لا تستغرب من ذلك العنوان. لم أقصدك أنت أو لعلي قصدتك، ذلك العنوان رغم سخافته وانحطاطه كان موضع جدل وموضع سؤال وكان من القضايا الجلل في ذلك الوقت.
ففي عام 586م عقد الفرنسيون مؤتمرًا للبحث: هل تعد المرأة إنسانًا أم غير إنسان؟! وهل لها روح أم ليست لها روح؟! وإذا كانت روحًا فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟! وإذا كانت إنسانية فهل هي على مستوى روح الرجل أم أدنى منها؟! وفي النهاية قرروا أنها إنسان، ولكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب.
وأصدر البرلمان الإنجليزي قرارًا في عصر هنري الثامن ملك إنكلترا يحظر على المرأة أن تقرأ كتاب «العهد الجديد» أي الإنجيل المحرف؛ لأنها تعتبر نجسة.
فكانوا كرجل في فلاة ضل عن مرشده ظانًا نفسه قبل ذلك بإمكانه النجاة من المفازة وإذ به يجد نفسه يصل حيث بدأ وينتهي حيث انطلق.
إنه من المؤكد ومما لا يقبل الشك أو المماراة، أن المرأة عانت معاناة كثيرة، بل كانت ضحية كل نظام وحسرة كل زمان تحت وطأة أي حاكم، أو في أي نظام دنيوي، ظلمت ظلمًا هضمت هضمًا لم تشهد البشرية مثله ففي كل عصر يأتي من يحرمها حياتها، ويسلبها حتى من أقل ذرات الحرية وها هي صفحات التاريخ تسطر لنا ذلك.
أيام الخزي
لم تمر حضارة من الحضارات إلا وأهانت المرأة بل وأذاقتها مرارات الحرمان وشتى أنواع العذاب، ففي قمة وأوج تلك الحضارات وتقدمها على كافة الأصعدة لم تستطع أن تتخلص من تلك الحلقة المشؤومة وذلك الصراع غير المبرر.
- الحضارة الإغريقية
قالوا عنها إنها شجرة مسمومة وهي رجس من عمل الشيطان وتباع كأي سلعة متاع.
- الحضارة الرومانية
ليس لها روح وأنها مثل البعير ولا تستحق الحياة أو الخلود بل إنها أحبولة الشيطان، ففي بعض أبحاث الجندر «علم النوع الاجتماعي» أكدوا على أن المرأة في تلك الحضارة كانت تلقى أشد العذابات حتى كان من صور عذابها أن يصب عليها الزيت الحار، وتسحب بالخيول حتى الموت.
- الحضارة الصينية
قالوا عنها إنها مياه مؤلمة تغسل السعادة، وللصيني الحق أن يدفن زوجته حية وإذا مات حق لأهله أن يرثوه فيها.
- الحضارة الهندية
ليس الموت ولا السم ولا الجحيم ولا الأفاعي ولا النار، أسوأ من المرأة وأنها يجب أن تحرق بعد ممات زوجها.
- الحضارة الفارسية
إنهم قد أباحوا الزواج من المحرمات دون استثناء! كما أنه كان يجوز للفارسي أن يحكم على زوجته بالموت وأن يفعل بها ما يشاء فهي ليس لها الحق في أي شيء.
- المرأة عند اليهود
لعنة لأنها سبب الغواية، ونجسة في حال حيضها، ويجوز لأبيها بيعها بالإضافة أنهم تعاملوا مع المرأة كأنها جسد لا أكثر ولا أقل ونزلوا بها إلى قاع الانحطاط والشهوانية الحيوانية المفرطة فكانت بذلك ملاذهم الوحيد للمتعة.
المرأة عند العرب قبل الإسلام
كانت تبغض بغض الموت، بل يؤدي إلى وأدها وإن كان القرآن يقدم أبلغ تصوير وأصدق تعبير عن تلك الفترة حيث قال الله تعالى «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون» (النحل 59،58) وكانوا إذا مات زوجها كان لهم الحق في أن يزوجوها أو يتزوجوها أو يتركوها حتى تموت ثم يرثونها، وكان ليس لها الحق في الميراث أو الحكم أو الرأي كانت بالمعنى الفعلي كسلعة للمتعة أو للخدمة.
حتى إن بعض علماء الاجتماع والإنتروجرافيا مثل لويس مورجان وفريدريك إنجلز يقولون إن التاريخ البشري عرف أولًا ما يسمى بعصر «الشيوعية الجنسية» أي أن المرأة كانت مشاعًا لأي رجل في أي وقت وتحت أي ظرف.
في كل تلك الحضارات وتلك الصراعات ورغم وصول تلك الحضارات إلى أوج التقدم الفكري أو الحربي أو الثقافي فإنهم قد وقعوا في هذا الخطأ الشنيع وتلك النظرة الدونية للمرأة وإن كان في نظري أن تلك الحقيقة المغلوطة نبعت في الأساس كتقليد أو تراث من الأقدمين من دون علم حتى اعتادوا عليه وأصبح هاجسًا كبيرًا في أعماقهم، وأصبح حقيقة مسلمًا بها لديهم مع أنها في الأساس ليس لها أصل، ذلك كان من الناحية التاريخية أما من الناحية النفسية فالإنسان عامة والرجل خاصة يعشق إحساس التفرد إحساس السلطة، فلم يجد ما يشبع تلك الرغبة إلا احتقاره للمرأة بكل الصور.
والحقيقة المرة أن تلك الكارثة لم تكن فقط من الجهلاء لجهلهم أو الحكام لظلمهم، بل كانت من طبقة المفكرين والفلاسفة وهذا يدعم نظريتي من الناحية النفسية.
فهذا هو الفيلسوف أرسطو يبدي رأيه عن مكانة المرأة في مجتمعهم بعد تحليل وتفكير ويقول:
إنَّ الطبيعة لم تزودِ المرأةَ بأيِّ استعداد عقلي يُعتَدُّ به؛ ولذلك يجب أن تقتصرَ تربيتُها على شؤون التدبير المنزلي والأُمومة والحَضانة وما إلى ذلك، ثم يقول: «ثلاث ليس لهنَّ التصرف في أنفسهنَّ: العبد ليس له إرادة، والطِّفل له إرادة ناقِصة، والمرأة لها إرادة وهي عاجِزة».
وقد قال: «إن المراة رجل غير كامل، وقد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من سلم الخليقة» وهو القائل إن المرأة للرجل كالعبد للسيّد، والعامل للعالم، والبربري لليوناني، وإن الرجل أعلى منزلة من المرأة.
وقد قال عنها الفيلسوف سقراط:
إنَّ وجودَ المرأة هو أكبر منشأ ومصْدر للأزمة والانهيار في العالَم، إنَّ المرأة تُشبه شجرةً مَسْمومة، حيث يكون ظاهرها جميلًا، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالًا.
فذلك أرسطو وهذا سقراط الذين نشروا الحكمة بين الناس في عصرهم والعصور التي تليهم بل وصل بهم الأمر أن اعتبروا آلهة للحكمة من فرط ما عرفوا به وبما قدموه للبشرية ومع ذلك كله فإنهم قد احتقروا المرأة بتلك الصورة فأي حكمة إذًا وأي عقل!
المرأة في الإسلام
لقد جاء الإسلام محررًا للمرأة من كل ذلك الجبروت وذلك الطغيان الذي هوى بالمرأة من سفوح العزة والكرامة التي وهبها الله إياها إلى قاع الانحدار والاشمئزاز، وإن نظرنا في ذلك فسنجد أن القران قد تحدث آيات عديدة عن فضل المرأة.
قوله تعالى «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» (البقرة 228) وقوله تعالى «فلا تعضلوهن» (البقرة 232)، وقوله تعالى «وللنساء نصيب مما اكتسبن» (النساء 32)، وقوله تعالى «وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون» (النساء 7) وقوله تعالى «فلا تبغوا عليهن سبيلًا» (النساء 34).
ثم جاء الرسول ليؤكد ذلك، حيث قال «استوصوا بالنساء خيرًا»، وهو القائل «إنما النساء شقائق الرجال».
وأن ليس من قبيل الصدفة تلك الكرامة التي أعطاها الإسلام للمرأة فإن من سبيل التأكيد أنها كلها جاءت أوامر إلهية لا تقبل الشك أو الجدال. جاءت من فوق سبع سماوات لتعطي الحرية للمرأة وتؤكد سواسيتها بالرجل وأن كل ما ذكر ما هو إلا غيض من فيض، فلقد حفل القرآن بصور لا تحصى ولا تعد من تكريم للمرأة.
أما من الناحية العملية فلقد أعطى الإسلام للمرأة حق الميراث الذي منعه عنها جميع الحضارات وأعطاها حق الرأي والمشورة وإن من المفهوم الخاطئ للدين أن المرأة قد منعت من العمل أو ما شابه ذلك ولكن الإسلام قد كان له رأي آخر في ذلك، فعندما ذكر الله في القرآن العمل ذكره على الإنسان عامة أو خصصه بذكر أو أنثى وهذا دليل على أن الإسلام ليس ضد عمل المرأة حيث قال تعالى «وأن ليسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ 7 وعندما يقول: ﴿… إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ…﴾ 8 وإلى أمثالها من تعابير لا يفرّق بين ذكرٍ وأنثى: ﴿… أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ» بل إنه جعلها بسواسية مع الرجل في كل شيء إلا القليل وحتى التفرقة لم تكن في كونها امرأة بل من الناحية الجسدية أو الفسيولوجية التي تميز الرجل عن المرأة.
7 (النجم 39)، 8 (الحجرات 13).
الإسلام هو المحرر الحقيقي للمرأة فهو قد حفظ حقها منذ الصغر بل وهي ما زالت جنينًا في بطن أمها، فالإسلام أوجب الأب بالإنفاق عليها حيث قال «وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن» (الطلاق 6) كما جعل لها حرية اختيار الزوج حيث قال الرسول «لا تنكح الأيم حتى تستأمر» وإن كنا هنا لا نحصر ولكن فقط نضرب أمثلة لأن صور ذلك التكريم أبعد بكثير من أن تحصر.
أي بالمعنى العام الإسلام أعطى المرأة الحرية أعطاها التحرر من كل شيء يضاد سويتها وطبيعتها، فبالتالي أصبح لها الحق مثل الرجل. فالإسلام جاء ومعه مفهوم الثورة. الثورة على كل شيء؛ الطغيان الظلم القهر، ثورة من أجل العدالة ومن أجل كرامة الإنسان ومن أجل كرامة المرأة التي خسرتها في كل تلك الحضارات السابقة.
الغرب بين الحقيقة والخرافة
سنكتفي فقط بعرض تلك الأمثلة فهي أبلغ تعبيرًا عن كل شيء.
- لقد نشرت مجلة التايم الأمريكية أن حوالي ستة ملايين زوجة في أمريكا يتعرضن للضرب والعنف الأسري وأنه من ألفين لأربعة آلاف امرأة يتعرضن للضرب حتى الموت!
- أيضًا لقد نشر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عام 1979 أن 40% من حوادث قتل النساء تحدث بسبب مشاكل أسرية و25% بسبب الانتحار!
- دراسة أمريكية جرت في عام 1987م أشارت إلى أن 79% يقومون بضرب زوجاتهم وكانت الدراسة قد اعتمدت على استفتاء أجراه د. جون بيرير الأستاذ المساعد لعلم النفس في جامعة كارولينا بين عدد من طلبته وكانت النتيجة عالية، فإذا كانت بين المتعلمين فما بالك بغير المتعلمين!
- وأيضًا في دراسة أعدها المكتب الوطني الأمريكي أن 83%من النساء تعرضن لجروح وكدمات جراء الضرب والعنف ضد النساء وقال إفان ستارك معد هذه الدراسة التي فحصت 1360 سجلًا للنساء إن ضرب النساء في أمريكا هو أكثر الأسباب شيوعًا للجروح التي تصاب بها المرأة.
وإن الأمثلة لتطول وتطول والحقيقة أن الصورة المرسومة للغرب ما هي إلا محض أكاذيب مثلها كقوس قزح الذي يختفي ويأتي. إن الإسلام قد أعلى من شأن المرأة وأعطاها كامل حريتها ولكن عقْم العلماء المسلمين في بعض الأحيان يحول دون وصول تلك الحقيقة إلى كافة البشر، وصورة الإعلام الخبيث الذي يخفي حقيقة الغرب الواضحة ويؤكد مدى ضياعه في غياهب العنف والخواء النفسي.
فهل من مدكر؟!
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست