صورة

بهذه الكلمات رأى الدكتور (جمال حمدان) دوائر الأمن القومي لمصر من ناحية الشرق التي يجب علينا أن نعي أهميتها وخطورتها، وفي ذات الوقت ندرك أن هناك تغيرات إقليمية ودولية أصبحت تؤثر في الصراع سلبًا وإيجابًا.

والآن تغيرت آليات الصراع فدائمًا كان وجود إسرائيل قائما على قوتها العسكرية، ومقدار الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الذي تقدمه أمريكا لها والآن علينا أن ندرك المتغيرات التي حدثت في الفترة الأخيرة خصوصا بعد حرب غزة الأخيرة التي جعلت من إسرائيل تمثل عبءًا أخلاقيا وسياسيا على حلفائها، ولأول مرة نرى أصواتا قوية تصدر من الغرب ومن أمريكا تنادي بأنه يجب على إسرائيل أن تغير من أسلوبها في إدارة القضية الفلسطينية، وأن تدرك أن عليها التوقف عن ممارساتها الاستيطانية الوحشية خصوصا لأن هناك توجه للإدارة الأمريكية لخفض دورها في الشرق الأوسط في مقابل زيادته في آسيا.

كما أنه هناك إدراك في النخب السياسية الإسرائيلية لمدى خطورة التضاؤل في التأييد الدولي، والإدانات الدولية الواضحة لممارسات إسرائيل، إلا أن هذا الموقف الدولي الذي يستحق التوقف عنده ودراسته، يظل محدود التأثير بدون موقف عربي وإسلامي مؤيد ودافع له، وهذا الموقف ليس فقط ما يمثل تغيرا جديدا في ديناميكية الصراع.

بل أن هناك تطورا آخر خارج عن نطاق السياسة، وهو التفوق الديمغرافي لسكان فلسطين على تعداد السكان الإسرائيليين، وزيادة نسبة الرغبة في الهجرة من الداخل الإسرائيلي إلى الدول الأخرى لتدني المستوى الاقتصادي والتهديدات الأمنية.

بل إن فكرة إسرائيل في ذاتها قائمة على التفوق الإسرائيلي في الصراع، ومع اهتزاز صورة هذا التفوق بعد حرب غزة الأخيرة بدأت أصوات في الداخل الإسرائيلي تنادي بضرورة وجود حل أو تسوية للأزمة، فالثمن الغالي الذي دفعته إسرائيل من صورتها وهيبتها أمام العالم والمجتمع الدولي واهتزاز صورة الجيش الإسرائيلي وأدائة البائس في الحرب أدى إلى انكشاف أن الصراع لم يعد قائم على القوة العسكرية فقط بل يتوقف أيضا على قدرة المقاومة على الصمود وتحقيق مكاسب على الأرض.

كما أنه من الواضح أن إسرائيل تعمل على زيادة تمدد دوائرها السياسية بعيدا عن نطاق تأثيرها الجيوسياسي، وذلك لمحاولة التحرك خارج نطاق الدول المحيطة بها لصنع تأثير ونفوذ من شأنه أن يكون عامل تهديد وضعط على الدول المحيطة بها بهدف إحداث تداخل بين تلك الدوائر ودوائر الأمن القومي للدول المحيطة، ويظهر هذا النفوذ مؤخرا في دول حوض النيل، وخاصة إثيوبيا، ويجب تحجيم هذا الدور الذي يهدف إلى تركيع مصر من خلال ملف مياه النيل ومواجهته بجميع الوسائل لما له من أثر بالغ السوء على مصر، وهو أن أصبح لإسرائيل دور فاعل أو مؤثر في ملف مياه النيل.

ولعلنا يجب أن ندرك أهمية موقع فلسطين الذي هو بمثابة همزة الوصل بين المشرق والمغرب العربي والتحديات الناجمة عن احتلال إسرائيل لفلسطين مما جعل من إسرائيل بمثابة صدع قاري فاصل بين جغرافيا الوطن العربي وخلق وضعا جعل من إسرائيل مانعا حدوديا وأيدلوجيا للوحدة العربية جغرافيا وسياسيا وما نجم عن هذا الوضع من آثار سلبية على الواقع العربي.

أدركت إسرائيل أن الصراع الساخن والمواجهة الصلبة لا تصب في مصلحتها، بل يجب على الصراع أن يأخد المنحى البارد أو السائل لتحقيق أهدافها في الحد من العداء الشعبي في دول المواجهة لها، بل ولمساعدة من يريد تمرير أهدافها في تلك الدول من شبكات المصالح التي نجحت إسرائيل في إنشائها في الدول المحيطة بها من إعلاميين ورجال أعمال وساسة استطاعت إسرائيل أن تجعل منهم رأس حربة لخدمة مصالحها.

فرق تسد، هذا هو دائما أصل من أصول السياسة الإسرائيلية في التعامل مع دول الصراع، ولعلي أرى الآن توافقا بين إسرائيل وبعض الدول العربية في مواجهة الإسلام السياسي، والحد من تمدده لإدراكها أن العدو الأول للإسلام السياسي هو إسرائيل، فمن جهة تهدم المشروع الإسلامي ومن جهة أخرى تؤجج الصراع السياسي بداخل تلك الدول.

ماذا يجب علينا أن نفعل لمواجهة ذلك؟

1- تغيير الاستراتيجية العربية في وضع السياسات من استراتيجية رد الفعل إلى استراتيجية هجومية ناعمة تهدف إلى حصار النفوذ الإسرائيلي، وإفشال الأهداف الإسرائيلية ووأدها في المهد قبل الوصول إلى غايتها.

2- يجب على مصر قولا واحدا مساندة المقاومة فإذا كان عدوك يملك القوة أو التأثير ليضر بمصالحك، ويحد من دورك أو يحيده، فعليك أن تشغله عنك، وهنا تأتي أهمية المقاومة الفلسطينية، ولعلي أرى أن هناك صراعا دائرا بين مصر والمقاومة الفلسطينية لا يصب إلا في مصلحة إسرائيل.

3- الحد من الصراع العربي الفارسي لمجابهة الدور الإسرائيلي الهادف لتدمير دول المواجهة، بل ويجب إنشاء حلف مصري عربي لمواجهة النفوذ الإسرائيلي، والتوصل إلى صيغة لتبريد الصراع العربي الفارسي وإخراجه من مربع الطائفية والمواجهة.

4- آن الأوان لصنع دول طوق للحد من تمدد النفوذ الإسرائيلي المتزايد ومجابهته، ومحاصرته جيوسياسيا.

5- خنق منابع الغاز والشركات التابعة لإسرائيل بالبحر المتوسط، والمطالبة بحقوق مصر البحرية في حقول الغاز المكتشفة بالبحر المتوسط، وعدم السماح بمرور سفن وحفارات تلك الشركات من موانئ وحدود مصر البحرية، وتدويل القضية، ولعل إن نجحت مصر في إدارة هذا الملف سيكون مصدر ضغط سياسي واقتصادي بل والضغط على عصب إمداد الطاقة في إسرائيل.

6- الأهم هو هدم شبكات المصالح التي استطاعت إسرائيل بناءها، والتغلغل في أوطاننا، وتفكيك التأثير القائم لتك الشبكات في صناعة القرار المصري والعربي، الذي أدى إلى قرارات مثل (تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل)، بل وعكس الاتجاهات، وإنشاء شبكات تدعم المصالح المصرية والعربية في إسرائيل على أقل تقدير.

7- المعاملة بالمثل، عدم استقرار بعدم استقرار (مساندة المقاومة ودعمها)، ملف مياه النيل بملف الغاز الإسرائيلي، وهكذا على إسرائيل أن تدرك أنه لا خطأ بدون عقاب، وأن أمن مصر واستقرارها يعني الكثير، وأن أي عبث بأمن مصر لن يمر مرور الكرام، بل هناك ثمن للعبث بمقدرات مصر، ولعل هذه الحقيقة أدركتها المقاومة الفلسطينية وحزب الله أثناء إدارة الصراع مع إسرائيل، بل وأن إسرائيل نفسها تستخدم هذا الأسلوب مع المقاومة.

8- آن الأوان أن تدرك مصر، أن أي اختراق للسيادة المصرية في سيناء من طرف إسرائيل كما تتحدث عنه بعض التقارير الإخبارية غير مقبول، وأنه إذا كان يتم السماح به في الماضي، فإنه أصبح شيئا غير مسموح به في المستقبل وأن قوة وجاهزية الجيش المصري هو أهم عوامل الردع للكيان الصهيوني.

9- إسرائيل تلعب على وتر أن جيل أكتوبر قد مات، أو انتهى دوره السياسي في مصر، وعليه يجب توعية الأجيال الجديدة بالمخطط الإسرائيلي، وإفهامهم أن بوصلة ومكمن الخطورة يأتي من إسرائيل مهما تغيرت الظروف الإقليمية والدولية، فعلينا أن نعلم الأجيال القادمة هذه الحقيقة.

10- دائما ما تدير إسرائيل الصراع خارج حدودها أو بعيدًا عن مصالحها، علينا نقل الصراع إلى الداخل الإسرائيلي، وعدم الانسياق وراء نقل الصراع خارج الأراضي الإسرائيلية أو بَعيدًا عن مصالحها.

11- إسرائيل واحة الديمقراطية والأمان في الشرق الأوسط، على الدول العربية أن تدرك أن إسرائيل تستخدم هذه الدعاية لصالحها، فمن يعرف الداخل الإسرائيلي يعلم أن إسرائيل دولة دينية متطرفة قائمة على قوة السلاح، والقمع للشعب الفلسطيني وسرقة حقوقه، ولكننا لا نجيد التحدث للرأي العام العالمي، وعلينا أن نغير من خطابنا للرأي العام العالمي، وخاصة أن معركة الإعلام وصناعة الصورة الذهنية أصبحت أقوى من السلاح في حسم نتائج النزاعات والقضايا.

12- الدور السياسي المصري يجب أن يأخذ مساحة أكبر من التأثير والنفوذ إذا أردنا أن نصنع لأنفسنا دورًا مهما في المنطقة، وإذا لم ننجح في صنع هذا الدور ستأتي دول إقليمية أخرى لتلعبه، وتشغل الفراغ الذي أحدثه انحسار الدور المصري كدور جامع للعرب في مواجهة النفوذ الإسرائيلي الطامع في المنطقة.

13- وأخيراً أود أن ألقي الضوء على فكرة تم طرحها للدكتور الجليل جمال حمدان في الثلاثية وأرجو أن نتناول المضمون بشيء من التأمل والتحليل لتلك الأفكار، وأن تكون مفسرة لطبيعة الدور الذي تطمح إسرائيل للعبه في المنطقة.

صورة1

ولعلي في النهاية أقول أن فائدة الأفكار والاستراتيجيات تأتي دائما في أنها تحدد الأهداف والرؤى التي يجب طرحها من أجل ضمان أمن واستقرار الدول، وإدراك ما على الدول فعله لتحقيق تلك الأهداف، ونذكر بقول الله سبحانه وتعالى:

{الَّذِينَ عَاهَدْت مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدهمْ فِي كُلّ مَرَّة وَهُمْ لَا يَتَّقُون} (الأنفال آية 56)

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد