لاحظت من خلال متابعاتي لما يكتبه بعض المثقفين العرب، أن كلمة «الغرب» عندهم واسعة ومبهمة، وأنهم لا يفرقون كثيرً إلا جغرافيًا، ولا سياسيًا، ولا ثقافيًا، بين غربي وغربي، ولا أحيانًا بين غربي وشرقي، ولا ينتبهون، مثلاً، لكون روسيا دولة شرقية جغرافيًا وثقافيًا، مثلها مثل تركيا، وأن الولايات المتحدة أقرب إلى الشرق وآسيا جغرافيًا منها إلى الغرب الأوروبي، وذلك من خلال أكبر ولاياتها مساحة «ألاسكا»، وحتى من خلال باقي ولاياتها، وبلغة الأرقام، فإن المسافة بين «ألاسكا» الأمريكية و«سيبيريا» الروسية هي 80 كم فقط، أي نفس المسافة تقريبًا بين «دمشق» و«درعا» وأقل قليلاً من المسافة بين «دمشق» و«حمص».
وحتى إن قال قائل إن كلمة «الغرب» لها مدلولات سياسية أكثر منها جغرافية، فإن «أمريكا» رغم اقترابها ثقافيًا من أوروبا نسبة إلى الهجرة الألمانو-إيرلندية بالخصوص، غير أنها من الناحية السياسية تختلف كثيرًا عن أوروبا الغربية، وحتى داخل الدول الأوروبية نجد اختلافـًا تاريخيًا وسياسيًا وعرقيًا.
هناك هوس عربي كبير بكلمة «غرب» و«غربي» و«أوروبي»، ويعتقدون أن الغرب كله متشابه ومتحد في السياسة وفي الجغرافيا وفي التاريخ وفي فرص النجاح كذلك، ويظن العرب في وعيهم وربما في لا وعيهم، أن سياسة أمريكا هي نفسها سياسة فرنسا ولا تختلف فرنسا في سياستها عن بريطانيا أو ألمانيا، ويعتقدون أن أية مؤامرة تحصل ضدهم يكون سببها العالم الغربي بأكمله، ولا أعرف كيف تكونت كل هذه الأفكار الغريبة في العقول العربية؟
«الغرب» لا يتشابه بهذه الصورة الكاريكاتورية التي يصنعها العرب في مخيلتهم؛ فالدول الغربية لديها استراتيجيات مختلفة تسير عليها في سياساتها الداخلية والخارجية، وحتى داخل كل دولة هناك لوبيات اقتصادية وأحزاب سياسية لكل منها توجهاته السياسية المختلفة.
وخير دليل على ما أقول، نراه يتجسد اليوم من خلال السياسات الغربية في منطقتنا العربية، وخير مثال على ذلك هو ما نلاحظه اليوم في المشهد السوري، حيث تقف «أمريكا» و«روسيا» ضد التقسيم، الذي تطالب به بعض التنظيمات الكردية المطالبة بالحكم الذاتي والمدعومة إسرائيليًا وفرنسيًا، وهذا تقريبًا ما حصل في بداية القرن الماضي، حينها تصارعت «بريطانيا» و«فرنسا» على الشرق باستراتيجيات مختلفة، كانت استراتيجية «بريطانيا» مبنية على المطالبة بالوحدة وعملت على ربط المنطقة تحت راية واحدة تكون هي المستفيدة منها، أما استراتيجية «فرنسا» كانت مبنية على المطالبة بتفكيك المنطقة لكي تتقاسمها مع «بريطانيا»، لأن ذلك كان يشكل أقصى طموحات «فرنسا» حينها أمام قوة «بريطانيا» المتواجدة في المنطقة والمتوزعة بين مكاتب «الهند» و«القاهرة»، وهذا الصراع بين الطرفين أوصلنا إلى اتفاقية «سايكس بيكو».
والاختلاف في السياسات الغربية، نراه كذلك اليوم يتجسد في المغرب العربي، من خلال المشكلة الليبية، التي تختلف من خلالها استراتيجيات القوى الغربية، بين مساند لطبرق، وآخر لطرابلس، ولاحظناها قديمًا، وحديثًا، من خلال مشكلة الصحراء الغربية؛ حيث وقفت «فرنسا» وبعض الدول الأوروبية مع حليفها الملك «الحسن الثاني» (الذي كان يعتبر المغرب ذات ثقافة وجغرافيا أوروبية)، في حين وقفت الدول الاشتراكية وأمريكا مع مطالب الصحراويين.
هذه بعض الأمثلة، التي تظهر أن كلمة «الغرب» ليست ذات حدود واضحة وبسيطة، بل لها معان واسعة، يجب أن يعي العرب جيدًا ما يقصدون بها، من خلال تداولها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الغرب