تعرف الأصولية بشكل عام بالإنجليزية: (Fundamentalism) بأنها هي اصطلاحٌ سياسي فكري مستحدث يشير إلى نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نابعة عن قناعة متأصلة نابعة عن إيمانٍ بفكرةٍ أو منظومة قناعات، تكون في الغالب تصورًا دينيًا أو عقيدةٍ دينية. أن الكلمة جاءت من عنوان سلسلة نشرات أو كتيبات سميت الأصول أو الأساسيات والتي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 1910 – 1915م واستخدم فيها مصطلح الأصول ليعنى عناصر العقيدة التقليدية أي النص كوحي وسلطة، وألوهية المسيح ومعجزة إنجاب مريم العذراء وغيرها من الثوابت التي يراها الأصوليون المسيحيون اليوم، المجتمع والدولة والثقافة.
ويفضل بعض الباحثين مصطلح «الأصولية»، بينما يجنح آخرون إلى استخدام تعبير «الإسلاموية» ترجمة أيضًا عن المصطلح الإنجليزي ««Islamist على الحركات التي تنشط على الساحة السياسية، وتنادي بتطبيق قيم الإسلام وشرائعه في الحياة العامة والخاصة على حد سواء، وتناوئ في سبيل هذا المطلب الحكومات والحركات السياسية والاجتماعية الأخرى التي ترى أنها قصرت في امتثال تعاليم الإسلام أو خالفتها. ويغلب إطلاق هذا المصطلح على الحركات التي تصف نفسها بهذا الوصف وتنشط في مجال السياسة، إذ يندر مثلًا إطلاق وصف الحركات الإسلامية عل الجماعات الصوفية التي لا تنشط في المجال السياسي، ولا يُطلق هذا الوصف عادةً على الأحزاب التقليدية ذات الخلفية الإسلامية. يمكن أن تعرف الحركات الإسلامية بأنها تلك الحركات التي تؤمن بشمولية الإسلام لكل نواحي الحياة، وتتصدى لقيادة ما تراه جهدًا لازمًا لإعادة تأكيد هذه الشمولية في وجه تراخي المجتمع وتقصير القيادات، والمؤثرات السلبية ومكايد الأعداء. وهي بهذا تدعي لنفسها دور القيادة الأخلاقية للمجتمع، متحدية بذلك القيادات السياسية والدينية التقليدية معًا. [1]
تميزت العقود الأخيرة من هذا القرن بالطفرة النوعية التي عرفتها الجماعات التأصيل الإسلامي على وجه الخصوص، سواء في صورة جماعات اجتماعية، ذات نسق ثقافي تطوري، تعيد بناء العلاقات بين أعضائها في صورة قراءات جديدة للنص الديني، تهدف إلى استخلاص النماذج النظرية، التي ترى هذه الجماعات أنها يجب أن تؤطر المجتمع والدولة والثقافة.
وحتى ننطلق من مقدمات واضحة، لا بد من تحديد ما نقصده بالجماعات التأصيلية، وتمييزها عن المظاهر والتجليات الدينية عامة، عن طريق إبراز عدد من الخصائص العامة المشتركة، التي يمكن الاحتكام إليها لتمييز هذة الجماعات التي يصطلح عليها بجماعات الإسلام السياسي أحيانا وبالحركات الأصولية أحيانًا أخرى.
ومن العسير أن نقف علي جميع خصائص الظاهرة على وجه الحصر، بسبب طابعها النسبي واختلاف الزمان والمكان، لذلك سوف أقتصر على رصد مجموعة من الخصائص الجوهرية، التي تبقى بدورها مفتوحة أمام كل تعديل أو إضافة:
1- الشمولية: تتميز تلك الجماعات بأنها لم تعد تحصر اهتمامها في القضايا العقدية، لقد أصبح اهتمام عدد من قادة هذه الجماعات ينصب على بلورة نظريات للمجتمع والدولة باسم الإسلام، بل إن هؤلاء أصبحوا يسعون إلى بلورة معرفة موازية للعلوم الإنسانية في مجالات القانون، الاقتصاد، والمجتمع، والنفس وتأسيس عقل علمي قائم على رؤية ثقافية للعالم، كما يطرحها الإسلام، تظهر تصورا مختلفا للإنسان بكونه الإنسان المستخلف، الذي يقوم على معنى الإيمان بالله، مما يعطي لحظات الإحساس بالحياة الطيبة ومعناها، لتصبح تلك هي الرؤية التي تحكم المجتمع العلمي علي نحو ضروري، وتكون موضع تأمل ونظر وتدبر، ويكون نيل الإيمان بالاستجابة الراشدة لأنشطة وبحوث الإنسان العلمية عبر التاريخ، وبهذا المعنى يعتبر العلم الإسلامي، الأكثر شمولا بالقياس للرؤى والفلسفات والعلوم والمعارف الوضعية التي أنتهجها وينتجها البشر على مدار التاريخ العلمي للعلوم. [2]
2- خاصية المدافعة: إن الإسلام هو دين حركة وتفاعل مع الحياة، وهو دين تدافع بين الخير والشر (الحق والباطل)، وهو بهذا المعنى حركة تغيير إصلاحي شامل، وكذلك هو صاحب مشروع حضاري بديل (فإزاحة الشر نقيض وضع بديل له من الخير، وتغيير مشروع الباطل يجب أن يستبدل بمشروع حق). ومن هنا فإن الحركات الإسلامية هي حركات تغيير تهدف إلى تحقيق المشروع الإسلامي الحضاري. وإن بعد «التغيير» وبعد «طبيعة المشروع الحضاري»، هذين البعدين هما مصدر خلق الاختلافات والتباينات في ظاهرة الحركات الإسلامية في العالم العربي. فهناك اختلاف حول سياسات وأساليب التغيير وأدواته ومراحله. وأيضًا هناك اختلاف حول أولويات وماهية وبرامج ومراحل تطبيق المشروع الحضاري (وبهذا المعنى فإن تحقيق هذا الهدف الحضاري ليس حكرًا على حركة معينة).
ونتيجة لما سبق يمكن القول أن وجود هذه الظاهرة والحركات ارتبط بوجود «بيئة وظروف تقتضي التغيير» بالإضافة إلى وجود المشروع الحضاري «بديلًا أفضل» يكون هدفًا للتطبيق.
3- كخلاصة يمكن القول أن الحركة التأصيلية: هي حركة تغيير اجتماعي شامل على أساس الاعتماد على مرجعية الإسلام كمصدر للفكر والسياسات والسلوك والبرامج والغايات، ولكن نتيجة لوجود تفاوت في فهم مقاصد الإسلام أدى إلى ظهور تعدد في الحركات الإسلامية وفي بعض الأحيان أخذت شكل اختلاف أو تناقض بين هذه الحركات.
تسعى الجماعات التأصيلية بشكل عام إلى معرفة أنماط العيش السائدة، سواء تعلق الأمر بأشكال السلوك الفردي أو البنى الاجتماعية أو المؤسسات السياسية، تبدأ من التحفظ على المؤسسات القائمة وإسقاط المشروعية عنها، وتصل إلى حد تكفير القائمين عليها والدعوة إلى جهادهم، وقد تأخذ الدعوة بعض الأحيان شكل حوار متمدن، تراهن فيه كل من هذة الجماعات وأنظمة الحكم الحديثة كخصمين، كل يقوم على استنزاف خصمه وإنهاكه، وتنقسم الجماعات التأصيلية نفسها بين مقولتي التكيف أو المواجهة، وحذر ممثلو تيار التكيف إلى الدعوة إلى الاندماج في ظل عدم وجود اتفاق على إستراتيجية عربية إسلامية توضح هذا التكيف، لأن في ظل غياب هذا الاتفاق قد تؤدي إلى التسليم بالتبعية المطلقة وتبرير اتفاقيات الحماية والدفاع مع الولايات المتحدة.
ظهر ما يشبه الاتفاق بين جماعات التأصيل الإسلامي على صعوبة التسليم بفرضية استمرار الهيمنة أو القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد، لأن هذه الهيمنة أو القيادة لا تستند إلى تفوق اقتصادي وتكنولوجي فقط، بل تعتمد على التفوق العسكري والنووي، بالإضافة إلى أن هناك تهميش لدول الجنوب واستخدام للقوة ضدها ورفض الحوار بسبب مشاكل الفقر والبيئة والديمقراطية، وتزايد السكان، وضغط الشعوب ودول الجنوب لتغير هذه الأوضاع نحو نظام عالمي أكثر عدالة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست