهم وأوطانهم؛ فكان الحاكم فيهم «شيخ العرب»، ولكن أن يتحول الحاكم -باسم الحفاظ على الوطن- لأداة تُدفع بتدمير الوطن، وتقضي على أجيال قادمة من حقها أن تعيش، وتسمح بالتدخل الخارجي، وتستعمل الورقة الطائفية لتأجيج الصراع الداخلي، وتظن أنك حاكم فاعلم أنك «شيخ العرب شيطان».

نعم للمعارضة المتعددة الكثير من الأخطاء، ولك أن تُحملها جزءًا مما وصلت إليه الدولة السورية، إلا أن للنظام الحاكم المسئولية الأكبر؛ فهو الذي انتخب نفسه لكي يكون حاكمًا أمينًا على الشعب، فكانت المسئولية تقع على الرئيس السوري «بشار الأسد»، فأن تتحدث عن أكثر من نصف مليون قتيل وشهيد، وأن تتحدث عن الملايين المشردين في غير أوطانهم، هاجروا بيوتهم وأراضيهم، وضاع مستقبل أطفالهم، أليس هذا يقع تحت مسئولية النظام الذي أقسم على الحفاظ على الوطن؟ أليست الأموال التي ينفقها النظام حق للمواطن السوري في معيشته، وصحته وتعليمه؟

حاولت كثيرًا أن أتقبل فكرة المصالحة السورية وإنهاء حالة الحرب، ووضعت نفسي في مقعد كبير المفوضين لكي أصنع مصالحة سورية؛ إلّا أنني وجدت نفسي عاجزًا عند بعض النقاط، أليست المصالحة يجب أن تخرج الوجود الروسي؟ وأن تطرد المقاتلين من حزب الله والحرس الثوري الإيراني؟، الرئيس الروسي بوتين والذي وجد نفسه أخيرًا داخل الشرق الأوسط هل يمكن أن يتقبل هذا؟، أم إن الإيرانيين يمكنهم العودة والتي تحاول أن تنتشر داخل الأوطان العربية، ما بين اليمن والعراق وأخيرًا سوريا!، هل أستطيع أن أوحد ما بين شخص قتل الأب وبين أطفاله الصغار؟، للأسف المشهد السوري يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، ويبقى السؤال الأهم هل يمكن إيجاد تسوية بدون بشار الأسد الذي أصبح وجوده أزمة حقيقية داخل الوطن؟ وفي نفس الوقت قد لا يقبل الأطراف الموالية له خروجه من المشهد السياسي، هل ينتحر بشار الأسد؟

لم يعد لبشار الأسد الاختيار في خروجه من المشهد السياسي السوري؛ فكل الأطراف الموالية له لديها الاستعداد بالتضحية بأي شيء من أجل بقائه، ولي اعتقادي أن بشار الأسد لم يعد يريد السلطة، فله أن يخرج منها، لولا الضغوط التي تمارس عليه، والاعتقاد الآخر والذي تؤكده ملامح الأسد أنه يعيش أسوأ بكثير مما يحاول الموالون له أن يظهروها للعالم؛ فظهر في الآونة الأخيرة عليه ملامح الاكتئاب والمرض، ويبقى السؤال هل ينتحر بشار الأسد من تأثير الحالة الصعبة التي يمر بها، وفي محاولة للتخلص من كافة الضغوط التي تمارس عليه، أم أنه يبقى «شيخ العرب شيطان»؟

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد