فقد شاع مصطلح الإسلاموفوبيا islamophobie أي الخوف والرهاب من الإسلام، ليعبر عن ظاهرة مرضية بدأت تتنشر بشكل رهيب في المجتمعات الغربية، وهي عبارة عن ظاهرة تعبر عن العمق السيكولوجي للإنسان الغربي تجاه الإسلام، وانعكاس هذا العمق على ممارساته وسلوكياته ونظرته المرضية للإسلام التي تأصلت في خلايا المجتمع الغربي، ومن أعراضها الطعن في الإسلام والتشكيك في نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلصاق كل ما هو دموي وفظيع بالإسلام.
ولم تكن هذه الظاهرة المجتمعية جديدة في عصرنا الحالي، ولم يتم بلورتها بشكل تلقائي، وإنما جاءت نتيجة لتراكمات تاريخية تندرج في إطار الصراع التقليدي بين الغرب والإسلام منذ أيام الحروب الصليبية، وتحيط بها جوانب يجب معرفتها ودراستها من جميع الزوايا، كالجانب الثقافي والحضاري والتاريخي والإعلامي. ليحتل هذا المصطلح الحديث «الإسلاموفوبيا» موقعًا هامًا في الفضاء المعرفي المعني بصورة خاصة بعلاقة الإسلام بالغرب، للتعبير عن ظاهرة الرهاب أو الخوف المرضي من الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من تفجيرات استهدفت بعض العواصم الأوروبية، كتفجيرات مدريد سنة 2004، وتفجيرات لندن سنة 2005، ثم هجمات «شارلي إيبدو بباريس» سنة 2014 و2015.
وكان للسياق التاريخي لعلاقة الإسلام بالغرب والدراسات المسيحية القديمة التي ساهمت في إرساء صورة لدى الشعوب المسيحية حول الإسلام، والتي عززت من أطروحة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» التي كان لليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة أو في أوروبا دور كبير فيها، وتأثير هذه الدراسات المسيحية القديمة في التعزيز من أطروحة الإسلاموفوبيا، والتي كان أغلب الذين قاموا بصياغتها هم من القساوسة الذي قادوا معارك ضد المسلمين أيام الحروب الصليبية.
تعتبر ظاهرة الإسلاموفوبيا أو الرهاب من الإسلام إحدى الظواهر المجتمعية الجديدة التي بدأت تطفوا على السطح في الغرب بشكل عام، مباشرة في عقد التسعينات من القرن الماضي، بعد انهيار المعسكر الشرقي وزوال المنظومة الاشتراكية التي كانت تعتبر العدو الأول والرئيس للمنظومة الليبرالية التي تقودها الولايات المتحدة بشكل عام، وهي عبارة عن ظاهرة الخوف المرضي من الإسلام في المجتمعات الغربية، ويدخل ضمنها الانتهاكات التي يتعرض لها أفراد الجاليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة من عنصرية واستهانة بكل معاني حقوق الإنسان، ولا يسعنا إلا القول إن مرض الخوف من الإسلام ظاهرة سيكولوجية تأصلت في خلايا العنصر الغربي، وهنا يقول المفكر الأمريكي «نعوم تشومسكي»[1]: «إن ظاهرة الإسلاموفوبيا هي خطر بالتأكيد، وهي نتاج متجدد لمعاداة السامية، وهي تسيئ للغرب أكثر من خلال الممارسات التي تجسدت على الأرض من خلال الشجب والإدانة والعنف الجسدي». ليخلص تشومسكي في الأخير إلى أن الحرب على الإرهاب كانت محصورة فقط في منطقة القبائل بأفغانستان، لتتوسع في العالم بأكمله؛ نتيجة الحرب العالمية على الإرهاب الذي هو في القاموس السياسي للمحافظين الجدد الإسلام. أما المفكر الأمريكي «جون اسبوسيتو» فيقول: «لقد أصبح الأمر بمثابة فرض غشاوة من الجهل على رؤية الغرب للإسلام وللحضارة الإسلامية».
ولهذا فقد أدت الأحداث العالمية التي وقعت، انطلاقًا من الثورة الإيرانية، والحرب الأفغانية السوفييتية، وكيف كان المجاهدين الأفغان يوصفون في الإعلام الأمريكي بأنهم مقاتلون من أجل الحرية، ليتحول هؤلاء المجاهدون، بعد طرد السوفييت من أفغانستان وانهيار المعسكر الاشتراكي إلى عناصر إرهابية تتخطفها أجهزة المخابرات الباكستانية في شوارع بيشاور، أدت كل هذه المعطيات إلى تغير في موازين القوى وتبلور نظام عالمي جديد قائم على الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الرائدة في قيادة العالم الليبرالي.
وكان لزامًا على كبار أساطين المفكرين الأمريكيين وأصحاب مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية وصانعي القرار والسياسات الكبرى والدراسات المستقبلية في مراكز صنع القرارالى البحث عن عدو جديد، بعد زوال خطر الشيوعية، أي البحث عن عدو كبير يتمثل في التهويل منه وتضخيمه من خلال اصطناع الأساطير والنفخ فيها عن طريق الإعلام الهوليوودي، ومن خلال كتابات بعض كبار المفكرين، ككتاب صدام الحضارات لـ«صمويل هنتنغتون» الذي تنبأ بحتمية الصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وأن الحضارة الإسلامية ــ بعد ظاهرة الأفغان العرب ضد السوفييت، وهجوم صدام على الكويت ـ تشكل أكبر تحدي للحضارة الغربية والسياسة الخارجية الأمريكية بشكل خاص، وأن بؤر التوتر في المنطقة ستكون عبارة عن صراع في مجال «جيو سياسي» و«جيو استراتيجي» بمنظور ثقافي، وأن الصراع الثقافي يشكل الدين فيه مرتكزًا أساسيًا، حيث لم تكن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» ظاهرة اجتماعية أو إعلامية تم التضخيم منها فقط، بل كانت عبارة عن بنية إيديولوجية عقائدية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، بعد حرب الخليج الثانية سنة 1991، ثم وصول المحافظين الجدد الى الإدارة الأمريكية سنة 2001 وما أعقبها من أحداث كهجمات 11 سبتمبر لتساهم بشكل واضح وجلي في بلورة هذا المصطلح وهذه الظاهرة التي أصبحت بمثابة بعبع يخيف المجتمعات الأمريكية والأوروبية على حد سواء.
إن تاريخ العلاقات بين الإسلام والغرب، والصراع التقليدي الذي يعود بين الطرفين منذ عهد الحروب الصليبية، والتأثير الأكاديمي والثقافي للحضارة الإسلامية في الإنتاجات الثقافية الغربية، كان لها صدى بالغ التأثير، كما أن كتب المستشرقين والاستعمار الغربي للبلدان العربية والإسلامية والدراسات المسيحية القديمة عن الآفاق المستقبلية للإسلام، وتهديده للكنيسة في أوروبا، ساهم في إرساء صورة نمطية عن الإسلام، ونبي الإسلام محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن، كما أن الفتوحات الإسلامية في الأندلس والوجود العثماني في أوروبا إلى حدود «فيينا»، كل هذا ساهم في تكوين صورة مخيفة عن الإسلام في العقل الغربي، وخلف آثارًا كبيرة في النفسية الغربية، واستطاع اليمين المسيحي المتطرف في عصرنا الحالي «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة أو الأحزاب اليمينية في أوروبا أن تستفيد منها بشكل كبير وتستغلها لصالحها في بلورة ظاهرة الإسلاموفوبيا، وفق رؤية فكرية للسياسة الخارجية الأمريكية من أجل رسم خارطة جديدة لمستقبل المنطقة وظهور مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية كمحور الشر، أو الشرق الأوسط الجديد أو معاداة السامية، حتى إن قسيسًا في معهد «هارتفورد اللاهوتي» قال بعد انهيار المعسكر الشرقي: «من الشبح الجديد؟» في إشارة للإسلام…إلخ
واستنادًا إلى هذه المعطيات، يمكن القول إن الإعلام الجماهيري في الغرب، وفي الولايات المتحدة بشكل خاص، تسيطر عليه وكالات الإعلام الغربية وأجهزة الاستخبارات والمنظمات الصهيونية، وتؤثر فيه مراكز الدراسات الكبرى، باعتباره أداة قوية تؤثر في مجتمعات الديمقراطيات الغربية، كان له الدور الكبير في التشهير بظاهرة الإسلاموفوبيا، والتحذير من خطر الجاليات الإسلامية في فرنسا، والحد من ظاهرة الهجرة، والدعوة الى وقف بناء المساجد ومحاربة الزي الإسلامي. إذن فظاهرة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة وفي أوروبا ـ فرنسا نموذجا ـ من بين أهم الظواهر التي تسترعي انتباه كبار الأكاديميين والباحثين في الغرب، كون هذه الظاهرة تفاقم من أزمة الجالية المسلمة في الغرب، وما يرتبط بها من مشاكل اندماج وانصهار في المجتمع الغربي، وتهدد مفهوم المواطنة وتنذر بصراع الهويات، والجذير بالذكر أن الجمعية المناهضة للإسلاموفوبيا تستقبل قرابة 2000 ملف في السنة من الضحايا، كما أنها جاءت نتيجة التنظير الفكري والفلسفي لكبار مفكري اليمين المسيحي تجاه العرب والمسلمين، ولكنها صارت مشتركة بين اليمين المسيحي والتيار الليبرالي في الغرب كما يظهر ذلك واضحًا في كتاب فرانسيسكو فوكوياما[2] «نهاية التاريخ»، إذ يرى في الأصولية الإسلامية أنها تشكل أكبر عائق في طريق المنظومة الديمقراطية الليبرالية.
إن طروحات المحافظين الجدد في أمريكا والأحزاب اليمينية في أوروبا من أهم الأطروحات الفكرية التي ساهمت في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وتعزيزها لدى الإنسان الغربي، من خلال التنظير لنظام عالمي جديد يلي الحرب الباردة، وهو ذلك العالم المليء بالاحتراب، خاصة بين الغرب المسيحي والشرق المسلم، وهذا يعني أن الصراع الحضاري حسب هنتنغتون[3] سيكون مبنيًا على أسس دينية تتداخل فيه الثقافة والدين والسياسة في مجال جيوسياسي.
كما أن بعض ممارسات التيارات الإسلامية العقائدية، ساهمت أيضا في إنتاج خطاب يميني متأزم أتاح المجال لإعادة نظرية هنتنغتون، وقد مكنت الأحداث المحافظين الجدد ـ صمويل هنتنغتون ـ من تسطيح الرد حول تساؤلات الشعب الأمريكي: لماذا يكرهوننا؟ وتم تقديم المسلم في إطار الإسلاموفوبيا على أساس أنه يمثل القوى المعادية للحضارة الأمريكية.
ـ أما في أوروبا، فقد تم تقديم الإسلاموفوبيا على أنها الشماعة الكبيرة التي تعلق عليها النخبة السياسة الأوروبية فشلها، كما هو الحال في فرنسا، مثل ارتفاع البطالة ومشاكل الهجرة، وأن الجالية المسلمة في أوروبا )فرنسا نموذجا( تشكل تهديدًا كبيرًا لقيم المساواة والحرية والأخوة التي تعتبر من المرتكزات التي تأسست عليها الجمهورية الفرنسية، وأصبحت تظهر هناك بعض المصطلحات الجديدة كـ«الكزينوفوبيا» و«الاستبدال الكبير» grand remplacement الذي وظفه الكاتب الفرنسي الكبير المعروف بعدائه للإسلام «رونوكامي»[4]. أو من خلال بعض المؤلفات ككتاب (انتحار فرنسا) لـ«إريك زيمور»[5]. أو من خلال تشريع بعض الإجراءات في المنظومة القانونية كقانون حظر الحجاب أو حظر المآذن في فرنسا وسويسرا.
———————
[1]أفرام نعوم تشومسكي ((AvramNoam Chomsky مولود في 7 ديسمبر 1928فيلادلفيا، بنسلفانيا) هو أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناقد وناشط سياسي. وهو أستاذ لسانيات فخري في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي عمل فيها لأكثر من 50 عام
[2]يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما( إنجليزية : Yoshihiro Francis Fukuyama) (ولد 27 أكتوبر1952) هو عالم سياسة، اقتصاد سياسي، فيلسوف سياسي، مؤلف، وأستاذ جامعي أميركي. اشتهر بكتابه نهاية التاريخ والإنسان الأخيرالصادر عام 1992، والذي جادل فيه بأن انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسماليةوالسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الإجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان. ارتبط اسم فوكوياما بالمحافظين الجدد، ولكنه أبعد نفسه عنهم في فترات لاحقة
[3]صامويل فيليبس هنتنجتون (18 أبريل1927 – 24 ديسمبر2008) (إنجليزية:Samuel Phillips Huntington) كان عالماً سياسيًا أميركيًا، بروفسور في جامعة هارفارد لـ 58 عامًا، ومفكر محافظ. عمل في عدة مجالات فرعية منبثقة من العلوم السياسية والأعمال، تصفه جامعة هارفاردبمعلم جيل من العلماء في مجالات متباينة على نطاق واسع، وأحد أكثر علماء السياسة تأثيراً في النصف الثاني من القرن العشرين
[4]كاتب فرنسي صاحب نظرية الاستبدال الكبير أي الاستبدال بالفرنسيين الأصليين المهاجرين
[5]Eric : Le Suicide français.
Albin Michel, Paris 2014
544 pages.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
الإسلاموفوبيا