الصراع في ليبيا

في ظل الأنباء الواردة من ليبيا حول تحرير الساحل الغربي الليبي من مليشيات حفتر، وحول تردد أنباء عن محاصرة شخصيات مهمة في قاعدة الوطية، ارتفع سقف آمال وطموحات الكثير لحد الرغبة في الفرحة بانتصار كبير لطالما طال انتظاره كثيرًا، بعد انتكاسة الربيع العربي.

صعدت أصوات كثيرة لتحليل المشهد السياسي الليبي، وكان من بين ما تردد هو من يتهم الرئيس فائز السراج بأنه شخصية ضعيفة، كانت سببًا مباشرًا في تأخير مثل تلك الانتصارات، ولولا ضغط المقاومة عليه ما تحقق ذلك الانتصار، وإني أتعجب من ذلك الوصف لحكومة معترف بها ظاهريًّا ويجري محاصرتها فعليًّا.

اجتمعت قوى الشر على حرب حكومة الوفاق الليبي ابتداء من دول محور الشر وميليشيات ومرتزقة من كل مكان، وأطماع أوروبية؛ إيطاليا، وفرنسا، ومرتزقة من روسيا والسودان، دعم إماراتي سعودي مصري غير محدود، وإمدادات بالسلاح غير مشروط لحفتر وصبيانه.

إذا اجتمعت كل تلك القوى الاستعمارية على أي حكومة في العالم لا يمكن لها أن تصمد كثيرًا، ولو كانت تمتلك تاييدًا ظاهريًّا، واعترافًا رسميًّا من الأمم المتحدة.

وسط هذا الحصار تمتد يد واحدة لتدعم حكومة الوفاق وتعقد معها اتفاقية دخلت حيز التنفيذ، لتعيد المعركة من جديد، وتعمل على تحييد أطراف كثيرة من أجل صناعة مشهد مختلف تمامًا. درست تركيا المشهد السياسي والعسكري والاستخباراتي؛ لتحدد نوعية الدعم وحجمه، ورغم سخرية البعض من حجم المساعدات والجنود التي أرسلتها تركيا، فإن العمل الاستخباراتي على الأرض فكك شفرة الوضع العسكري، وحدد طريقة الدعم وأثره في تغيير مسار المواجهات.

دخلت تركيا في مسار سياسي بالمفاوضات، ومسار لوجيستي بالمساعدات، ومسار استخباراتي بالمعلومات، ومسار عسكري بالمعدات العسكرية، من دون الدخول في حرب مباشرة طويلة الأمد، اتضحت خطط المواجهة المسلحة لتضرب في العمق وتحقق انتصارات مذهلة، لم يتبين حجمها بعد، لكن اتضحت آثار تلك الضربات على حالة الفزع والهلع التي تركته على أبواق محور الشر. 

وحجم الخسائر الذي أفزع الجميع إلى الاجتماع السريع تحت مظلة مناقشة تدابير مواجهة كورونا في مصر، وفي الحقيقة لم تكن كورونا هي السبب، بل حجم الخسائر والضحايا التي وصلت إلى المستشفى العسكري في مصر. كان مخططًا استمرار القتال، وتحقيق انتصارات رغم الأزمة الإنسانية التي اجتاحت العالم، ومناشدات بوقف القتال من أجل تضافر الجهود لمواجهة الوباء العالمي، لكن الريح جاءت بما لا تشتهي السفن، واتقلبت الموازين رأسًا على عقب. وكانت هزيمة منكرة لكل حلفاء حفتر. ورغم ذلك التكتم الشديد على نتائج تلك الحرب من جانب حكومة الوفاق الليبي، رغم الانتصار التاريخي.

المؤامرة الدولية والإقليمية في ليبيا وتحويلها إلى ساحة قتال عالمية، لا تعطي لأي قيادة فرصة تاريخية للتصريح بكل الأحداث على الأرض، ولا يمكن أن تكشف كل الأوراق أو تتصرف تصرفًا عكسيًّا يضعها تحت ضغط دولي يزيد من معاناتها، صمود حكومة الوفاق واستمرارها حتى اللحظة رغم كل الحصار، يعد انتصارًا كبيرًا بكل المقاييس.

دخول تركيا على خط المواجهة بطريقة ذكية وعبقرية سياسية محترفة، أسكت كل الألسنة، ومنع أي احتجاج دولي من الاعتراض على تدخلها. نحن أمام تغيير كبير قادم وبقوة، لكنه يحتاج إلى دعم شعبي، ورؤية مختلفة ومنضبطة من النخب السياسية وأصحاب الرأي والتحليل، ودراسة متكاملة للصراع وأطرافه.

أمام حكومة الوفاق الليبية تحديات كبيرة، تحتاج إلى دعم كبير، ورؤى مختلفة وانضباط وعدم استعجال حتى يتهيأ الظرف التاريخي، ويتفكك محور الشر الذي يحاول إحباط وإسقاط أي مشروع تحرري في المنطقة العربية. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد