منذ حوالي عقدين من الزمان، وتحديدًا منذ أحداث خديعة الـ11 من سبتمبر (أيلول)، والتي تكشف لنا الأيام أن أكبر مسرحية، تم تنفيذها بكل احترافية؛ لتنفيذ مخطط كبير وقذر، يسهم على تدمير العديد من الأوطان، وتهجير الشعوب في أهم منطقة جغرافية في العالم، وهي منطقة الشرق الأوسط، كما يحب أن يسميه الغرب أو العالم العربي، -التي دائمًا ما أحب تسميتها-، ويعيش حالة من التمزق والشتات منذ الموجة الأولى، لتدمير هذا العالم، عقب الحرب العالمية الأولى، وتحالف البريطانيين والفرنسيين على تجزئة وتقاسم هذا العالم، الذي توحده اللغة العربية وثقافتها وتاريخها الممتد لقرون، ولكن العالم يحكمه حكام عدة، تحت مسميات ودويلات مختلفة؛ هناك الجمهورية، وهناك المملكة، وهناك السلطنة، وهناك أنوع أخرى من التسميات بعد نجاح تقسيم العالم العربي، عقب ما عرف تاريخيًّا باتفاقية «سايكس بيكو»، فهل العالم العربي الآن يعيش مرحلة «سايكس بيكو» أخرى يا ترى؟

للإجابة على هذا السؤال الجوهري، والذي كل المعطيات والدلائل على الأرض والواقع، تقول لنا بكل أسف نعم! بل إن المخطط القادم أشر وأقذر وأكثر شيطانية من مخطط «سايكس بيكو» سيئ السمعة، الذي سمح بتقسيم عالمنا العربي، وأخرج لنا دويلات وممالك وسلطنات يربو عددها على العشرين، وجعل هذا العالم يعيش مرحلة من التخلف والجهل والضياع والتبعية، بعد أن سلطوا عليه قيادات تسهم على تنفيذ الأوامر، التي تأتي إليهم من أسيادهم الحقيقيين، الذين أوصلوهم إلى سُدة الحكم، وجعل عامة شعوبنا تعيش في عوز وحاجة، رغم كل الثروات المادية والمعنوية التي يكتنزها هذا العالم الممزق، وإضافة التخلف والجهل والأمية المتعمد والمشتري بين شعوب هذا العالم المخطط له.

عندما نقرأ تاريخ هذه المنطقة الجغرافية تحديدًا، كانت منار للعلم والنور والمعرفة، التي أنارت ظلمات هذا العالم، فأهم المدن مثل بغداد كانت منار للعلم والعلماء، ودمشق كانت حاضرة للمعارف والعلوم، والقاهرة كانت تتزاحم بطلاب العلم من كل أصقاع المعمورة للتعلم في جامعاتها ومدارسها المتنوعة، لكن الحال قد تغير وتبدل؛ حيث تعيش معظم شعوبنا المجبورة على هذا الوضع في حالة من الجهل والتخلف عن الركب العلمي والمعرفي التي تعيشه البشرية، لكن لا يزال يحذونا الأمل بالتفاؤل بأن هذه الشعوب حية، لم تمت كليًّا، وأن لديها القدرة على النهوض من جديد في حالة توفر القيادة والروحية التي تسهم على النهوض به مجددًّا.

إن العالم العربي يمر في مرحلة تقسيم وتدمير جديدة، سوف تسهم على تقسيم المقسم، وتدمير المدمر، وجعلنا شعوبًا نعيش في دائرة مغلقة وفارغة في آن واحد، حسب ما خطط تمامًا لهذه الدائرة؛ هي أننا يجب أن نرى أننا أعداء بعضنا البعض، ونسهم على قتل إخوتنا بأيدينا، وتدمير ديارنا وعمراننا بأنفسنا، بعد إعادة غسل العقول، وكذلك تدمير التعليم والفكر بين عامة الشعوب العربية، وجلعنا ننسى هويتنا الأساسية، التي تاريخها يمتد لقرون عدة، وجعلنا نتقاتل ونتحارب تحت رايات تلك الهويات والبلدان، التي أنتجتها لنا اتفاقية «سايكس بيكو»؛ وهذا ما يتم تحديدًا خلال الثلاثة العقود الماضية؛ حيث تستغرب من الميزاينات المهولة التي تعتمدها الدول العربية في الجانب العسكري والجيش التي في نهاية المطاف أداة لقتل شعبه، مقارنة بالميزانيات الهزلية للفكر والتنوير والتعليم ونشر المعرفة ومحاربة الجهل والأمية، التي تعتمد كل عام من الموازنات العامة للدويلات في عالمنا العربي، حيث كم هو مؤلم أن تجد الجامعات في كل دولة عربية تعد بعدد الأصابع مقارنة بالمعسكرات والمؤسسات العسكرية والأمنية، وكذا صفقات السلاح التي تتم من قوت شعوبنا، وتذهب في جيوب الشركات الأجنبية العملاقة، في المقابل تحصل هذه الشعوب على عتاد عسكري مهول؛ سوف يسهم في يوم من الأيام على قتل العامة، وهذا ما يخطرنا به التاريخ الحديث في العديد من الدول العربية.

إن الاتفاق الجديد ليس بناء شعوب وقوميات وهويات مزيفة لهذه الشعوب، بل المخطط مؤلم؛ حيث يشمل على التدمير والقتل والتهجير، وهذا ما لمسناه مليًّا من أعقاب احتلال العراق، من قبل الأمريكان وحلفائهم، وبعده نشر فكر الفوضى الفكرية خلال العقدين الماضيين، التي أسهمت على إيصالنا إلى هذا الوضع المزري، الذي في بادئ الأمر، الكثير منا اعتقد أنها ثورات تقودها إرادة الشعوب، وتحركها أصوات الجماهير الهادرة في مختلف الساحات، ولكن مع الأيام اكتشف أن هذه الثورات ما هي إلا مخطط آخر خطط بحرفية عالية، مثل مخطط ثعلب الصحراء «لوريس العرب» عراب المخابرات البريطانية، الذي خان وعده مع «الشريف علي» الذي حرض القبائل في الجزيرة العربية والشام والحجاز ونجد، بأن تثور ضد حكامها آنذاك، ويسهم هو على مدها بالسلاح الخاص بالتاج البريطاني، ويحمل لها آمال ومستقبلًا أفضل في بناء دولة أو مملكة عربية مستقبلة، والذي بنهاية المطاف اتّضح للجيمع أنهم أدوات استخدموا لتنفيذ ذلك المخطط الواسع والطموح في تلك المرحلة، من عمر مملكة التاج البريطاني وحلفائهم الاستعمارية.

إن الجاري الآن هو سياسة تدمير الأرض، وجلعها غير صالحة للعيش إطلاقًا؛ وذلك من خلال تشجيع الثورات والفوضى، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار اقتصادات الدول، وجرها إلى الحروب الأهلية مثل التي انتشرت في أكثر من قطر عربي، مثلما يحصل الآن في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، إضافة إلى استمرار الحروب الاقتصادية، التي تسهم على إفقار الشعوب كل يوم أكثر وأكثر، وجعل النخب فقط تعيش في بحبوحة من العيش، مقارنة بعامة الناس التي ينحصر تفكيرها صباح كل يوم جديد كيف توفر قوت يومها، حيث إن الملاحظ منذ عقدين؛ إما الهجرة أو اللجوء للشعوب في العديد من الأقطار العربية، جراء هذا الشر الذي يحصل في البلاد، فالكل يرغب بالخروج من هذا المستنقع، الذي جعل حياة الناس يدور في روتين حياتي مهول، وسيناريو يعيشه الملايين من الناس، وأخبار مؤلمة نعيشها كل يوم، حيث الخراب والقتل والدمار والإفقار منتشر في كل مكان تقريبًا، فقد أصبح هَم الواحد؛ هو الهجرة والبحث عن أمن واستقرار وتأمين أسس متطلبات الحياة الكريمة، بعد أن فقد العديد من هذه الأسس في وطنهم الأم.

إن السياسات الغربية بدأت واضحة جدًّا في عالمنا العربي، بصورة تجعل الكثير منا يعي ما يجري، حتى الحلفاء الاستراتيجيين للغرب، وعلى رأسهم دول منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، والتي قدمت كل التنازلات للحلفاء من أجل أن تعيش لا أكثر، وفتحت أبوابها وأراضيها لتكون قواعد عسكرية، للعديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ أضحت هي الأخرى تعيش مرحلة جديدة من تغيير هذه السياسات لحلفائها الأساسيين؛ حيث أصبح منهج الابتزاز هو الشائع الآن للكثير من هذه الدول، إما أن تقدم التنازلات وتدفع، أو أن تكون أنت التالي، فالخيارات تقل، والخناق يضيق أكثر وأكثر، وهذا ما حصل تقريبًا مع الشقيقة الكبرى، وباقي دول الخليج من قبل أهم حلفائها وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصبح صوتها الآن واضحًا جدًّا، إذا أردت الاستقرار والأمان في بلدك، عليك الدفع وبلا نقاش، وتقبل كل الشروط حتى وإن كانت لا تروق لك.

القادم حسب كل المعطيات والدلائل هو الأسوأ، وسوف يتألم منها الجميع بدون استثناء، بل سوف يجعل من أكبر عدو وسرطان زرع في أحد أجزاء الجسد العربي منذ عام 1948م ينتشر ويظهر في أجزاء أخرى من جسد أمتنا، ويظهر بوضوح هذه المرة، وهذا ما نلمسه من ظهور سياسة التطبيع المعلن عنه والتجاهر به، بعد أن كان التطبيع منتشرًا أساسًا منذ زمن بعيد، ولكن من تحت الطاولة كما يقولون، أما الآن فأصبح بالمفتوح، وترعاه مستويات كبرى في بعض أقطار العالم العربي، وبلا خجل، أو حتى احترام لمشاعر الملايين ممن يؤمن بقضية أشقائنا في أرض فلسطين المحتلة، الذين خذلهم العالم أجمع.

في الأخير، إن الحلول التي أمام الجميع قد تكون صعبة للغاية، وقد تستدعي جراحة عميقة وخطرة في الوقت ذاته لهذا الجسد العربي الواحد، الذي تجمعه اللغة والتاريخ والثقافة والمعتقد، للخروج من هذا المستنقع المخطط له، والذي نعيشه منذ عدة عقود تقريبًا، سوف يكون للشعوب صوت قوي وجوهري، بل وتملك قرار حقيقي يؤمن بحقوقها في العيش الآمن والرغيد على تراب أرضها، بعيدًا عن حدود وهويات ودويلات «سايكس بيكو» التي رسمت في السابق.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد