الرجوع إلى الإسلام الحقيقي هو السبيل الوحيد للشعوب الإسلامية للخروج من حالة الركود والتبعية؛ وذلك من أجل بناء نظام إسلامي سياسي وثقافي واقتصادي متكامل، يوحد جميع الدول الإسلامية، هذا ما يؤمن به علي عزت بيجوفيتش ويسعى إلى تفصيله وشرحه في كتابه. يوضح المؤلف في كتابه نظرته التفاؤلية تجاه الجيل الإسلامي المعاصر الذي سيبدأ بإزالة أعباء التبعية، والخضوع، والتخلف، عن كاهله، ويتجه نحو تطبيق مبادئ الإسلام وأخلاقه الأصيلة لتحقيق نهضة العالم الإسلامي. يؤمن المؤلف بأن تحرر المسلمين لا يمكن أن يكون إلا إذا كانوا «مصممين على أن يأخذوا مصير عالَمِهم في أيديهم، وأن ينظموا هذا العالم وفقًا لرؤيتهم الإسلامية الخاصة». وهو بذلك يعوِّل على الجيل الجديد من المسلمين لوضع حد لحالة الشذوذ التي نعيشها.

وأنا أدرك كما المؤلف أن العودة لأصل الدين الإسلامي، والتعامل معه كمنهج للحياة الروحية، والاجتماعية، والثقافية، ووضع القرآن الكريم وتعاليمه نصب أعيننا وتطبيقها في حياتنا العملية قبل الدينية هو الخلاص الوحيد للشعوب الإسلامية وتحررها من وطأة الاستعمار الثقافي والأيديولوجي الذي تتعرض له. ولكنني في الوقت عينه لا أرى أن هذا الأمر يمكن تحقيقه بالصورة التفاؤلية التي يطرحها بيجوفيتش.

فأنا أرى أن هذا تفاؤل مبالغ فيه، لا يمكن أن يحدث في ظل غياب القيادات الإسلامية الاستثنائية، وفي ظل ما يعيشه الواقع الإسلامي من تراجع وتخلف مستمر ومتوالٍ. وأنا بذلك أستشهد من كتاب المؤلف ذاته بأن «جوهر الحضارة يكمن في الاستمرارية، وليس التخريب والتنكر للماضي». والمثال الصارخ على هذا ما تعيشه السعودية في وقتنا الحاضر – إذ ينبغي لها أن تكون رائدة العالم الإسلامي – من سلسلة إصلاحات اجتماعية وثقافية على الطريقة الغربية البحتة، والتي أدت بالشعب السعودي «المسلم» لأن يفقد جوهر أصالته ودينه.

فبدل أن يستغل دعاة الحداثة والتطور في السعودية سلطاتهم ونفوذهم القوي للربط بين بلدهم «الإسلامي الملامح والأصل» مع الغرب من خلال إدخال العلوم الجديدة، أو تطوير مراكز أبحاث وجامعات علمية، أو تثقيف المجتمع بأهمية العمل الجاد والمثابرة، أو خلق سبل تعاون بين الجامعات العربية والأجنبية، قام هؤلاء الدعاة بإدخال الثقافة الغربية بشقها السلبي وغير الأخلاقي، وهو ما يسميه الكاتب إدخال «أسلوب الحياة وليس أسلوب العمل».

وفي خضم عرضه لتفاصيل النظام الإسلامي المتكامل يؤكد الكاتب أن أساس هذا النظام هو وجود الشعب المسلم والأغلبية المسلمة لتطبيق هذا النظام بشكله الصحيح، ويوضح أن قيام الدولة الإسلامية بهذا النظام لا يمكن أن يبدأ بالسيطرة على السلطة مباشرة، بل يجب البدء بتثقيف جميع أفراد الشعب وتعليمه المبادئ الأخلاقية، وتربيته التربية الإسلامية الأصيلة؛ لتكون أساس الحياة في المجتمع.

بالطبع، أوافق الكاتب في الفكرة الأساسية، وضرورة إعادة غرس تعاليم الدين الإسلامي في عامة الشعب، ولكنني أرى طرحه للفكرة عامًّا وغير محدد المعالم، ويصعب تطبيقه على شعوبنا في وقتنا الحاضر، نظرًا إلى ما يعانيه كل شعب من ويلات سياسية واجتماعية تجعلهم منشغلين بحالهم الداخلي على حساب الهدف الأساسي، ونظرًا إلى وجود حكام مدمرين لبلدانهم وخيراتها ووجود الدولة العميقة في المجتمعات الإسلامية، التي تسيطر على مقدرات شعوبها، وتتحكم حتى بأفكار أفرادها وتطارد مثقفيها وعلمائها وتزجهم بالسجون.

وعلى الرغم من أن هذه «واقعية سلبية وجبانة» كما يصفها الكاتب، فإننا لا يمكن أن نصرف النظر عن الحال الحقيقي الذي تعاني منه الشعوب الإسلامية، ونبدأ برسم فانتازيا إسلامية صعبة المنال. إذ إنه من الصعب تثقيف شعب كامل في ظل الظروف سابقة الذكر. ولكن العمل الدؤوب على تثقيف وتهذيب وإصلاح النخبة الاجتماعية والعلمية والسياسية، ودفعها لتكون الرائدة في التطور الاقتصادي والثقافي تحت مظلة الإسلام وتعاليمه. وبذلك يصبح لعامة الشعب قدوة اجتماعية يفتخرون بها ويتبعونها بسهولة وطواعية.

أما بالنسبة للشق الاقتصادي للنظام الإسلامي، بما يشمله من الملكية والزكاة والربا، يوضح الكاتب أن مبدأ الملكية في الإسلام يعتمد على عدم وجود ملكية خاصة مطلقة، وتحريم سوء استخدام الملكية الخاصة، وأن تكون الثروات الطبيعية ملكًا المجتمع. واستنادًا إلى هذه المبادئ الأساسية والمركزية، يمكن إصدار القوانين والأنظمة اللازمة لتنظيم علاقة الإنسان بالثروة والتبادل الاقتصادي.

وفيما يتعلق بموضوع الزكاة فقد أكد أهمية أن تكون قانونًا عامًا يجب تطبيقه في الدولة الإسلامية، ولم يشرح إذا كان اعتماد الزكاة وحدها يكفي لتطبيق قانون توزيع الثروات والأموال على المجتمع كافة. واقتصر الكاتب على توضيح حرمانية الربا وكسبه، ولم يقدم البديل العملي والمنطقي لأنظمة البنوك الربوية التي تقوم عليها الدول والمجتمعات كافة. ومن المهم تأكيد أن إنشاء نظام إسلامي اقتصادي اجتماعي في ظل النظام العالمي المالي الذي يحكم دول العالم، هو أمر شبه مستحيل؛ إذ يصعب على المجتمع الإسلامي أن يكون شاذًّا عن النظام العالمي، فهذا سيكلفه الكثير من الخسائر وسوف يستغرق الكثير من الوقت والتضحيات.

وفي النهاية لا يمكن تجاهل إبداع الكاتب في طرح أفكاره في المقارنة بين المجتمعات الغربية والمجتمع الإسلامي في تطبيق القانون والدين. فيوضح أن المجتمعات الأوروبية تؤمن بقوة القانون للحفاظ على العلاقات بين الناس، بينما المجتمع الإسلامي يعد مبادئ العقيدة الإسلامية هي أساس التعامل بين الناس بينما أحكام الشريعة الإسلامية فهي محدودة وقليلة نسبيًّا. ويوضح أن القانون ليس الوسيلة الأمثل لخلق مجتمع متحضر وراقٍ، بل المبادئ الأخلاقية والتربية هي ما يجب أن يكون أساس الحياة في المجتمع، إذ يقول: «حين يتجاوز الفساد في بيئة ما حدًّا معينًا يصبح القانون عقيمًا».

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

أدب, نقد

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد