في قصة المرأة الزانية التي ذكرت في إنجيل يوحنا الرسول الإصحاح الثامن، التي أمسكت بذات الفعل، وعندما قدمها السلفيين من اليهود للسيد المسيح، ولما أقاموها في الوسط قالوا له إن هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى أوصانا في الشريعة أن مثل هذه ترجم، فماذا تقول أنت، وأما المسيح فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض، ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر»، وأما هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم خرجوا واحدًا فواحدًا ملقين حجارتهم، وبقي المسيح وحده مع المرأة الخاطئة وسألها يا امرأة أما دانك أحد؟ فقالت لا أحد يا سيد، فقال لها المسيح ولا أنا أدينك، اذهبي ولا تعودي تخطئي أيضًا.
من قضايا الرأي العام في مصر في الفترة الأخيرة، القضية المشهورة إعلاميًا باسم طفلة البامبرز، أو قضية اغتصاب الطفلة جنى، التي اغتصبها ذئب بشري، مما أدي الي حدوث نزيف داخلي شديد أدى لاحقًا إلى وفاتها.
أثناء المحاكمة كان جميع من في قاعة المحكمة يوجهون السباب للمتهم، ويرمقونه بنظراتهم القاتلة، وهو يواجه كل هذا منكس الرأس ويتمنى لو تبتلعه الأرض ولا يرمونه هؤلاء البشر بسهام نظراتهم القاتلة، فما كان من القاضي الجليل مختار شلبي إلا أن تعاطف ودافع عنه، خاصة بعد اعترافه بخطئه، وذكرهم بما قال السيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر»، وحكم بعد ذلك على المتهم بالإعدام!
وقد قامت حملة شنيعة في الصحافة وعلى صفحات السوشيال ميديا، من نشطاء السبوبة وأصحاب الحس المرهف أو مدعيه! تهاجم هذا القاضي الجليل؛ لأنه تعاطف مع المتهم وقال للحضور في قاعة المحكمة موبخًا ومذكرًا إياهم بقول السيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر»، معتبرين أن هذا التعاطف لا يجب مع مثل هذا الذئب البشري الذي اغتصب الطفلة جنى، رغم أنه لم يتوان في الحكم عليه بالإعدام.
في رأيي الشخصي لم يفهم أحد قول السيد المسيح، ولا حتى من بعض آباء الكنيسة مثلما فهمه هذا القاضي المسلم؛ فتعاطفه الإنساني مع المتهم، وتوجيه اللوم لمن يدينه مذكرًا إياهم بقول السيد المسيح، وأننا كلنا خطاء تحت الضعف، والفرق الوحيد بيننا جميعًا هو ستر الله بعضنا، لحكمة يعلمها وحده، لم يمنعه بالحكم عليه بالإعدام! وإلى هنا انتهى الدرس الذي قدمه لنا هذا القاضي الجليل.
فالتعاطف الإنساني والشخصي شيء، وتطبيق القانون شيء آخر تمامًا.
فهذا هو لب المشكلة، فبعضهم يخلط الأوراق كلما جرت دماء المسيحيين أنهارًا في هذا الوطن، مذكرين إياهم بما قاله السيد المسيح عن المحبة والتسامح ومحبة الأعداء، ومن ضربك على خدك الأيمن فوجه له الأيسر، فيكون هنا قول ماركس عن أن الدين هو أفيون الشعوب هو قول حق، فيعطيه البعض لنا حتى نرضى بواقع بائس وذل وقهر شديد لا يطاق.
فنعم يجب أن ننفذ جميعًا بما أمرنا به المسيح، وأن نحب أعداءنا، ولكن كل هذا لا يجب أن يمنع تطبيق القانون، وألا تحولنا لغابة يقتل فيها كل منا الآخر.
فبغض النظر عن المماحكات السياسية والمجادلات الإعلامية، وبعيدًا عن الاستنكارات التي لا تمسح دمعة أم، ولا تعوض وجع أب، ولا تقيم أطفالاً من الموت ليحيوا رسالتهم الحقيقية في العالم، فإن العقيدة المسيحية تقوم على أساس فكرة اضطهاد وكراهية العالم لهم، وأن في العالم سيكون لهم ضيق كما أخبرهم السيد المسيح، لكن هذا لا يعني أبدًا ألا تتحمل الدولة بقوانينها ودساتيرها مسئوليتها تجاه مواطنيها بمعزل عن انتمائهم العقائدي، ولا يعني أن ينتزع منهم حق المواطنة والعيش بحرية وكرامة.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست