في إحدى المدن وفي وقت ما من الزمن كان يوجد س، وهو شخص عادي ولد في بيئة عادية، ومن طبقة عادية، وتعلم تعليمًا عاديًا، وعندما تخرج عمل بوظيفة عادية، وكل يوم من أيام حياته هو يوم عادي يستيقظ، يغتسل، يفطر، يذهب للعمل، يرجع من العمل للبيت، وعندما مات كان يوم مماته يومًا عاديًا وكتب على قبره: هنا يرقد س العادي، الذي عاش حياته عاديًا ومات موتًا عاديًا.
في كثير من الأوقات تنتابني هواجس وأفكار كثيرة تتصارع في عقلي ليل نهار: ما هي فائدتي في تلك الحياة، هل ستكون حياتي ووقتي وعمري، كلها ستكون مثل هذا الشخص السالف الذكر في القصة السابقة؟ هل سأعيش وأموت دون أن أعمل شيئًا يستحق الذكر؟ ما الذي سأقدمه لنفسي؟ ما الذي سأقدمه لأسرتي؟ لمجتمعي؟ هل سأرحل من الدنيا كما وجدت فيها بدون أن أترك ولو إنجازًا صغيرًا؟ كلمة قلتها تؤثر في شخص ما؛ فتنفعه، فعل طيب فعلته فينفعني عندما أسأل ماذا فعلت في حياتك؟ هل عمرت أوقاتك بالعمل النافع الطيب؟ هل فكرت يومًا في معنى وجودك، ومعنى أن تعيش في تلك الأرض؟ ما الذي قدمته للناس، هل عملت بما تعلمت؟ كل تلك الأسئلة تجول وتصول برأسي، أريد أن أكون إنسانًا له فائدة في تلك الحياة، لا أريد أن أشجب وأندد وأقول: (أنا حظي كده، وأنا أعمل إيه، ما فيش حاجه أقدر أعملها)، تلك عبارات انهزامية تنطلق من فم إنسان ينتظر أن يربح جائزةً أو يرث ميراثًا لا على البال أو الخاطر، إنسان يمني نفسه ولا يفعل أي شيء يحقق ما يتمناه.
الأيام تمر والوقت كالساعة الرملية كل شخص له ساعته الرملية، يومًا ما ستفرغ الساعة من الرمل، كل حبة رمال تنزل من الساعة لن تعود، حتمًا لن تعود، كذلك العمر ما يمر منه لن نستطيع أن نرجعه، تلك سنة الحياة، يوم وراء يوم، وشهر وراء شهر، وعام وراء عام، حتى نصل إلى نهاية الحياة الدنيا. العمر تقريبًا نقضي ثلثه نومًا، وثلثي العمر ما بين عمل وبين وقت فراغ، وبين أكل وشرب وهكذا، هناك من يقضي ثلث يومه أمام شاشة الكمبيوتر أو شاشة الجوال متنقلًا من موقع لموقع، ومن بوست لبوست، ومن لعبة لأخرى، وعندما تسأله ماذا تفعل؟ يقول: (باحاول أقضي اليوم وأخليه يعدي)، للأسف تلك حالة الكثير منا، لا يعلم ماذا يريد لا يدري ما الهدف من الحياة لماذا وجدنا في تلك الحياة؟
طرح السؤال وطرح الكثير من الأسئلة هو شيء صحي؛ فإعمال الفكر والبحث عن أجوبة، وعن معنى لتلك الحياة لهو أمر يحفز العقل على العمل، ويخرجه من حالة التبلد الفكري، ومن حالة التلقي الأجوف الذي تربينا عليه في بيوتنا وفي مدارسنا. كل ما نفعله تلقي أوامر، وتلقي مناهج لنفرغها يوم الامتحان بدون مناقشات وبدون طرح أسئلة عن جدوى تلك المناهج، وهل هي مفيده لي أم لا؟ وبدون وجود تفاعل بين الطالب وبين الأستاذ، فمات لدينا حس التساؤل الذي كان في طفولتنا، فكل طفل يسأل لماذا، وكيف ورويدًا رويدًا يتم قتل نعمة التساؤل فنصير آلات تمشي على الأرض.
لن أقدم أجوبة في تلك المقال، ولن أقدم نصائح وحلول،البحث والتساؤل والجلوس وطرح الكثير من الأسئلة بدون توتر فكري لهو شيء يشعرك بوجودك، اجلس كل يوم أو كل أسبوع في مكان هادئ، واطرح على نفسك تلك الأسئلة التي ذكرناها في هذا المقال، وابحث عن إجابات لها، وفي رحلة البحث قد تعتريك الكثير من الشكوك والظنون، لكن عندما تتوغل في البحث وتجرب الكثير من المناهج في تلك الرحلة ستستشعر بنشوة التساؤل والبحث عن معنى للوجود في تلك الرحلة الأرضية، ابحث ولا تكل من البحث، واستعن بالمنهج الذي يبرهن لك على طريق الصواب في رحلة البحث عن معنى.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست