قبل الخوض فيما دون في كتاب تاريخ الفلسفة السياسة الجزء الثاني لكاتبه ليو سترواش «Leo Strauss»، فضلنا أن نعرج على فكرة لطالما رددتها وأنا أغوص في قراءة أو كتابة ما يمكن أن يتأطر في خانة الفكر السياسي، تتمحور الفكرة على ضرورة احترام واستحضار السياق الذي كتبت فيه الأفكار، في مقالنا هذا نكون أمام الحديث عن جون لوك «John Locke»، وعليه فمن الواجب قراءة أفكار لوك في سياقه الذي كتبت فيه، ومرد هذه الفكرة هو الإيمان بأن فهم فكرة الشخص يكون في سياقها، في حين أن انتزاع الفكرة من سياقها يعني وبالضرورة انحراف فهمنا لها.
يمكن أن نستحضر بخصوص هذا الشأن ما نظر إليه أفلاطون آنداك بخصوص «الديمقراطية»، التي إن قرأناها وفق ما وصلنا له اليوم نجدها بمثابة ما يمكن وصفه بنوع من الطغيان وتفضيل لطبقة على أخرى.
رجوعا لموضوع المقال، يرى لوك أن كل الحكومات محدودة في سلطاتها، ولا توجد إلا عن طريق رضا المحكومين، ويبنى هذا على أساس أن كل الناس يولدون أحرارًا، كتب لوك عن الحرية الدينية في كتابه «رسالة في التسامح»، أما في كتابه «رسالتان في الحكومة» فكتب عن الحرية السياسية، وكتب كذلك عن الحرية الاقتصادية.
يبدأ لوك بحثه بسؤال مفاده: ماذا عساها تكون السلطة السياسة؟
عرفها لوك «بالحق في سن القوانين، وتطبيق عقوبات الإعدام وما دونها من العقوبات لتنظيم الملكية والمحافظة عليها»، ويربط هذا التعريف بالنظر إلى حالة الإنسان الطبيعية؛ أي حالة الحرية الكاملة والمساواة أيضًا، وحسب لوك فالحرية الطبيعية تشتق من المساواة الطبيعية، كما لا يجب أن تفهم الحرية الطبيعية للإنسان على أنها تعني أن الناس لا يردعهم القانون، ويقول إنه بانعدام القانون تنعدم الحرية، يستحضر في مسألة الطبيعة هوبز هذا الأخير يراها أنها حالة حرب كل إنسان ضد إنسان. لوك لا يساوي بين حالة الحرب وحالة الطبيعة، يضيف أن حالة الحرب تتحقق عندما تكون قوة القضاء العام عديمة الجدوى كما لا يمكن أن توجد حالة الحرب في ظل توفر سلطة مدنية تفرض القانون بالقوة، يعود لوك إلى قانون الطبيعة ويصفه بأنه سهل الفهم بالنسبة للمخلوق العاقل، لكنه يشير إلى عدم جواز استمرار حالة الطبيعة وذلك بسبب الشرور التي تنتج من كون الناس حكامًا أو قضاة في قضاياهم الخاصة.
يعد الموارد الطبيعة الموارد الطبيعة تقريبًا بدون قيمة، ويعدد لذلك في سببين الأول: التفاحة مثلًا تظل بدون منفعة لأي شخص إذا لم يقطفها أحد والثاني: هو عامل الوفرة الهائلة للموارد الطبيعية، هذا كذلك يساهم في تنظيم السعر؛ إذ إن قيمة الشيء تكون أكبر إذا كانت كميته قليلة، ووفرة السلعة قد تؤدي إلى فسادها، ما يضعف الخطوة الأساسية التي تخفض عوز الإنسان وهي الزراعة، هذا ما دفع الناس إلى التعامل بالنقود من ذهب وفضة، إذ تستمر أكثر ولا تفسد.
يحدد لوك للفرد سلطتين، سلطة تشريعية وأخرى تنفيذية، فالأولى أن يفعل ما يعتقد أنه ضروري للمحافظة على نفسه والآخرين، أما الثانية هي سلطة العقاب الذي يمارسه، هذه الأخيرة يتخلى عنها حين دخوله في المجتمع السياسي الذي بدوره لا يمكن أن يكون إلا بتنازل كل واحد من الأعضاء عن السلطة الطبيعة، ويضعها في يد المجتمع.
ميز لوك بين المجتمع السياسي والحكومة، غير أنه لا يعني أن المجتمع السياسي يمكن أن يوجد بدون حكومة، يعبر لوك بوضوح عن المبدأ الأساسي لفصل السلطات، فيرى أنه في الدول المنظمة بصورة جيدة تنفصل السلطات السياسية، غير أن لوك لا يطبق هذا المبدأ إلا في فصل الوظيفة التشريعية والتنفيذية، ويتحدث عن السلطة القضائية بوصفها جزءًا من السلطة التشريعية، يضع لوك سلطة سياسية أخرى وهي سلطة شن الحرب وإقرار السلم ويضيف أن السلطة التشريعية أسمى من السلطة التنفيذية.
تحدث عن الأمير الأكثر حكمة وقال فيه يكون حكيمًا ليس بطاعته للقانون الراسخ والمتفق عليه وإنما بخدمته للصالح العام، نادرًا ما استخدم لوك في هذه المناقشة كلمة الثورة، مفضلًا كلمة التمرد، وبناء على حجته ليس هناك حق في الانقلاب بل هناك فقط الحق في المقاومة، يعتبر الناس هو المصدر الأكثر احتمالًا للثورة، ويلوم أولئك الأفراد الذين يثورون ضد الحكومة العادلة، يتساءل لوك حول كيفية التمييز بين الأمير الطاغية والأمير الجديد؟
إن موضوع لوك العظيم هو الحرية وحجته العظيمة أنه ليست هناك حرية حيثما يغيب القانون.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست