بدايةً، وقبل الحديث عن نظرة الغرب للاقتصاد الإسلامي، فإنه يجب التأكيد – والتنبيه – على أن الاقتصاد الإسلامي فكرًا وتطبيقًا قديمٌ قدم الإسلام؛ فمنذ أن بعث الله – تعالى – رسوله الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم، والاقتصاد الإسلامي فكرًا وتطبيقًا موجود؛ على مستوى الفكر من خلال إرشادات وتعليمات القرآن الكريم والسنة النبوية في مختلف جوانب الحياة، والتي منها – بل وأهمها – الجانب الاقتصادي، ثم بعد ذلك في كتابات العلماء المسلمين بداية من تدوين العلوم في القرن الثاني الهجري. أما على مستوى التطبيق؛ فالاقتصاد الإسلامي كان هو النظام الذي يحكم الأنشطة الاقتصادية طوال فترة الحضارة الإسلامية التي امتدت زمانيًا ومكانيًا.

وهذا يعني أن الاقتصاد الإسلامي فكرًا وتطبيقًا يسبق الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي؛ وعليه فإنه لا يجدر بنا القول بأن الاقتصاد الإسلامي وسط أو مرجح بين هذين الاقتصادين (الرأسمالي والاشتراكي).

أما مصطلح «الاقتصاد الإسلامي» فهو مصطلح حديث، تعود نشأته وظهوره إلى بداية القرن العشرين الميلادي، وهو يطلق على المعرفة الاقتصادية التي يكون مصدرها الوحي بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم العقل. وذلك على العكس من الاقتصاد الوضعي (الرأسمالي والاشتراكي)، والذي يستند إلى العقل باعتباره مصدرًا أساسيًا للمعرفة.

أما الحديث عن «الاقتصاد الإسلامي في عيون الغرب» أو بعبارة أخرى نظرة الغرب للاقتصاد الإسلامي، فهو موضوع ذو أهمية خاصة هذه الأيام في ظل ما يعانيه الاقتصاد العالمي من انتكاسات متتالية تكاد تنتهي بكوارث اقتصادية لولا التدخل السريع والذي لا يتجاوز المعالجة اللحظية «مسكنات»، لا يلبث أن يتعافى من انتكاسة حتى تحل به أخرى. ولا شك أن تتالي الأزمات على الاقتصاد العالمي، ينبئ بمشكلات واختلالات جوهرية تتعلق بالأسس الرئيسة للاقتصاد الرأسمالي الذي يحكم الاقتصاد العالمي.

وهو الأمر الذي يتجاوز حدود المعالجة اللحظية «المسكنات»، وإنما يتطلب معالجة هيكلية، وهو ما لم يحدث حتى الآن.

لذا فقد تعددت الدعوات والمطالبات في أكثر من مناسبة بضرورة الاعتماد على الاقتصاد الإسلامي بوصفه اقتصادًا بديلًا للاقتصاد الرأسمالي، ومخرجًا وعلاجًا لما يعانيه الاقتصاد العالمي من أزمات يصعب استشراف عواقبها، فها هي كبرى الصحف الاقتصادية في أوروبا تدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي باعتباره حلًّا للتخلص من براثن النظام الرأسمالي الذي يقف وراء الكارثة الاقتصادية التي حلت بالعالم؛ ففي افتتاحية مجلة «تشالينجز Challenges» الفرنسية كتب رئيس تحريرها «بوفيس فانسون» موضوعًا بعنوان «البابا أو القرآن» مشيرًا إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيء أدى بالبشرية إلى الهاوية. وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنيسة ومستسمحًا البابا بنديكيت السادس عشر قائلًا: «أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلًا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع الكارثي؛ لأن النقود لا تلد نقودًا».

وإذا كان هذا رد فعل أحد الصحفيين الغربيين نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، فإن اهتمام الغرب بالاقتصاد الإسلامي ليس جديدًا أو وليد هذه الأزمة، بل موجود قبل ذلك، فعلى سبيل المثال نجد «جاك أوستروي» أستاذ الاقتصاد الفرنسي في كتابه المعنون بــ«الإسلام والتنمية الاقتصادية» والذي نقله للغة العربية نبيل صبحي الطويل ونشرته دار الفكر بدمشق عام 1960م، يرى في الإسلام نظامًا للحياة التطبيقية والأخلاق المثالية الرفيعة معًا، وأن هاتين الوجهتين مترابطتان لا تنفصلان أبدًا، ومن هنا يمكن القول: أن المسلمين لا يقبلون اقتصادًا علمانيًا، والاقتصاد الذي يستمد قوته من وحي القرآن يصبح – بالضرورة – اقتصادًا أخلاقيًا، ويؤكد «أستروي» انبهاره بالاقتصاد الإسلامي لما يتضمنه من توفيق بين المصالح الخاصة والمصالح العامة، لذا يرى أن التنمية الاقتصادية وطرقها ليست محصورة في الرأسمالية والاشتراكية فقط، وإنما هناك اقتصاد ثالث هو الاقتصاد الإسلامي الذي سيسود المستقبل، وذلك لأنه أسلوب حياة كامل.

أيضًا نجد البروفيسور «لورانت مارلير» وهو خبير اقتصادي بلجيكي، في مقابلة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) يرى أن الاقتصاد الإسلامي يتجاوز الدول الإسلامية، باعتباره مسعى عالميًا، بسبب تمركز أغلب الممولين للأسواق الإسلامية في الغرب.

وإذا كانت هذه هي رؤية بعض مفكري الغرب وخبرائه للاقتصاد الإسلامي، فإن الأمر لا يقتصر فقط على المفكرين والخبراء، وإنما يتجاوزه ليشمل أصحاب القرار في الدول الغربية. فنجد وزير المالية الألماني «فولفجانج شيوبله» يقول إن التمويل الإسلامي – باعتباره أحد أهم تطبيقات الاقتصاد الإسلامي وأشهرها – يكتسب أهمية متزايدة في الاقتصاد العالمي ويجب دمجه على نحو أفضل في النظام المالي العالمي. وقال «شيوبله» أمام وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية بمجموعة العشرين: «لدينا جميعًا الآن فهم أفضل لمخاطر ودور التمويل الإسلامي». وأضاف الوزير الألماني أن البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية وبلدانًا أخرى في مقدمتها السعودية وجنوب أفريقيا تبادلت خبرات عملية في مجال التمويل الإسلامي.

وفي بريطانيا يعلن رئيس الوزراء «ديفيد كاميرون» عن رغبته في أن تصبح لندن مركزًا للتمويل الإسلامي بقوله: «فإننا نريد للندن أن تنضم إلى دبي وكوالالمبور باعتبارها واحدة من عواصم التمويل الإسلامي في العالم أجمع». ولقد عقدنا العزْم على تحويل هذه الرؤية إلى حقيقة واقعة.

وواقع الأمر أن هذه الآراء والرؤى التي تم استعراضها بهدف استظهار نظرة الغرب للاقتصاد الإسلامي، لا تعدو أن تكون غيضًا من فيض؛ فكتابات الغربيين عن الإسلام وما يمتلكه من ذاتية خاصة في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وشمولية فريدة في الجمع بين متطلبات الإنسان المادية والروحية عديدة ومستمرة، ويطول تناولها واستعراضها.

من خلال هذا العرض لبعض الآراء الغربية عن الاقتصاد الإسلامي يُلاحظ أن الاقتصاد الإسلامي يحظى باهتمام الغرب سواء كانوا مثقفين أو كُتابًا أو صحفيين أو أصحاب قرار، ويرون فيه «المنقذ» للاقتصاد العالمي الذي يعاني من أزمات متتالية تنتقل آثارها إلى كافة الدولة متقدمة ونامية.

في النهاية يبقى التأكيد على أن الاقتصاد الإسلامي ليس اقتصاد المسلمين فقط وإنما هو اقتصاد كل البشر؛ فهو جزء من الإسلام الذي هو رسالة عالمية لكل الناس؛ فالاقتصاد الإسلامي مذهبًا ونظامًا وعلمًا يستمد أصوله ومبادئه من الوحي متمثلًا في القرآن الكريم والسنة النبوية.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد