في خطوة ليست الأولى، وبالطبع لن تكون الأخيرة، خصوصًا مع استمرار القتال ضد المليشيات الانقلابية في اليمن، وتردي الأوضاع الاقتصادية، قالت وسائل إعلام عبرية: إن إسرائيل جلبت 17 يهوديًا من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين في «صعدة وعمران» عبر عملية سرية نفذتها الوكالة اليهودية «مؤسسة دولية مقرّها دولة الاحتلال الإسرائيلي وتعنى بشئون اليهود في العالم»، وهم ينضمون إلى زوجين يهوديين من اليمن هاجرا إلى الكيان الصهيوني قبل أيام قليلة، وقد كشفت الوكالة اليهودية المسئولة عن الهجرة إلى دولة الاحتلال، أن نحو 50 يهوديًا لا يزالون في اليمن، ورفضوا مغادرتها على الرغم من جهود الوكالة لإقناعهم بالمغادرة أسوة بالآخرين، ويعتبر اليهود اليمنيون من أقدم الجاليات اليهودية في العالم.
والسبب الرئيس في هذا الهروب هو احتلال المليشيات الحوثية لصنعاء وصعدة وعمران، وإغلاق الولايات المتحدة الأمريكية لسفارتها هناك، فقد كانت واشنطن هي الراعية لهم، وبغيابها لم يتبق هناك جهة دولية قد تهتم بهم، وتوفر الحماية لهم. ولذا بدأت فكرة الهجرة تنتشر، سواء للولايات المتحدة الأمريكية، أو للكيان الصهيوني.
عملية سرية برعاية أمريكية
وقد ذكرت القناة الثانية العبرية، أن استجلاب هذه المجموعة إلى «إسرائيل» جرى في إطار عملية سرية للوكالة اليهودية استمرت سنة كاملة، حيث كانت تلك المجموعة تسكن في مدينة «ريدة» الواقعة بمحافظة «عمران» شرقيّ «اليمن»، في منطقة واحدة، ومع الحاخام سليمان دهاري الخاص بهم، والمشرف على الذبائح على طريقة التعاليم الدينية اليهودية.
ووصل الحاخام سليمان دهاري، برفقة والديه وزوجته، والتقى مع أولاده في مركز استيعاب المهاجرين الذين سبقوهم في الهجرة، وقد أحضر معه كتاب توراة قديم يعود تاريخ كتابته إلى 800 عام، ومكتوب على جلد بهيمة.
وبرحيل سكان الحي اليهودي جميعًا برفقة «سليمان دهاري»، لم يتبق في اليمن ما يمكن اعتباره «مجتمعًا يهوديًا»، وغالبية من تبقى منهم يعيشون في العاصمة اليمنية، صنعاء، وقلة ما زالوا في ريدة.
وأشارت القناة الثانية إلى هذه العملية جرى تنفيذها بالتعاون مع وزارة الخارجية الأمريكية وعدد من المسئولين، الذين ساهموا بتأمين معبر آمن، من خلاله جرى نقل اليهود وصولًا إلى الطائرة الإسرائيلية التي كانت بانتظارهم في دولة ثالثة مجهولة لم يذكرها الإعلام، ومن ثم توجهوا إلى إسرائيل.
الهجرات السابقة
ولا تعد هذه الهجرة الأولى ليهود اليمن، ففي 15 آب/أغسطس 2013، تم تهجير 20 يهوديًا من اليمن بطريقة «سرية» إلى إسرائيل. وترفض المنظمة اليهودية العالمية الإفصاح عن طرقها السرية لتهجيرهم، ولكنها كشفت أن «تردي الوضع الأمني في اليمن دفع 50 يهوديًا على الأقل إلى الهجرة العام 2013».
ويعيش غالبية اليهود اليمنيين في محافظتي صعدة وعمران، اللتين تعدان مناطق نفوذ الحوثيين، ولديهم كنيس ويشيفا في عمران.
وبدأت هجرات اليهود اليمنيين إلى إسرائيل منذ عام 1881، إلا أنها كانت بأعداد قليلة، وبدأت تزيد بعد الجهود التي بذلتها المنظمة الصهيونية العالمية لإقناع اليهود اليمنيين بالرحيل، مستغلين تردي أوضاعهم.
وهاجر نحو ألف يهودي في الفترة بين 1881 إلى 1914، ثم هاجر غالبية اليهود من اليمن بعد قيام دولة إسرائيل حيث هاجر ما يقارب 52.000 يهودي في عملية «بساط الريح».
وقد سمح لهم الإمام يحيى حميد الدين بالهجرة، دون شروط، ومنع ابنه أحمد حميد الدين الهجرة الجماعية، بعد اغتيال والده، إلا أنه وافق على هجرتهم بعد هدنة 1949، كما نجح الاحتلال عام 1962 في تهجير عدة مئات من اليهود الذين بقوا في اليمن.
وقد أبدت حكومات الجمهورية اليمنية المتعاقبة اهتمامًا فاترًا بالأمر، فحكومة المخلوع «صالح» كانت رسميًا ضد هجرة المتبقين من اليهود في اليمن، ولكن نشاط المنظمات اليهودية وازدياد أعداد اليهود اليمنيين المهاجرين لإسرائيل يظهر عكس ذلك.
دوافع الهجرة
ويرى المحلل السياسي أحمد كامل رواي: أن «الصهيونية فكرت في استغلال يهود اليمن، والأعمال التي كانوا يحترفونها لضرب العمالة العربية في فلسطين بعمالة يهودية، حيث كان المطلوب الاستبدال بيهود اليمن العمال العرب ذوي الأجور المتدنية، وسبب توجه قيادة الصهيونية تجاه يهود اليمن يرجع إلى أن المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا لم يستطيعوا اختراق سوق العمالة المحلية، ولم يستطيعوا منافسة العمالة الفلسطينية الرخيصة والجيدة، ولذلك شجعوا هجرة يهود اليمن إلى فلسطين».
أوضاع اليهود في اليمن
كان المجتمع اليهودي اليمني يعاني البطالة، ولا يستطيع أفراده مزاولة حرفهم التي توارثوها، مثل صناعة الخناجر والصياغة، وغيرها؛ بسبب عدم توفر الإمكانات أو لخشيتهم من التعرض لهم؛ كرد فعل على انتهاكات الاحتلال في الأراضي المحتلة، وكانت تنفق عليهم الحكومات اليمنية المتعاقبة مساعدات لتعويضهم بمبلغ خمسة آلاف ريال يمني «ثلاثة وعشرين دولار» كل شهرين، بالإضافة لمؤن من الزيت والسكر وحاجاتهم الأساسية كل شهرين، وهذه العوامل كان تجعلهم يرسلون أبناءهم للحياة في الولايات المتحدة أو إسرائيل، وقد طلب عدد من اليهود بإدراج قضاياهم في مؤتمر الحوار الوطني اليمني؛ كونهم مكوّنًا وجزء قديمًا من البلاد، وتعويضهم عن الانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل جماعة الحوثيين، من تهجير قسري، وأن يحظوا بكامل حقوقهم، ولكن لم يتم الاستجابة لهم.
وقد انتقل جلهم أخيرًا للمدينة السياحية في صنعاء، وقد رفض كبير الحاخامات في اليمن الحاخام يحيى يوسف آل سالم أن يدرس الأطفال اليهود في مدارس خاصة؛ لكي لا يكرس للعزلة في نفوس اليهود اليمنيين، على حد تعبيره، وقد أوقفت الحكومة اليمنية المساعدات لمنعهم الإجباري عن العمل في ديسمبر 2012، وفي 15 أغسطس 2013 تم تهجير 20 يهوديًا من اليمن بطريقة سرية إلى إسرائيل.
تقول صحيفة «نيويورك تايمز»، يهود اليمن عانوا في السنوات الأخيرة من سيطرة الحوثيين على مناطق سكنهم، سواء في ريدة أو في صنعاء التي قبع فيها اليهود تحت الإقامة الجبرية؛ خوفًا من جماعة الحوثي، وفي صنعاء سكنوا بجانب السفارة الأمريكية كنوع من الحماية، بعد أن نقلهم الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، من محافظة صعدة نظرًا لتهديدات الحوثيين لهم.
قتال اليهود في صفوف الحوثيين
بعض أفراد الجالية اليهودية في اليمن كان لديهم علاقات مع الحوثيين، والرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومنذ عدة سنوات وأعداد منهم تقاتل في صفوف الحوثيين في مختلف جبهات القتال في اليمن، وعلى الحدود اليمنية السعودية، وهو أمر لاشك لم يكن محل ارتياح للولايات المتحدة أو لإسرائيل.
وقد قتل شاب يهودي يمني «هارون البوحي» «١٧سنة» في اشتباكات مع القوات السعودية جنوب منطقة نجران؛ إثر مشاركته مع الحوثيين وقوات صالح في القتال بالجبهة الحدودية.
وقالت «مايسة الرومي» أحد أعضاء الطائفة اليهودية باليمن أن «هارون البوحي» قتل في معارك مع القوات السعودية جنوب منطقة نجران، وأن أسرته المقيمين في أمريكا صدموا عند تلقيهم نبأ مقتله، وكان اليهودي اليمني «يعقوب حاميم» قد قتل كذلك على الحدود اليمنية السعودية في منطقة عسير إثر مشاركته القتال في صفوف الحوثيين.
وكشفت تقارير صحفية، أن بعض عناصر الجالية اليهودية في اليمن يقاتلون بجوار الحوثيين، مشيرًا إلى أن أسرة «يعقوب حاميم» تسلمت جثمانه، إثر مقتله في الحرب بجوار الحوثيين، وتم إقامة مراسم الدفن والعزاء.
عنصرية إسرائيل
إلا أن يهود اليمن تعرضوا إلى انتهاكات بعد وصولهم إلى إسرائيل؛ ففي الفترة بين 1949 إلى 1951 فُقد نحو ألف طفل يهودي يمني من مخيمات اللاجئين التي كانوا يقطنونها عند وصولهم إسرائيل، واتهم حقوقيون حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتسليم الأطفال من دون علم ذويهم إلى عائلات أشكنازية «يهود ذوو أصول غربية» لتبنيهم، وتم إخبار ذوي الأطفال – وفق الادعاء – أن «أبناءهم مرضى وبحاجة إلى رعاية طبية». وأبلغوهم لاحقًا أن الأطفال توفوا، ولكنهم لم يقدموا الجثث.
وفي العام 2001 خلصت لجنة تحقيق حكومية في تقريرها إلى أن الاتهامات بخطف الأطفال اليمنيين «ليست صحيحة»، ورفضت اللجنة بشكل قاطع «مزاعم مؤامرة لأخذ الأطفال بعيدًا عن المهاجرين اليمنيين». وخلصت اللجنة إلى وجود وثائق عن 972 طفلاً من أصل 1033، خمسة منهم ما زالوا أحياء، ولم تستطع اللجنة تحديد مصير 56 طفلًا مفقودًا، ولم تقتنع أسر المفقودين بنتائج التحقيقات.
ويتهم اليهود اليمنيون الأشكينازَ بالتمييز ضدهم على أسس دينية، معظم اليهود اليمنيين يميلون لأن يكونوا أكثر تدينًا من الأوروببين العلمانيين، وقدموا من اليمن، والواحد منهم قد يكون متزوجًا من امرأتين أو أكثر. ولا تُحرم التعاليم اليهودية تعدد الزوجات، ولكن إسرائيل منعته.
الخلاصة
نجحت دولة الاحتلال في استغلال تردي أوضاع ما تبقى من اليهود اليمنيين ـ على قلتهم ـ الذين طالما رفضوا الهجرة إليها، رغم شتى المغريات، فالدولة اليهودية «إسرائيل« كانت في نظر أكثرهم «فكرة مضادة لأصول الديانة اليهودية»، وأن آوان هذه الدولة لم يأت بعد.
والملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية لازالت تتبنى إسرائيل وتأمين الهجرة إليها من كل دول العالم، فهي هنا المخطط الرئيس للعملية، كذلك ساهمت مليشيا الحوثي في تهجير المئات من اليهود اليمنيين في السنوات الأخيرة للرحيل عن المناطق الجبلية في شمال اليمن، التي ظلوا يعيشون فيها منذ مئات السنين مع المسلمين، وهو الأمر نفسه الذي فعلته المليشيات الحوثية مع المسلمين السنة في «دماج».
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست
علامات
يهود اليمن