العولمة – كظاهرة – هي نموذج خارجي مستقل يفرض نفسه وهي (الانفتاح على سياق معرفي يحمل تعبيرات من سياق مغاير) كما يقول باتريك هايني, كذلك العلمنة, والحداثة (آلية فصل المتصل, كما قال د. طه عبد الرحمن, أي فصل الدين – وهو المتصل بكل شيء – عن مجالات الحياة). أما الأسلمة فهي مجرد رد فعل دفاعي فارغ من المضمون الحقيقي, وهي كما يقول باتريك هايني أيضًا: (إعادة قراءة المرجعية الدينية لمفهوم يقع في سياق خارج عنه).

فإن استدعاء المرجعية الإسلامية لأمر خارج السياق الإسلامي هو مجرد رد فعل خاضع مستسلم لتيار العولمة/ العلمنة الجارف.

فالإسلام هو دين الله, الذي تخضع له كل الأمور, وهو المرجعية لكل شيء, ولا يخضع هو لمرجعيات أخرى, ولا يصح ذلك. فهو مستقل بذاته. أما الأسلمة فليست كذلك, الأسلمة هي محاولة تحويل لشيء مبني على أساس غير إسلامي لشيء ذي مرجعية إسلامية, وذلك مستحيل.

الإسلام غير خاضع, وغير تابع, ولا يصح أن تكون العولمة أو الحداثة هي المرجعية الحاكمة المهيمنة على الإسلام وليس العكس.

الأسلمة ما هي إلا رد فعل دفاعي باستدعاء المرجعية الإسلامية لأمر يقع في سياق خارج الإسلام تمامًا.

فكيف يمكن – من الأساس – إدخال أيديولوچيا/ علم/… إلخ, مبني على أساس إلحادي, على عدم اعتبار وجود الله من الأساس, في سياق إسلامي؟

كيف – على سبيل المثال – يمكن أسلمة الديمقراطية, أو الدولة الحديثة القائمة على شبه تأليه للدولة, أو المؤسسات العسكرية القائمة على أسس قومية حديثة وأسس علمانية لا تمت للإسلام بصلة, أو الليبرالية, أو الاشتراكية أو النسوية… إلخ؟

كيف مثلًا يمكن أسلمة علم مثل التنمية البشرية, المبني على مركزية الفرد وتمحوره حول ذاته واستطاعته فعل أي شيء إذا أراد ذلك وسعى له؟ العلم الذي كاد أن يعتبر المرء إله نفسه ببعض المهارات المكتسبة!

بل إن هناك البعض ممن يحاولون أسلمة العلمانية, التي هي على النقيض من الإسلام من الأساس! فمحاولة أسلمة فكرة فصل الدين عن السياسة والحكم, أي: الإلحاد السياسي بعدم اعتبار وجود الله عند خوض المجال السياسي وعند الحكم هي محاولة عبثية وتفتقر إلى أبسط قواعد المنطق حيث يستحيل جمع الشيء ونقيضه. فنحن لن نقوم بتفصيل إسلام كيفما نشاء, فالإسلام ليس إلا ما يريده الله.

فمحاولة أسلمة الأيديولوچيات, وأسلمة العلوم القائمة على أساس إلحادي, ما هي في النهاية إلا محاولة لأسلمة الإلحاد !

فيصبح الحديث عن (اشتراكية إسلامية) أو (نسوية إسلامية) أو حتى (داروينية إسلامية!) أو ما إلى ذلك, هو محض هراء وعبث !

نعم, فهناك من ينادون بذلك (نعم هناك مسلمون مقتنعون بنظرية داروين ولا يجدون تعارضًا بينها وبين الإسلام! وهناك من يقولون أن الإسلام أصلًا اشتراكي, وهناك منتهجات لما يسمى بالنسوية الإسلامية, إلخ), وهناك من لا يملكون شيئًا يقدمونه إلا محاولة تقليد النماذج الواردة من الخارج وإضفاء مرجعية إسلامية عليها في عبث تلفيقي ولعب بالمصطلحات!

فكيف يمكن أن يكون (الإسلام هو الحل) باستخدام آليات حل غير إسلامية؟

فلا يوجد (إسلام سياسي) و(إسلام وسطي) و(إسلام ليبرالي) و(إسلام اشتراكي)… إلخ. لا يوجد إلا إسلام واحد, وهو الدين الذي أنزله وشرعه الله!

ويقع أيضًا بعض المفكرين المسلمين في الفخ الاستشراقي فيتحدثون ويفكرون من منطلق دفاعي بحت غير منتجين لفكر إسلامي خالص, بل يكون إنتاجهم إما محض تلفيق لإنتاج المستشرقين وإما حالة دفاعية فقط.

الإسلام لا يمكن جعله ليبراليًا أو اشتراكيًا أو ديمقراطيًا, لا يمكن لأن الإسلام هو الإسلام ولا يمكن إخضاعه قسرًا أو تلفيقه ليناسب مرجعية أخرى! إن الدين عند الله الإسلام !

فالمسلم, يجب عند قيامه بأي أمر, أو شروعه بأي فعل, يجب أن يكون ذلك بناءً على عبوديته لله, وأن يضع نصب عينه مراقبة الله, وبالتالي لا يصح وجود عِلم أو أي أمر قائم على عدم اعتبار وجود الله!

وربما اعتقد بعض المسلمين أن هناك أمورًا تقع في خارج السياق الديني وبالتالي فلا مجال للحديث عن عدم اعتبار وجود الله أو اعتبار وجود الله, فالأمر لا يحتمل ذلك.

ولكنه يحتمل, فالله هو المدبر والمتحكم والمتصرف في كل شيء بلا استثناء, وبالتالي فإليه يُرجع الأمر كله.

وهو سبحانه يقول في كتابه: “قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين”.

إذًا, لا يمكن إقامة الإسلام إلا بالإسلام, ولا يمكن استدعاء آليات خارج سياقه لإقامته, ولا يمكن تحقيق العبودية لله إلا بما شرعه.

وهو تعالى يقول: “أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ”.

فلا يصح أو يُعقل أن نحقق العبودية له بغير ما أذنَ به. إذًا فلا يمكن أسلمة الأيديولوچيا أو أدلچة الإسلام. ولا يمكن أسلمة الحداثة أو تحديث الإسلام أو التماهي الكامل مع النظم الحداثية بقصد التعايش مع الواقع .

لأن ذلك سيؤدي إلى خلل ولبس ومغالطات لا ريب.

إن (أسلمة الإلحاد) قد يبدو مصطلحًا صادمًا وغريبًا, ولكن بالتأمل في عمليات الأسلمة القائمة المعتمدة على أسسٍ بناها غير مسلمين أو ملحدون, سنجد أن ذلك عبثٌ, وأنها بالفعل محاولة للجمع بين الشيء ونقيضه: الإسلام والإلحاد.

لن نحقق عبودية الله إلا بما أذن به وشرعه.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد