يُلاحظ في المدة الأخيرة انحصار مختلف الاهتمامات، وتوجيه جميع العقول والأنظار إلى تشريعات 16 يونيو (حزيران) القادم، وإبرازها قضيةً تهم الرأي العام وتحدد مصيره واقتصار مجمل الحديث والمناقشات فيها، وتسويق لفكرة أنها بداية تغيير جديد وأنها تمثل قطيعة مع الفساد والتجاوزات و(اللاقانون) والسجن التعسفي، وربطها بالجماعة السابقة والمنتهية صلاحيتها.
فكل الإمكانيات المتوفرة التي تم تسخيرها إعلاميًّا، أو حتى مغازلة المنتهزين والمتسلَّقين بأرصدة مالية من أجل حتمية المشاركة ومحاولة إنقاد ما يمكن إنقاده من خلال بناء واجهة جديدة للبرلمان بوجوه مغمورة وبزادٍ شبه فارغ في المجال السياسي، لا برامج.. لا رؤية.. لا إستراتيجية واضحة؛ فهي لا تفكر إلا بمصالح ضيقة وشخصية، والمتاجرة بفظاعات الجماعة السابقة في شتى المجالات.
فهذه التشريعات التي تشرف عليها هيئة متكونة من مجموعة موظفين يرأسهم محمد شرفي، الذي صرّح بأن الرئاسيات السابقة التي أشرف عليها أنزه انتخابات منذ الاستقلال، والتعديل الدستوري الذي أشرف عليه أيضًا أنه دستور حلال، هي في الحقيقة تشريعات لأصحاب السلطة الفعلية والتي تتجلى في مستهل أي نشرة إخبارية أو مناورة عسكرية أو زيارة ميدانية؛ فالهدف هو المشاركة وترميم لواجهة جديدة وفقط، من أجل محو صورة المقاطعة الواسعة في رئاسيات 12-12-2019 أو في الاستفتاء الدستوري 01-11-2020 فبذلك أصبح كل من الرئيس المعيّن والدستور مطعون في شرعيته وفاقد لمصداقيته داخليًّا أو خارجيًّا.
فالتشريعات المقبلة ستكون مثل سابقاتها ستُمرر بالقوة والعنف داخليًّا وبالسكوت من طرف الحكومات الديمقراطية ذات المعايير والخطاب المزدوج والتواطؤ المفضوح والتي لا تفكر إلا بمصالحها وبديمقراطية شعوبها.
فهذه التشريعات تمثل استمرارًا لفرض أجندات النظام، والتي بدأت برئاسيات، وتلاها التعديل الدستوري، والآن وصلنا لمرحلة إعادة ترميم البرلمان بوجوه جديدة، وأخيرًا بانتخابات محلية «ولائية وبلدية» وهذا على حساب مطالب الطرف الآخر «الحراك» الرامية للتغيير والقطيعة مع الممارسات السابقة والمستمرة.
فلا قيمة لتشريعات على حساب ألف معتقل وسجين رأي·
ولا قيمة لتشريعات في إقصاء بعض الشخصيات بحجة المشاركة في الحراك «رغم أن الحراك أصبح متدثرًا في دستورهم وأنه مبارك، وأنه يمثل ظاهرةً صحيةً»·
ولا قيمة لتشريعات في ظل استمرار غلق الفضاء العام، وتقييد وسائل الاعلام وإضعاف سرعة الإنترنت.
ولا قيمة لتشريعات في منظومة الفساد نفسها والرداءة والعنف والسجن التعسُّفي وغياب العدالة القانونية والاجتماعية.
فلا رئاساتهم أخرجتهم من الأزمة، ولا حتى دستورهم، ولا حتى تشريعاتهم القادمة، والتي ستكون معبرًا لمواصلة استمرارية الممارسات نفسها، ومنطق اللاقانون نفسه واللاعقاب واللاعدل، ومحاولة الهروب إلى الأمام وتجاهل للأزمة الحقيقية، وهي أزمة شرعية النظام ككل منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، فلا تزال السلطة تتهرّب ولا تزال من حل هذه المشكلة.
إذن التشريعات لن تكون الحل لمشكلات البلاد المتراكمة والمعقدة، ولن تتمكن من إحداث أي تغيير، ولو حتى من داخل النظام، فستكون استمرارية للذهنية نفسها، لكن ببيادق جديدة لأن طبيعة الظروف وحتميته فرضت عليهم ذلك.
فالتاريخ علّمنا و سنن الكون أكّدت لنا أنه لا توجد أي قوة فوق الأرض تستطيع أن تقف أمام فكرة حان وقتها أو القدرة على إجهاض إرادة الشعوب في التغيير .
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست