تخيل أنك قادر على مشاهدة مجرة تتكون أمام عينيك، وليس أية مجرة، بل مجرة تكونت قبل 13.5 مليار سنة ضوئية، يقال إنها المجرة الأولى التي ولدت بعد الانفجار العظيم، يعني بصريح العبارة تشاهد صورة من قبل مليارات السنين، لكن الصورة أخذت في زمننا الحالي. يعني يصور الماضي!
قبل أن أدخل في تفاصيل عن تلسكوب جيمس ويب، دعوني أشرح الفكرة بشكل أوضح؛ لأن المشككين والمكذبين، واتباع المؤامرة كثير، فقد يقول قائل إن هذا مستحيل، لكن لو قلت له إن النجوم التي تراها في السماء هي من مئات، بل حتى ملايين السنين من الماضي، لدرجة أنك قد ترى نجمًا قد انفجر في الماضي منذ ملايين السنين الضوئية، وأنت الآن ترى أثر النجم فقط، وقد أثبت هذا عن طريق الحسابات الفيزيائية في حساب سرعة الضوء وحساب المسافات بين الكواكب، التي تقاس بالسنة الضوئية. مثال: الشمس التي تراها كل يوم يمكنك أن تقول إنها تبعد عنا ثماني دقائق ضوئية هذا يعني أن ضوء الشمس يأخذ ثماني دقائق حتى يصل إلى الأرض، وبالتالي أنت ترى الشمس وقد مر عليها ثماني دقائق، وهذا يعني أنك لن تستطيع رؤية الشمس بنفس اللحظة، يعني أنت ترى ماضي الشمس!
الآن وبعد أن حاولت توضيح الفكرة، دعونا ندخل في تفاصيل تلسكوب جيمس ويب (JWST)، ونتعرف على كيفية عمل هذا التلسكوب، ما هي الأسئلة التي يمكن أن يجيب عليها جيمس ويب، وما هي المؤسسات التي شاركت في هذا العمل العظيم؟ وكم كلفها؟
الأسئلة التي من المتوقع من «جيمس ويب» الإجابة عليها كثيرة، لكن أشهرها والتي كثر عليها الجدال، هي:
هل هناك حياة آخر؟ يعني هل هناك من يعيش في هذا الكون أو نحن الوحيدون في هذا الكون، وسيتعرف أيضًا على لو أن هناك حياة بدائية.
كيف نشأ الكون؟ سنتعرف على تكوين أول مجرة، سيلتقط جيمس ويب صورة لتكوين أول مجرة تكونت قبل 13.5 مليار سنة ضوئية.
سمي « جيمس ويب» بهذا الاسم «نسبةً لمدير ناسا السابق، قبل أن يسمى بهذا الاسم كان له اسم مختلف وهو تلسكوب الفضاء من الجيل التالي. وقد كان ثمرة تعاون دولي بين وكالة ناسا وشركائها، وكالة الفضاء الأوروبية، ووكالة الفضاء الكندية. عمل الآلاف من المهندسين ومئات العلماء على جعل « جيمس ويب» حقيقة واقعة، إلى جانب أكثر من 300 جامعة ومنظمة وشركة من 29 ولاية أمريكية و14 دولة، وقد بلغت تكلفة المشروع 10 مليارات دولار، واستغرق 30 سنة لكي يتم إنجازه، ويعد تلسكوب جيمس ويب أفضل وأقوى من تلسكوب هابل 100 مرة.
يعمل جيمس ويب في مجال ما تحت الاشعة الحمراء، في نطاق تردد أقل من الضوء المرئي، مثال عن الأشعة تحت الحمراء: تستخدم في معدات الرؤية الليلية، ويستخدم في الأغراض العسكرية والمدنية. الأشعة تحت الحمراء هي تستطيع تصوير أي شيء له حرارة. وحتى يستطيع جيمس ويب التقاط ومضات من المجرات البعيدة في الأطوال الموجية للأشعة تحت الحمراء يتطلب وضعه في مكان بارد جدًا. ولهذا جُهز «التلسكوب» بمعدات تبريد ودرع واق من الشمس لتبريد الجزء المواجه للشمس منه حتى درجة حرارة 230 درجة مئوية تحت الصفر، أو ما يقرب من 400 درجة تحت الصفر فهرنهايت. وسيتم وضعه في نقطة لاجرانج (2) توجد هذه النقطة على بعد 1.5 مليون كيلومتر من الأرض، كل هذا ليتمكن من العمل بالشكل المراد له أن يعمل عليه.
وبهذا يكون علم الفلك قد قفز قفزة هائلة وانتقل إلى مربع آخر، يتوقع أن يبدأ جيمس ويب استكشافاته العلمية في الصيف المقبل. وما سيتم اكتشافه سيكون من الأحداث الكبيرة جدًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست