هي حقًا أيام لعينة تلك التي تدفع مفكرًا بقيمة الدكتور عمرو حمزاوي إلى كتابة مقال أشبه بإعلان اعتزاله الحياة السياسية في مصر والحديث عن أي مستقبل قد يكون في انتظار تلك الدولة .

مقال «حمزاوي» الذي كتبه في جريدة القدس العربي والذي اعترف فيه صراحةً إنه وهو يقبل على العقد الخامس من عمره بدأ يفكر في  قيمة ما يكتبه وهل يجدي ما يفعله؟ ليصل إلى نتيجة مفادها أنه مُحبط.

حالة أستاذ العلوم السياسية وعضو مجلس الشعب الأسبق لم تكن لتمر مرور الكرام، فـــ«حمزاوي» يمكن أن تثبت بوصلتك تجاهه وأنت مطمئن، هو صوت العقل غير المهادن غير المنحاز أو الرافض لمجرد الرفض، الرجل يكتب في جريدة مصرية يومية «الشروق» يؤكد يوميًا أننا في عصر قمع وسلطوية وديكتاتورية وتضييق على الحريات، يشرح الحياة السياسية ويعطي لنا ضوءًا في آخر النفق.

الأهم من ذلك أن شخصيته ذاتها متفائلة وإن كان أكثر من تعرضوا للاضطهاد بداية من السلفيين والإخوان الذين اتهموه بأنه مروج «الزواج المدني» رغم أنها ليست تهمة على أية حال، ووصولًا إلى مؤيدي السيسي الذين يرونه أحد أذناب الجماعة في مصر، وفي وسط ذلك كله اتهامات لزوجته الفنانة بسمة التي يسمح بتقبيلها في الأفلام!

كل ما يمكن أن تكون عليه الحرب القذرة كانت ضده، لكنه رغم ذلك استمر في العمل والكلمة الناضجة حتى أعلن عن يأسه الاسبوع الماضي دون مقدمات أو حوادث أو منع من السفر، فجأة جلس على كرسيه وقال ما الفائدة «كله محصل بعضه».

حين ضُيِّق على إعلاميين أمثال «يسري فودة – ريم ماجد» لم يكن يساورني القلق أنني سأظل أسمعهم، القرار ليس قرارهم وسيجدون آلاف الشاشات التي تتمني استضافتهم نظرًا لتاريخهم المهني وجمهورهم المستعد لمتابعتهم على اليوتيوب فقط، لكن الأمر اختلف مع «حمزاوي» فهو لن يكتب، لن يحلل، لن يصوغ مصطلحات نبحث عن معناها أولًا.

قليلون هم أصوات العقل الآن، كاتب هنا وآخر هناك، نلملم شتاتهم، نحفظهم ونتابعهم ونقبض عليهم كالقابض على الجمر  «فتحي هويدي – أيمن الصياد – عمرو حمزاوي – محمود خليل- عبد الله السناوي- إبراهيم عيسى- محمد نور فرحات – محمد أبو الغار» وغيرهم لكنهم  ليسوا كثيرين، هؤلاء من يستطيعون تقديم رؤية أخرى ورأي مختلف يمكن السماع له والتمتع برشاقة كلماتهم المكتوبة.

حين انفرط أحد حبات ذلك العقد بدا الخطر وشيكًا، من يضمن أن لا يذهب آخر وينعزل أو يعلن كفره بالتغيير فيغلق على نفسه الباب كما فعل جمال حمدان بعد اتفاقية كامب ديفيد وحين سأله «هيكل» لماذا وافق الناس أن نصل لهذا؟ كان رده: «إنه الطغيان»، بحسب تعبير  الكاتب الصحفي عبدالله السناوي في يوميات برقاش التي ينشرها الآن عن حواراته مع هيكل.

هذا الجيل الذي يشاهد كل يوم ما سيقف عنده التاريخ بالكثير من الكواليس والتحليلات انقسم على نفسه بين من لا يريد فهم أي شيء، ومن يتحسس طريقه لكاتب أو مفكر يُطمئن قلبه وينير فكره بعيدًا عن التحالفات الأيدلوجية.

غياب هؤلاء عن الساحة يظلم الصورة تمامًا ويجعلها قاتمة، أخشى أن أقول أنه ليس من حقهم هذا الابتعاد، أن يتركونا دون دليل، خبراتهم تؤهلهم للقيام بذلك، ثمة فزع في داخلي حين أرى أستاذًا مرموقًا مثله يتحدث بكل تلك الخيبة التي حملتها حروف مقاله والتي بدأت بمتى تنتهي تلك الأيام اللعينة، وثمة فزع أكبر وأنا أفكر هل يرى كارثة لم نراها بعد؟!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد