أعْجَبني في مَقالها أنَّها أرادت أن تَنتصِر لرأي تَميل له مِن مُنطَلَق ” شَرْعي ” ، و مِن خِلال تَفْنيد أدِلَّة أصْحاب ” الرَّأي الآخر ” ، و أنَّها أرادت تأصيل الفِكْرة ، لا مُجرَّد طَرْحها فحَسْب.

 

غير أن مَيْلها لرأي دون رأي ، أوصلها إلى غير السَّبيل ؛ أعْني الوُصول إلى الصَّواب.

فلتَسْمح لي بتَمْثيل ” الرَّأي الآخر ” ، بُغْيَة الوُصول لا بُغْيَة الهَوى و الجَدَل. و سأبدأ بالتَّعْليق على بَعض ما جاء في المَقال ، ثُم نَتَدارَس النِّقاط الثَّلاث الَّتي دار حَولها ، و هي : ” ناقِصات عَقْل و دين ” ، القِوامة ، الإمامة.

 

تَعْليقات

  1. ” يَبرُز التَّمييز في تَفْسير ابن كَثير للآية ، فكَيف يَكون الرِّجال أفضل مِن النِّساء وخَير مِنهم ، و لم يُفرِّق ربُّنا جَل و عَلا بين عَربي و أعجمي ، إلَّا على أساس التَّقوى ؟ “

 

بِدايةً فإن التَّفاسير جَميعها تَتَّفق على أن القِوامة للرَّجُل. أمَّا عن أفضليَّة الرِّجال الَّتي تَحدَّث عنها ابن كَثير ، فتُفهم في سياق الحَديث ، و هو مَسألة القِوامة ؛ أي أفضليَّة الرَّجُل في القِوامة ، و لَيس المَقْصود بأن الرَّجُل أفضل مِن المَرأة على وَجة العُموم.

 

  1. ” لم يَستنكر الهُدهُد مِن مُلك بَلقيس و قُوَّتها ، بل أنكر عَليهم شَيئاً واحِداً و هو السُّجود لغير الله .. “

 

سُبحان الله ! و هل بعد الكُفْر ذَنب ؟! هل إمامة امرأة لقَومها كعِظَم الشِّرك بالله ، حَتَّى يَستنكره الهُدهُد جَنباً إلى جَنب مع السُّجود لغير الله ؟!

 

ومع ذَلِك ففي كَلام الهُدهُد ما يَدُل على اِسْتِنكاره! ألم يَقُل : { إنِّي وَجدت امرأة تَملِكهم } ؟

 

لو أن مُلك امرأة لقَومها أمر ” مَقبول ” شَرعاً أو عُرفاً ، لما كان الهُدهُد في حاجة إلى ذِكر تلك المَعْلومة أمام سُليمان.

 

  1. ” و كان مِن الأولى أن يُحرِّم الله وِلاية المَرأة صَريحة في كِتابه العَزيز دون أن يَترُكها مَحل جَدل .. “

 

وماذا عن قَوله تَعالى : { الرِّجال قَوَّامون على النِّساء .. } ؟!

 

  • ” يَقول تَعالى : { الرِّجال قَوَّامون على النِّساء } أي : الرَّجُل قَيِّم على المَرأة ، أي هو رَئيسها و كَبيرها و الحاكِم عَليها .. ” ( تَفسير ابن كَثير ).

 

  • ” عن ابن عَبَّاس قَوله : الرِّجال قَوَّامون على النِّساء يَعني : أُمراء ، عَليها أن تُطيعه فيما أمرها الله به مِن طاعته. “

 

 

” عن الضَّحَّاك في قَوله : الرِّجال قَوَّامون على النِّساء بما فَضَّل الله بَعضهم على بَعض يَقول : الرَّجُل قائِم على المَرأة ، يأمُرها بطاعة الله .. ” ( تَفْسير الطَّبري ).

 

  • ” قَوله تَعالى : الرِّجال قَوَّامون على النِّساء ابتداء و خَبَر ، أي يَقومون بالنَّفَقة عليهن والذَّب عنهن ؛ و أيضاً فإن فيهم الحُكَّام و الأُمراء و مَن يَغزو ، و ليس ذَلِك في النِّساء. ” ( تَفسير القُرطُبي ).

 

إذا كان الرَّجُل قَيِّم على المَرأة ، فمَعنى ذَلِك أنَّه لا يَصح أن تَكون المَرأة قَيِّمة على الرَّجُل ؛ فَضلاً عن الرِّجال جَميعهم !

 

ثُم ألم تُشيري أنتِ في مَعْرِض حَديثك أن مَصادِر التَّشريع في الإسْلام هي القُرآن و السُّنَّة ؟

 

اقرأي قَوله – صَلَّى الله عليه و سَلَّم – : ” لَن يُفلِح قَوم وَلَّوا أمرهم امرأة. ” ( سَيأتي الرَّد على تَعليقاتك بشأن الحَديث ).

 

  1. ” و أمَّا نَقص العِلْم فلأن شَهادة المَرأة مِثل نِصف شَهادة الرَّجُل .. “

 

الحَديث تَحدَّث عن نَقص العَقل ، و ليس العِلْم ، فلماذا التَّحريف ؟!

 

ونُقصان العَقل يَعني غَلَبة العاطِفة ، وهو ليس اِنْتِقاصاً للمَرأة ، بل تَوصيفاً لطَبيعتها المُرْهَفة.

 

  1. ” هذا الحَديث تَعرَّض للكَثير مِن الشُّبُهات لأن راويه أبو بَكْرَة قد طُبِّق عليه حَد القَذف، و لأنَّه رَوى الحَديث بعد مرور 25 عاماً مِن وَفاة الرَّسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم ، ولذَلِك يرى بَعض المُفكِّرين إسْقاط الحَديث و عَدَم الاِعْتِداد به. “

 

المَعْنيُّون بدِراسة الأحاديث – سَنَداً و مَتْناً – هُم عُلَماء الحَديث و لَيس ” المُفكِّرين ” ، فلَيس مِن حَق أحَد الطَّعن في صِحَّة حَديث إلَّا إذا كان أهْلاً لذَلِك. و قَد خالَف هؤلاء ” المُفكِّرون ” الَّذين لم تَذكُريهم ما أقرَّه أهْل الحَديث :

 

أوَّلاً : أبو بَكْرَة الثَّقفي صَحابي جَليل ، والصَّحابة جَميعهم عُدول بنَص القُرآن ؛ كَقَوله تَعالى { لَقد تاب الله على النَّبي والمُهاجِرين والأنْصار الَّذين اتَّبعوه في ساعة العُسرة مِن بعد ما كاد يَزيغ قُلوب فَريق مِنهم ثُم تاب عليهم إنَّه بهم رَؤوف رَحيم } ، مع مُلاحظة أن الآية نَزَلت في أعْقاب غَزوة تَبوك ؛ آواخِر حَياة النَّبي صَلَّى الله عليه و سَلَّم. وكقَوْله تَعالى { والسَّابِقون الأوَّلون مِن المُهاجِرين و الأنصار و الَّذين اتَّبعوهم بإحسان رَضي الله عَنهم و رَضوا عنه وأعد لهم جَنَّات تَجري تَحتها الأنهار خالِدين فيها أبداً ذلك الفَوز العَظيم }. هَذا بالإضافة إلى صَحيح الأحاديث وإجْماع عُلَماء الأُمَّة.

 

ثانياً : كَوْن أبي بَكْرَة أخْطأ أو أُقيم عليه حَدَّاً ، لا يَقدح في عَدالته ، فعَقيدة أهل السُّنَّة و الجَماعة أن الصَّحابة لا عِصْمَة لهم ، أي أن وُقوعهم في مَعْصية وارِد ، و عَدالتهم تَعني صِدق مَحبَّتهم لله ورَسوله ( البَراءة مِن النِّفاق ) وأنَّهم لا يَتعمَّدون الكَذِب على رَسول الله صَلَّى الله عليه و سَلَّم. وقد أجْمَع العُلَماء على عَدالة أبي بَكْرَة وقُبول رِوايته. يَقول ابن قُدامة في المُغني : ” ولا نَعلم خِلافاً في قُبول رِواية أبي بَكْرَة مع رَد شَهادته. ”

 

ثالِثاً : و ماذا في رِواية أبي بَكْرَة للحَديث بعد 25 عاماً مِن وَفاة النَّبي ؟ فقد يَتذكَّر الرَّاوي حَديثاً فيَذكُره ، و قد لا يَذكُره إلَّا في مُناسبته. ثُم إن الحَديث لم يَنفرد به أبو بَكْرَة ، فقد رَواه الطَّبراني في ” المُعجَم الأوسَط ” مِن حَديث جابِر بن سَمُرَه ، و إن كان في الإسناد ضَعْف.

 

رابِعاً : الحَديث رَواه البُخاري في صَحيحه ، و البُخاري قد وَضَع شُروطاً صارِمة لتَصْحيح الأحاديث، ما جَعَل كِتابه على رأس الكُتُب السِّتَّة ، فيَكفي أن يُقال ” رواه البُخاري ” لقُبول الحَديث. و صَدَق القائِلون : ” كِتاب البُخاري هو أصح الكُتُب بعد كِتاب الله. ”

 

  1. ” و في حالة ثُبوته ، فهُناك أمر آخر .. و قد تقرَّر في عِلْم الأُصول أن وَقائع الأعيان لا عُموم لها .. “

 

وكأن المَقْصود تَطويع الأدِلَّة مِن أجل الوُصول إلى حُكم بعَيْنه ؛ فالحَديث ضَعيف ، وإلَّا فهُناك أمر آخر !

 

” وَقائع الأعيان لا عُموم لها ” .. صَحيح ، و لَكِن ما عَلاقة ذَلِك بحَديث ” لن يُفلح قَوم ولَّوا أمرهم امرأة ” ؟

 

واقِعة العَين ؛ أي خاصَّة بشَخص بعَينه ، كقَول رَسول الله صَلَّى الله عليه و سَلَّم أن شَهادة خُزيمة بن ثابِت بشَهادة رَجُلين ، فهذا الحُكم خاص بخُزيمة رَضي الله عنه وَحده. أمَّا حَديثنا مَوْضع النِّقاش ، فـ ” العِبرة بعُموم اللَّفظ لا بخُصوص السَّبب ” ، فقد جاء أنَّه لن يُفلح قَوم – أي قَوم – ولَّوا أمرهم امرأة – أي امرأة – ، و عليه يَكون الحُكم عام.

 

  1. ” و مَسألة حُكم المَرأة و وِلايتها للقَضاء مِن المَسائِل المُخْتَلَف فيها بين الأئِمَّة والفُقهاء.”

 

إذا كان في الأمر اِخْتِلاف كما تَقولين ، فالأولى على المُؤمن والمُؤمنة اِجْتِناب ” المُشبَّهات ” لقَوله صَلَّى الله عليه و سَلَّم كَما في صَحيح البُخاري : ” الحَلال بَيِّن و الحَرام بَيِّن ، و بَينهما مُشبَّهات لا يَعلمُها كَثير مِن النَّاس ، فمَن اتَّقى المُشبَّهات اسْتبرأ لدينه و عِرْضه .. ”

 

غير أن هَذا الاِخْتِلاف المَزعوم لا يَصح ، إذ إن إجْماع الأُمَّة على عَدَم جَواز المَرأة الوِلاية ، سَواء الوِلاية العامَّة أو وِلاية القَضاء : فمِن بين الشُّروط الَّتي اشْتَرَطها الفُقهاء و أجْمَعوا عليها في مَن يَتولَّى الإمامة أو القَضاء : الذُّكورة. ( يُمكِن الرُّجوع إلى أي كِتاب فِقهي ، و هي مِن الكَثْرة بمَكان )

 

ناقِصات عَقْل و دين

ليس في وَصف النِّساء بأنَّهن ناقِصات عَقل ودين أي اِنْتِقاص لهُن ، فنَقص العَقل مَرَدُّه غَلَبة العاطِفة ( التَّكْوين النَّفسي ) و نَقص الدِّين مَرَدُّه طَبيعة المَرأة الجَسَديَّة ( التَّكْوين الجَسَدي ).

 

القِوامة و الإمامة

ليس في اِسْتِطاعة أحَد أن يَدَّعي تَماثُل الرَّجُل والمَرأة ، لأن التَّماثُل يَعني المُطابقة في كُل شَيء. والرَّجُل و المَرأة – كما هو مُشاهَد و مَعْلوم – يَتمايزان جَسَديَّاً و نَفْسيَّاً. لذَلِك فقد سَاوى الإسْلام بين الرَّجُل والمَرأة في الإنسانيَّة و العُبوديَّة و جَزاء الآخرة ، و فَرَّق بينهما في بعض التَّكاليف وبعض الاِخْتِصاصات ، كنَتيجة لهَذا التَّمايُز.

 

مِن بين التَّكاليف الَّتي رَفعها تَعالى عن المَرأة وخَصَّ بها الرَّجُل : القِوامة و الإمامة. ولا يَحسب القارئ أن في ذَلِك ما يَسُر الرِّجال ، فقد قال صَلَّى الله عليه و سَلَّم عن القِوامة ” كُلَّكم راع و كُلَّكم مَسئول عن رَعيَّته ” ، و عن الوِلاية إنَّها ” أمانة و إنَّها يَوم القيامة خزي و نَدامة. ” فهل يَفرح العاقِل بتَكاليف زائِدة أو يَحزن لتَكاليف أقل ؟

 

نأتي لمَوضوع القِوامة ، وهي الوِلاية في أبسط صُورها.

 

يَقول الأُستاذ مُحمَّد قُطب إن هُناك ثَلاثة أوضاع يُمكن أن تُفترَض بشأن القِوامة في الأُسرة : الرَّجُل أو المَرأة أو الرَّجُل والمَرأة مَعَاً ، ويَستبعد الفَرض الثَّالِث لأن ذَلِك أدعى إلى الإفساد مِن ترك الأمر فوضى بلا رَئيس. ثُم يَطرح هَذا التَّساؤُل : ما الأوْلى في القَيِّم .. الفِكْر أم العاطِفة ؟ فإن كان الجَواب هو الفِكْر ، فلا خِلاف على أن الأصْلَح للقِوامة هو الرَّجُل. ثُم هل تَحترم المَرأة الرَّجُل الَّذي تُسيّره هي! لا شَك أنَّها ستَحتقره. و لا يُظَن أن القِوامة و الرِّئاسة تَعني الاِسْتِبداد ، ولا تَنفي المُشاورة والمُعاونة. ( انْتَهى كَلام الأُستاذ مُحمَّد قُطب بتَصَرَّف )

 

وإذا كانت القِوامة حَق للرَّجُل دون المَرأة ، فمِن باب أولى أن الوِلاية ( العامَّة و القَضاء ) حَق له للأسْباب نَفسها ، بالإضافة إلى أن وِلاية المَرأة سَيَترتَّب عليها مَحاذير شَرعيَّة ؛ كمُخالَطة الأجانِب والنُّشوز ( إلَّا إذا قَدَّمت حُقوق زَوجها ورَغَباته على مَصالِح الأُمَّة ! ) والخُروج لغير حاجة والتَّبرُّج المُنافي لقَوله تَعالى { وَقَرْن في بُيوتكُنَّ و لا تَبَرَّجْن تَبَرُّج الجاهِليَّة الأُولَى }.

 

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد