هي قلب العروبة النابض، وقبلة كل عربي لازال يجري في عروقه قطرات من الدم، وفي أنفاسه تصعد زفرات تتنسم الحرية رغم ما حولها من صمت وذلة.
اختلفت مسمياتها عبر العصور فتارة نقول (القدس) وأخرى (بيت المقدس) وتارة نسميها (أورشليم – يبوس)، وغيرها من الأسماء الأخرى عبر العصور والأزمنة.
فعن أهميتها قيل الكثير، فيكفي تشريف الله لها بأن جعل منها (القبلة الأولى للمسلمين)، وأسرى الله بنبيه (محمد) إليها – (المسجد الأقصى) – وعرج به إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، وفي أقصاها صلى الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) بأنبياء الله، وهو من المساجد التي تشد إليها الرحال، وبالقرب منها ولد المسيح بـ (بيت لحم)، وبها كنيسة القيامة والتي تحتل مكانة عظيمة في نفوس مسيحيي المشرق وبها العديد من الكنائس الأخرى.
تعددت أسماؤها، فقد شهدت أحداثا جساما منذ قديم الزمان، والراجح لدينا أن أول اسم كان لمدينة (القدس) هو (يبوس) نسبة إلى (اليبوسيين) الذين نزلوا المدينة بزعامة ملكهم (ملكي صادق) والذي تميز عهده بالعدل ورفع الظلم عن الجميع وعدم إراقة الدماء، وكان من أبرز هؤلاء أيضًا (سالم اليبوسي) والذي حصن المدينة لتتمكن من الدفاع عن نفسها ضد أي اعتداء.
ثم حدث صراع بين (اليبوسيين والعبرانيين) عليها، وسميت بعد ذلك باسم (أورسالم) ثم حرفت إلى (أورشليم) بالعبرية وتعني مدينة السلام، ثم وقعت في يد نبي الله (داوود) فسميت مدينة (داوود).
خلف (سليمان) والده داوود في حكم المدينة، ولكن بعد موته دب الضعف في دولته وخضعت أورشليم من جديد لليهود وظلت على هذه الحالة فترة مديدة تقدر بحوالي أربعة قرون، ثم غزاها (نبوخذ نصر) ملك (بابل) وتعرض اليهود للسبي الذي عرف في التاريخ بـ (السبي البابلي).
وسرعان ما دب نزاع بين الفرس والبابليين انتهى بانتصار (كورش) عظيم الفرس ودفع حملة لاحتلال القدس وارتاح اليهود لهذا القرار ورحبوا به خاصة بعد أن تزوج كورش من يهودية، وطاب لليهود العيش بأورشليم ودفعوا الضرائب للفرس عن رضا واقتناع، وظل الأمر على تلك الحالة، إلى أن سيطر (الإسكندر الأكبر) على أورشليم.
ثم سيطر الرومان على المدينة وأطلقوا عليها اسم (سوليموس) وفي عهدهم اشتدت ثورات اليهود خاصة في عهد الإمبراطور الروماني (هادريان) مما أدى إلى تخريب أورشليم، لذا بنى الرومان مدينة أخرى على تخوم المدينة القديمة وسموها (إيليا كابيتولنيا) وعند الفتح الإسلامي للمدينة تم تعريب هذا الاسم إلى (إيلياء).
وبقي هذا الاسم شائعًا حتى الفتح الإسلامي، وقد ورد اسم (إيلياء) في العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس بعد فتحها.
وذكرها شعرًا باسم إيليا، (الفرزدق) حيث قال:
وبيتان: بيت الله نحن ولاته وبيت بأعلى إيلياء مشرف، واشتهرت كذلك باسم (بيت المقدس) بمعنى المطهر أو المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، ويعزو السبب في هذه التسمية على الأرجح ما ورد بشأنها في بعض الأحاديث النبوية إبان رحلة الإسراء والمعراج حيث ذكرت ببيت المقدس.
أما اسم (القدس) فيبدو أنه غلب على المدينة بعد العصر الأموي حيث قال (ناصر خسرو) في رحلته سنة 438 هـ: وأهل الشام وأطرافها يسمون بيت المقدس ”القدس“.
ومما تجدر الإشارة إليه أن أقدم من ذكرها باسم القدس (أبو العلاء المعري) المتوفى سنة 449 هـ،
إذ يقول:
واخلع حذاك إذا حاذيتها ورعا … كفعل موسى كليم الله في القـُدُس
أما تسميتها بالقدس الشريف
الراجح لدينا أن أقدم من وصف القدس بالشريف (يحيى بن سعيد الأنطاكي) في كتابه (الذيل) الذي ألفه عام 458 هـ، فعرفت بعدُ بالقدس الشريف، وذكرها أيضًا بهذا الوصف ابن بطوطة، ومجير الدين الحنبلي في تاريخ القدس سنة 901 هـ وتناولنا نحن هذه التسمية منذ ذلك الوقت حتى وقتنا الحالي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست