هل الوقت مناسب لباسم يوسف؟

 

في الحادي والعشرين من يوليو استضاف جون ستيوارت مقدم برنامج  The daily show  الشهير الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تحدثا معًا عن الاتفاق النووي مع إيران وأداء الحكومة تحت قيادة أوباما، جون ستيوارت هو باسم يوسف أمريكا وبرنامج البرنامج مستلهم منThe daily show ، هل تخيلت الأمر؟ مقدم برنامج ساخر دائم السخرية من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ثم يظهر هذا الرئيس في البرنامج ويمزح مع مقدم البرنامج ويتقبل نكاته وسخريته منه وأحيانًا أثناء جلوسه معه؟ ما زال أمامنا الكثير لنبلغ هذه اللحظة.

 

السخرية كانت وما زالت وسيلة التعبير الأفضل، فتأثير السخرية نافذ ويبلغ من الناس مبلغًا عميقًا، فتوصيل الفكرة بالضحك يفيد ويمتع ويجتذب الناس، إذا مزحت وقلت كلامًا وقال نفس الكلام شخص آخر ولكن بجدية، سيحب الناس المازح أكثر، رغم أن الكلام واحد.

هذا ما كان يفعله باسم يوسف، كان يمزح كممثل كوميدي، ويُسقط أقنعة المنافقين والكاذبين كمقاتل شرس، كان يؤدي الدورين بكل إتقان.

بلغت شعبيته مبلغًا لم يسبق لمقدم برامج عربي من قبل، شاهده ثلاثون مليونًا على التليفزيون، يتابع قناته على يوتيوب حوالي اثنان مليون ونصف وتخطى 200 مليون مشاهدة.

متابعوه على تويتر 5 مليون وعلى فيسبوك ثمانية مليون، باسم له مجال تأثير واسع للغاية، وله شهرة عالمية لا يستهان بها أبدًا وتصل أخباره شرقًا وغربًا، باسم أصبح أيقونة حقيقية، وهذه هي المشكلة.

 

الأنظمة العسكرية لا تحب أن يزاحمها أحد، لا يحبون المزاح، لا يحبون أن تكون هناك قناة تواصل مع الجماهير سوى قناتهم، باسم كان يؤثر – على الأقل- في ربع سكان مصر، هل يقبل نظام هذا؟ أن يُسخر من خطاباتهم ومشاريعهم وخطابهم الإعلامي؟ هل يقبلون أن يستحوذ شخص واحد على ربع عقول الناس أو أكثر؟ لا، فهم يريدونها لهم.

لا يقنعني القول أبدًا أن هذا ليس وقت الضحك والسخرية لأننا في ظروف خاصة، الضحك لا يضر أحدًا، فضح الأكاذيب لا يضر أيضًا، أليس هذا ما كان يفعله البرنامج؟ لماذا الخوف إذًا؟

يرى بعض الناس أن هذا ليس وقت الانتقاد بل هو وقت الاصطفاف معًا خلف القيادة السياسية لمواجهة التحديات، ولكن السكوت علي السلبيات وابتلاعها ليس الوسيلة الأمثل للاصطفاف، بل الطريقة الأمثل للانتحار كبلد.

ذكر الأخطاء بنية التصحيح أمر ضروري، وبما أننا نعيش عصر أخطاء كثيرة، وجب التصحيح. وعندها نكون قد اصطففنا حقًا.

الوقت ملائم دائمًا للتصحيح، ملائم للوطن، ملائم للناس، ملائم للنظام إن كانت نواياه صادقة.

الأمر ليس في تصيد أخطاء الحكومة، ولكن إشعار الحكومة أنها مراقبة أمر مهم للغاية، وبافتقادنا لمجلس شعب يقوم بهذا الدور، أقول إن الرقابة الشعبية بالغة الأهمية.

ولكن أيحمل برنامج ساخر هذا القدر من الأهمية حقًّا؟ نعم.

البرامج السياسية الساخرة تعمل عمل الرقابة الشعبية، تستطيع اعتباره مجلس شعبٍ مصغرًا، فهو يراقب ويحاسب الجميع على أخطائهم بصورة فجة أحيانًا، ولكن هذا لأن أخطاء من تتحدث عنهم برامج السخرية السياسية تكون باهظة الثمن.

برنامج البرنامج كان مجلس شعب حقيقيًّا ولكنه مجلس يحب الناس مشاهدة جلساته، تستطيع معرفة هفوات السياسيين والإعلاميين الذين يؤثرون في وعي الناس دون أن تشاهدهم، يكفي أن تراهم في البرنامج.

الأمر ليس في شخص باسم، باسم هو رمز لفكرة السخرية السياسية التي كانت غائبة قبل الثورة وازدهرت بعدها.

هناك العديد من الساخرين على اليوتيوب ممن يتحدثون في السياسة أو غير السياسة، ومنهم العديد من الوجوه المبشرة. ولكن لم يقدم أحدًا محتوى كما قدمه برنامج البرنامج، لم يتم إنتاج برنامج ساخر بضخامة البرنامج وإبداع فريق عمله ولا انطلاق وحرية نقده.

يجب أن نرسخ لفكرة السخرية كمراقب دائم على أداء الحكومات وعلى سلوك المجتمع.

ويجب على الحكومات أن تتقبل هذا، وأن تدرك أن تقبلها هو أمر واجب عليها لا تفضل منها، وأن تَقَبُلَهَا هذا وتركه بل والمشاركة فيه أحيانًا يعلي من قدرهم عند الناس ويزيد من احترام الناس لهم، فتقبل النقد والسخرية والظهور مع من يسخر منك لا يقلل من قدرك بل يعتبر دعاية سياسية قوية للغاية، ولكن للأسف معظم السياسيين في بلادنا متجهمون لا يحبون الضحك.

يحزنني أن يعتبر النظام المصري نفسه ضعيفًا أو أن يعتبر برنامجًا كوميديًّا منافسًا له، النظام القوي يستطيع أن يحتوي هذا بل ويشجعه، كما فعل أوباما بظهوره مع جون ستيوارت.

خرج باسم لجمهوره في الثاني من يونيو من العام الماضي ليعلن عن توقف البرنامج إلى أجل غير مسمى بسبب الضغوطات التي مورست ضده.

رجوع باسم ضروري في رأيي، وظهور أكثر من باسم ضروري أيضًا، ومهم للغاية أن يصبح صناع القرار في مصر على قدر من الانفتاح الذي يجعلهم يشجعون السخرية السياسية بل ويشاركون جمهورها، فهذا سيزيد من احترام الناس لهم وسيخلق جوًّا من الحرية والتفاهم.

الضحك لا يضر أحدًا حتى في الأوقات الصعبة، الضحك علامة القدرة على الاستمرار، القدرة على المقاومة، يظهر للخصم قوتك ويشعره بضعفه وضآلته،  لا تمنعوا الضحك ولا تكرهوه، فكارهو الضحك يعادون الإنسانية.

كُلُ وقتٍ مناسب للضحك والتصحيح، “الآن” يليق بهما، وبالبرنامج.

 

حلقة أوباما في برنامج The daily show:

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد