الإسلام هو دين الفطرة السليمة، ومن المستحيل أن تتعارض التعاليم والمعتقدات الإسلامية مع الطبيعة الإنسانية المسالمة والباحثة دومًا عن التطور والتجديد في مناحي الحياة المختلفة بغرض توفير الراحة للإنسان في أداء مهامه اليومية أو إخضاع الطبيعة لخدمته بواسطة القوانين والمخترعات التي يبتكرها الإنسان بصورة دائمة، وذلك لكون الإسلام دينًا سماويًا حقًا لم يتعرض لتحريف في نصوصه ولم يقدس بشريًا قط، إنما التقديس للذات الإلهية فقط دون سواها .
وتناولت النصوص الإسلامية نواحي حياتنا بصورة شاملة من حيث المعاملات والعبادات، إلى آخره؛ فالإسلام لا يدعونا إلى ترك الدنيا أو التفكير في الآخرة، ولا يدعونا للعكس كذلك، عملاً بمبدأ «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا»، وإنما الأمر هو موازنة بين الدنيا وما فيها من دور للإنسان يجب القيام به في حياته دون تراخٍ أو كسل، وما يجلب أن يقدمه للحساب في الآخرة من الالتزام بالتعاليم الدينية والشعائر المختلفة.
ولكون النص الديني صوابًا ولم يتعرض لتحريف أو تبديل؛ نستنتج صواب القوانين المستخدمة في المعاملات اليومية وصحتها بغض النظر عن المعتقد الديني، فلنا فيه مقال آخر، فحديثنا هذه المرة عن المعاملات في الإسلام، أو لأكون أكثر وضوحًا، عن صحة تلك المعاملات ومدى اتفاقها مع الطبيعة الإنسانية، ولنتخذ للتدليل مثلاً قد تجدونه غريبًا في بداية الأمر لكونه لطائفة لا تنتمي للإسلام في حقيقة الأمر، ولكنها طائفة قد سئمت من حالها وقررت البحث عن حل، ولم تجد الحل إلا في المعاملات الإسلامية وإن ظلت على ديانتها الأولى، فأنا لم أطلق عليها طائفة إسلامية -عليكم أن تلاحظوا ذلك كي لا تتسببوا في اعتقالي بتهمة ازدراء الأديان- سأحدثكم عن المورمون.
ادعى الأمريكي جوزيف سميث -في عام 1823- أن وحيًا أتاه من السماء وأخبره بأنه نبي يحمل رسالة سماوية مخصصة لسكان لقارة الأمريكية، ويجب عليه التبشير بها ونشرها بكافة الوسائل المتاحة له، ثم صمت سميث عن حديثة لمدة أربع سنوات ليعود مرة أخرى في عام 1827 ويعلن أن ملاكـًا قد زاره من السماء وأطلعه على ألواح ذهبية مكتوبة باللغة المصرية القديمة، وأنه قد ترجمها إلى اللغة الإنجليزية لتتحول تلك النصوص إلى الكتاب المقدس للطائفة المورمونية التي اعتبرته كتابًا مكملاً للكتابين التوراة والإنجيل، وبعدها بثلاث سنوات قام سميث بتأسيس كنيسة في نيويورك وأسماها «كنيسة يسوع المسيح للقدسين الجدد«.
وكالمعتاد دومًا اعتبرته الكنائس المسيحية الأخرى مهرطقـًا وخارجًا عن الدين القويم، ما أدى إلى وقوع مواجهات دامية بين أتباع الطائفة المورمونية وأتباع باقي المذاهب المسيحية الأخرى، كان أشدها على الإطلاق المواجهات التي حصلت عام 1844 والتي هاجم فيها مسيحيون أتباع طائفة سميث واعتدوا عليهم قبل أن يعتقلوا سميث برفقة شقيقه ويسجنوهما معا ثم يعدموهما دون محاكمة!
وبعد إعدام سميث لم تتوقف دعوته، بل تحولت المورمونية إلى جماعة دينية أمريكية، وبلغ عدد أفرادها ستة ملايين، واتخذت الدعوة التبشيرية من ولاية بوتا الأمريكية مركزًا لها، وبدأت في الانتشار في الولايات المتحدة الأمريكية بصورة واسعة، وقد انضم إليها العديد من مشاهير الفن والسياسة في المجتمع الأمريكي، منهم المرشح السابق المرشح في سباق الرئاسة الأميركي «ميت رومن» وهو من كبار القادة في الحزب الجمهوري الأمريكي أيضًا.
ولعل ما أثار تعجبي عند بداية قراءتي عن تلك الطائفة هي معتقداتهم الدينية وطرق ممارسة المعاملات اليومية؛ فهم قوم يتطهرون «الوضوء»، لا يترهبنون «لا رهبنة في الإسلام»، لا يستعملون الصليب، ويصلون في اليوم خمس صلوات وتحتوي صلاتهم على السجود، ولا يشربون الخمر، يحرمون لحم الخنزير، ويدفعون زكاة العشور، ولا يومنون بتعدد الزوجات، ويحرمون العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج، ويعتقدون أن الوحي الإلهي لا ينقطع عن الكون، وهو ما يقترب من قولنا في الإسلام إن العلماء ورثة الأنبياء!
أي أن الكنسية التي أسسها جون سميث قامت على أسس إسلامية ومبادئ من الدين الإسلامي، لك أن تطلق عليها كنيسة إسلامية!
فحقيقة الأمر أن جون سميث محتال، درس العلوم الدينية المختلفة ليخرج لنا بمفهوم مذهبي يخلد اسمه فقط، ولا يمت له بصلة؛ فقد جمع بين العديد من العقائد مثل اليهودية والمسيحية والإسلامية ليكون مذهبًا وفكرًا مستقلاً يتقبله المجتمع الغربي ويؤمن به، ولم يجد أفضل من أساليب العيش والمعاملة في الإسلام ليجعل منها منهجًا في ديانته الخاصة، ويعد ذلك دليلاً واضحًا على صدق الرسالة الإسلامية والحفاظ عليها من التحريف والعبث.
خلاصة القول إن الدين الإسلامي هو دين قوي بمنطقه وممارساته لعدم تعارضه مع طبيعة الإنسان؛ فخالق الإنسان قد أرسل إليه منهجًا قوميًا صحيحًا لا غبار عليه، بل على قدر من القوة جعلته يسيطر على عقول وأفئدة المعتقدات الأخرى لتخرج لنا ما تسمى بالكنيسة الإسلامية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست