لم تغب على مخيلة أي منا حادثة الشابة «إسراء غريب» والتي دوّت عالميًّا، لتكون منبهًا يوقظنا على ظلمٍ وواقعٍ تحياه المرأة في ظل غياب الوازع الديني وتفشي عنجهية الشهوة واللاأخلاقية المستشرية لدى البعض الكثير.

دون الخوض في تفاصيل حادثة إسراء لأن القصة أصبحت معروفة لدى الجميع وحضرت على مائدة أحاديثنا وأخذت وقتًا داخل متاهات عقولنا وسط تساؤلاتنا: ما هي الحقيقة؟ كيف بدأ الأمر؟ وكيف ستؤول الأمور بعد وأد روحٍ بشريةٍ كان لديها طموح وأحلام ومخططات ووقت تريد قضائه فيما تحب ومع من تحب!

الذي دفعني للكتابة أن ما حدث لإسراء يحدث للكثير من الفتيات بلون مختلف، وأسباب مختلفة، يوحدها الطمع والرجعية الفكرية المرتبطة بالعادات والتقاليد وسط مجتمع ذكوري بامتياز.

فمثلًا تلك المطلقة التي اصطدمت بواقع مخالف تمامًا لما صنعته في مخيلتها البسيطة من أحلام وردية وزوج مراعٍ وأطفال يملئون حياتها بهجة وسعادة؛ لتعود خائبة الرجا لبيت أبيها مكسورة الجناح والأحلام، بعض العائلات تحرمها من رؤية أبنائها إن كان لها أبناء بحجة أنهم لا يريدون نسل ذلك الرجل، ويبدأ مسلسل الابتزاز من قبل عائلتها للسيطرة على نفقتها التي شرعها لها الدين، وسلّم لي على مشاعر تلك الفتاة.

ولا تبعد عنها تلك الأرملة وزوجة الشهيد التي تتفتح الأعين عليها لتشاركها في راتب زوجها الذي يخصص لكل شهيد، وتبدأ مواويل: الأم لها حق في هذا الراتب، والأخت كذلك، والأخ لا يجب إغفاله من دائرة توزيع الكنز المالي.

وتعيش أرملة الشهيد بين القيل والقال ويصل الأمر للتهاوش بالأيدي وفي بعض الأحيان للطرد، وحدّث عن إجبارها على الزواج من أخيه من باب الأولى بتربية أبناء الشهيد، وهو أخوه، دون مراعاة لمشاعر تلك الإنسانة التي فقدت مَن أمّنته على حياتها وكان صندوق أسرارها.

في بعض الأحيان أتجرأ وأقول بأن الشهيد لو علم بما يحدث مع زوجته من بعده لما فكّر في الشهادة، لكثرة الذل الذي تتلقاه زوجته بدلًا عن التكريم والتشريف.

والأمر ليس بعيدًا عن زوجة الأسير التي تقع ضحيةً لمجتمع يترصد بها كأن جدار حمايتها انهار، وتكشفت هي لتصبح لقمة سائغة في أفواه اللاإنسانيين، ناهيك عما تتعرض له من صراعات تتكفل بها عائلة زوجها تبدأ من راتب الأسير ولا تنتهي عند تزويج ابنها بعد خروجه من الأسر فرحة به.

ولا عزاء لمشاعر الإنسان الذي يموت لحظيًا من ظلم الذي أَمِنَ الدنيا أو ربما أغلق على ضميره الباب وتركه للغبار والأتربة وربما أكلته الفئران هناك.

ومرورًا بتلك الموظفة التي يلُقيها حظها العاثر مع عائلة انتهازية ترى منها مصدر تمويل وبقرة حلوب، فتمنعها من الزواج خشية ضياع المال منهم ويستفيد منه الزوج، وإن لم يحدث ذلك فإن الزوج يتكفل بالقيام بهذا الدور من حلب لأموال تلك المسكينة ولا مجال للاعتراض، وإلا كان الطلاق نصيبها، وربما تصل الأمور إلى تهميش تلك الموظفة ماديًا من قبل زوجها وتأخذ هي على عاتقها تربية الأطفال والاعتناء بهم ماديًا، وهكذا تدور الدائرة.

وتلك العاملة التي تركت أهلها وبلدها لتوفر ما تعيل به أسرتها، فترميها الظروف لدى عائلة سيئة وتتعرض للتحرش وإساءة المعاملة، قصص كثيرة من هذا النوع حدثت ولا مبالغة في الحديث.

ولا ننسى الأمر الأكبر والأكثر حدوثًا في عالمنا الذي من المفترض أن يحمل سمة الإسلام، في هذا المجتمع تُحرم الفتاة من حقها الشرعي في الميراث، ولا يُلقي الأب بالًا لبناته وحقهن، وكثيرًا ما كنت أتساءل كيف يحرم الأب فلذة كبده من حقها؟ أليست ابنته؟ أم أنها ابنته في مواقف كالشرف مثلًا وليست ابنته عند الميراث؟ وتساؤلات كثيرة توجه له!

ولا أغفل تلك المسكينة التي حُرمت عُذريتها داخل بيتها، كل ذنبها أنها تعيش عن وحوش، ترغب في تسلية ذاتها وتحقيق رغباتها، ما زالت حادثة تلك الفتاة التي وجدت نافذة منزلها مخرجًا لها من بؤرة الفساد تلك بوابة النجاة، وصنفت حادثتها انتحار! ما زالت حادثها قريبة من الذاكرة.

و هناك القاصر التي أرغمت على الزواج، وهناك التي لم يتسن لها الزواج ووقعت فريسة لأخيها المتسلط وزوجته الاستبدادية، وهناك من حُرمت من التعليم خوفًا من أن تُلحق العار بأهلها. والكثير من القضايا والأمور التي تحدث داخل مجتمعنا العربي.

ويضاف لكل ما سبق ذكره تلك الشركات الإعلانية والفضائيات التي تتعامل مع المرأة على أنها سلعة تجارية تروج من خلالها لأعمالها تحت مسمى وجه الشركة الإعلامي!

ألم يسأل أي منكم لم يرغب البعض في توظيف سكرتيرة بدلًا عن رجل، أن يوظف موظفة استقبال بدلًا عن موظف، حتى في استقبال المكالمات تكون فتاة، وبرامج الصباح كذلك؟ إنهم ينظرون للمرأة يا سادة على أنها سلعة ومصدر لكسب المال لا غير، ولا تقتنعوا بمن يقول مساواة بين الرجل والمرأة.

المرأة ليست بحاجة للمساواة بقدر ما هي بحاجة للعدالة، بقدر ما هي بحاجة لأن تكونوا دينيين لا دنيويين شهوانيين.

كل ما قلته سابقًا لا ينفي وجود عائلات كانت نموذجًا داعمًا ومساندًا للمرأة، كم من أب ضحى من أجل بناته، كم من أب اتقى الله في بناته وكان لهن العالم أجمع، كم من أخ كان مثالًا في الأخوة والتفاني مع أخته.

لذا من باب الإنصاف لا يحق لي التعميم فالأمور دائمًا نسبية، فكما هناك رواد للظلم هناك أيضًا رواد للحلم والحديث هنا حتى يغلب الحُلمَ الظلم «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد