جـــرى في دولـــة عـــربـــيـــة مـــؤخــــرًا تـــطــــــوير للمناهج، وجاء انقلابًا على التأليف الوسطي المعروف عن ذلك المنهاج؛ فالكتاب فيما سبق لا يحوي سوى بعض الآيات في مقدمة الجزء الأول والثاني، أما التطور الجديد فجاء بإلغاء كامل للآيات، وعلاوة على ذلك شكل صدمة للتيار الشعبي؛ لأنه جاء وكأن واضعه علماني لا يريد للإسلام ذكرًا: فمثلًا تم حذف جميع الآيات. وهناك مثال مضحك: أدب الرحلات سيتطرق في كل الأحوال لابن بطوطة، بوصفه الأديب الذي سافر عشرات السنين وجاء في سيرة حياته أنه حفظ القرآن صغيرًا،هذه الجملة حفظ القرآن صغيرًا تم حذفها! هذه الأمثلة السابقة هي في واقع الحال حالة ملازمة للدول العربية، فهي تنافق الغرب في حربه ضد الجماعات المعارضة للحكومات سواء في سوريا، أو العراق، أو في غيرهما؛ لأنه دائمًا هنالك قيصريون أكثر من القيصر نفسه. ولا يهمهم الردة والنكوص على العقب، المهم إرضاء العم والسيد سام الذي يرفع شعارًا نصه: من ليس معي فهو في كل الأحوال ضدي.
وهذه حرب بالوكالة، ويراد لنا أن نكون خرافًا كي تساق لتنفذ حروبًا بالوكالة. ولا أعرف لماذا يطلب منا إصدار شهادة حسن سيرة وسلوك، ويطلب منا الخروج من الجلد إرضاء للغرب، ألا يكفي الخروج التركي لمدة قرن بهدف إرضاء الغرب،وشاهدنا الانقلاب ضد أردوغان مؤخرًا، وكيف كانت ردة فعل الغرب المنافق. يجب معرفة أنه من الممكن أن أتعاطف معك وأدعمك ثقافيًّا وأيديولوجيًّا، لكن ليس على حساب ديني إذا كان منع الصلاة يرضي أمريكا، فأنا على أتم الاستعداد لأحارب أمريكا؛ لأنها هنا تحارب الدين نفسه، وليس أتباعه باختلاف درجات اتباعهم، وهذا عدوان صريح على الإسلام.
إسرائيل نسميها باسمها، فلم نسمع أن عربيًّا يسميها مثلًا اسمًا آخر، وحركة فتح الشام تسمي نفسها بهذا الاسم، وغيرها على الساحة يسمي نفسه حركة مقاومة، ولكننا في تطرفنا في عداء هؤلاء جميعهم نصفهم بوصفات جاهزة، وهي التكفيريون والإرهابيون والمسلحون والقتلة… إلخ. وارتفاع مقدار السخرية والاستهزاء يعني أن لدى الطرف الآخر شيئًا ومقدارًا ما من المصداقية ونوعًا من الوجاهة.
أيها العم سام في مسألة هؤلاء أنت تضربني بحجة خطأ ارتكبه من تراه أنت ابن عمي، وتطلب مني التنصل من الإسلام وإهدار الثوابت ترضية لك، فمؤتمر دكار أقر إلغاء الجهاد، وتم تنفيذه بالحذافير استجابة لرغبات الآخرين، ماذا تريد أكثر من ذلك؟ الغرب لا يجيد اختيار الشريك الأنسب في محاربة الجماعات الجهادية: ويختار المرتدين والعلمانيين الذي لهم حساب قديم مع الدين، هؤلاء العلمانيون يجري تلميعهم وإلباسهم لباسًا وإعطاؤهم قدرًا من الوجاهة، وكأنهم يمثلون المسلمين. وبصراحة وباختصار لا تأت بمرتد ومنافق وعلماني وكافر لمحاربة أعدائك؛ بل يجب عليك اختيار إنسان مسلم وسطي؛ فالعلماني عندما تسند إليه هذا الدور في محاربة الدين لن يكون منصفًا، سيصب كل أحقاده القديمة على كل ما هو ديني. وعندما تسند إليه هذا الدور: 1- سيصدق نفسه وسيظن أنه هو الممثل للإسلام، علمًا بأنه علماني مناقض للإسلام في كل حالاته. 2- سيحارب الإسلام كله بلا هوادة، وسيفرغ أحقاده الدفينة على الإسلام الوسطي قبل غيره من التصنيفات.
لنفترض أنك أيها الضليع في السياسة لم تجد فئة تناسبك أو تؤازرك في حربك، فإن هذا ليس من شأني، وإن طلبت مني التعاطف فسوف أتعاطف ولكن ليس على حساب ديني، بمعنى سأتنازل ولكن ليس في كل الأمور. لا تطلب مني أنا الإنسان الاعتيادي أن أحارب شعائري وطقوس الدين حتى أرضيك أيها العم سام. هنالك مفهوم عظيم في الإسلام وهو أدب الحرب في الإسلام، وهذا غير مأخوذ به في الحرب الدائرة حاليًا. شيطنة كل شيء، فهذا دليل لا يقبل الشك على الإفلاس وعدم القدرة على إدارة الصراع، ومن ليس لديه القدرة على إدارة الصراع فليترك الإدارة لغيره.
نرجو الوضوح إن كنت تريد محاربتي بوصفي مسلمًا فقل لي هذا . قل لي أنا أحاربك لأنك مسلم. قل لي أنا أخوض معك حربًا صليبية. إن لسان حال المسلم اليومي: لماذا مطلوب مني التبرير؟! لماذا أنا متهم قبل أن تثبت إدانتي؟! كل يوم أنا مطالب بإبراز شهادة حسن السيرة والسلوك، وكل يوم أنا متهم إلى أن يثبت العكس. وفي هذه المسألة بالتحديد، أنت تسير على حقل كامل من الألغام الخطرة جدًّا، وأي خطأ ضريبته كارثية كبرى. إياك أن تستغفلني وتطلب مني الخروج من ديني إرضاءً لك، هذه حرب أخرى إن أردت. إزاء العداء الذي بينك وبين هؤلاء،اذهب وصف حسابك معهم لكن دون أن تطلب مني الخروج من ديني، فسأحاربك أنت وأعداءك على السواء. هذا هو الفجور في الخصام التطرف الشديد في العداء والشيطنة، وهذا كله له رد فعل. عندما تقيم صراعك على حساب ثوابتي أنا المسلم الاعتيادي، فأنت تقدم لي وصفة طبية تدعوني لمشاركة الجماعات المسلحة، لأنك تهاجم صلب ديني. والرجاء لا تقدمني وجبة دسمة للعلمانيين.
إلى كل سدنة الحراسة العربية، إذا طلب منكم العم سام مؤازرته في الدعاية والبروبوغاندا والأيديولوجيا، فلا تجعلوا مساعدتكم له على حساب الدين، ولا تجعلوني أؤمن بأني أكلت يوم أكل الثور الأبيض. تم إيصالنا إلى حالة من التطرف والتطرف المضاد، هذا ما نشاهده في الصراع الدولي القائم الآن بين الجماعات المسلحة، والغرب. الغرب الآن يدير الصراع بتطرف، وهذا يولد تطرفًا مضادًا متبادلًا، فتراه أهوج لا يفرق بين الأمور. بنفس نظرة المرشح الرئاسي المتطرف ترامب التي تضع كل المهاجرين المسلمين إلى أمريكا في نفس المنظار، ونفس السلة بوصفهم خطرًا داهمًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست