أسرار الصغار قصةٌ قد يحكونها بأي وقت، وأمام أي أحدٍ من وراء ومن جراء نسيانٍ، وعدم انتباهٍ؛ أدَّى به إلى كشف سرهم خائفين من أن يصل إليهم؛ فيتم معاقبتهم ومحاسبتهم؛ فالأطفال الذين يحملون أسرارًا في العادة يتلقون معاقبةً قاسيةً عند ارتكابهم أي خطأ مهما كان نوعه، ومقياسه، وحجمه؛ فأولياؤهم يعرضونهم لعقاب أكبر من الخطأ الذي ارتكب.
فهذا ما يزيد من خوفهم، ويجعلهم يحملون أسرارًا قد لا يقوون عليها؛ فتصبح أكبر منهم، ومن طاقتهم على حملها؛ إلا أنهم يحملون، ويصبحون بأسرار كالكبار؛ عكس الأطفال الذين يتم التعامل معهم في حالات الخطأ، وارتكاب شيءٍ معينٍ؛ بالبعد والابتعاد عن العنف، والضرب، وعدم تخويفهم التخويف الذي يصيبهم بحالات نفسية صعبة ومؤلمة تؤثر عليهم مدى الحياة.
وإنما بسماعهم وإعطائهم فرصةً؛ ليدافعوا عن أنفسهم، ويبرروا الأسباب والدوافع التي أدت بهم إلى فعل ذلك، وكيف تم فعل شيءٍ سيئٍ يتم المعاقبة عليه .
والعقاب هنا تربية؛ بتعليم أطفالنا وصغارنا الصح والصواب؛ فهنا الأطفال لا يعيشون بلا ضغط ولا خوف من الآتي، وأي شيءٍ يحدث معهم لا يخفونه؛ لأن ذلك خطأ على الأطفال؛ وليس في صالحهم، ولن يفيدهم؛ فالذي لا يخفي أسراره، كان قد شجعه من حوله على المواجهة، وقول كل شيءٍ بصدقٍ وصراحةٍ تامةٍ؛ وإن كان خطأً؛ فلا يوجد أسرار لدى هؤلاء الصغار؛ فالنوع الأول من الصغار وإن كان لديهم سرٌ لا يحفظونه طويلًا؛ فإما يتم نسيانه فيتبخر؛ وإما يتم الكشف عنه كله بجميع تفاصيله وملابساته.
متى كان للصغير سرًّا سيؤثر ذلك عليه سلبًا لا إيجابًا، وقد يعرضه للخطر؛ خاصةً إذا تعرَّض لنوعٍ من التهديد من طرف أحدٍ ما؛ فهنا إن كتم؛ فهو في خطر؛ وإن قال ما يجب أن يقال؛ يتم إنقاظه من الخطر؛ الذي يحوم حوله بالسيطرة على الأمر، واتخاذ الإجراء الصحيح في هذه الحالة؛ فلا بد أن يتم تعويد صغارنا على قول كل شيءٍ؛ لتبقى رقابة الأولياء على صغارهم حاضرة لا تغيب جراء أسرار الصغار.
أسرار الصغار إنْ علم بها الصغار أمثالهم؛ هددوهم التهديد الطفولي؛ الذي يتخذه المهدد كمرحٍ وتسلية؛ فمتى سرَّب الصغار أسرار الصغار بالشكل الطفولي البريء؛ يجعل صاحب السر يتعصب، ويعيش حالةً من العصبية، والغضب، والقلق الشديد، والخوف؛ الذي يؤدي به إلى فعل مالم يكن بالحسبان؛ فيتصرف التصرف الخطـأ عادةً لإجبار ومنع سرِّه من أن يُكشف وينكشف لمن لا يريد هو أن يصل إليه؛ فيمارس أفعال الكبار التي يشاهدها في الواقع أمامه، أو عبر شاشات الهاتف والتلفزيون؛ فيفكر بفكرٍ غير سليمٍ، وغير صحيحٍ؛ قد يؤدي إلى تهلكة وهلاك الصغير، أو الذي يقاربه في السن الذي بحوزته السر؛ الذي لا يمكن كشفه مهما كان.
إن سر الصغير ليس مؤمَّنًا ويسهل كشفه؛ لأنه لا يتقن كيف يحفظ سره، وما هو الشيء الذي يجب أن يكون سرًّا، ومتى لا يكون السر سرًّا، ولا يصلح بأن يكون سرًّا.
لا بد ألا يكون للصغار أسرار؛ فهو لا يليق بهم، ومبكرٌ جدًّا أن يحملوا أسرارًا؛ فبراءة الطفولة ليس فيها أسرار، ولا تبنى فيها ولا من خلالها بيوتًا صغيرةً للأسرار؛ فالسر يرهق صاحبه، وكثيرًا ما يود إخراجه؛ ليرتاح من ثقله، ويرى مدى صحته في أن يكشف أو يرفع عنه الستار؛ مع أن كل صاحب سر يعلم عن سره كثيرًا؛ إلا أن حب البوح أحيانًا؛ قد يوقعنا في سرد ما لا يُسرد، وما يغير ملامحنا، واسمنا ومكانتنا عند الآخرين.
لا أسرار لدى الصغار وإن كان لهم أسرار فلن يحافظوا عليها، ولن يوفروا له الكيان، والاحتياطات، والاحتياجات التي يتطلبها السر؛ فهم ما زالوا صغارًا، والسر عندهم مصيره الخروج من دائرته التي لها مداخل ومخارج عدة، وإن نجح الصغير في حفظ سره؛ فهذا يجعل منه صاحب أسرار حتى في الكبر، وعلى الدوام.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست