“يعقوب”
قلما ذكر هذا الاسم في ثقافتنا العربية والإسلامية، ولكن على قلة ذكره فهو مرتبط غالبًا بالدس والغدر وتغيير مجرى أحداث سياسية ودينية بل والظهور في أوقات فارقة، الاستثناء الوحيد بالنسبة لنا – كعرب ومسلمين – هو النبي يعقوب (إسرائيل) عليه السلام، وحتى هذا النبي الكريم نسب إليه اليهود أفعالًا مشينة في توراتهم – ولكن دعنا من هذا فمنذ متى كنا نصدقهم – نعود إلى الاسم.
على مدى القرون الماضية منذ ظهور الإسلام، برز في التاريخ ثلاثة منهم. اثنين منهما ظهرا في مصر وثالثهم في تركيا إبان الحكم العثماني هناك وبالتحديد أيام محمد الفاتح، نذهب معًا لنعرف كيف ولماذا ظهر هؤلاء (اليعاقبة الثلاثة).
أولهم: يعقوب بن كلس
يهودي ولد في بغداد ورحل مع أبيه إلى الشام استقر والده هناك بينما استكمل هو الرحيل إلى مصر أيام حكم الإخشيديين فيها نيابة عن الدولة العباسية – ظاهريًا – التي كانت في أوج ضعفها وانحلالها في تلك الفترة، كان الحاكم الفعلي لمصر هو “كافور” الوصي على العرش الخصي فلما التقى هذا الأخير بيعقوب لمس فيه الذكاء فاستعمله في وظيفة صغيرة فكان عند حسن ظنه فطمع “يعقوب” في المزيد من الارتقاء فأسلم وكان – غالبًا – على المذهب السني لأن الدولة الإخشيدية التابعة للدولة العباسية سنية بكل تأكيد ولكي يحقق هدفه في ارتقاء المناصب في دولة سنية كان يجب أن يكون على المذهب السني لا الشيعي.
وكان إسلامه قبل دخول الفاطميين إلى مصر بعامين، فالتزم بالصلاة ودراسة القرآن حتى عد من علماء الدين، فجمع الكفاءة العلمية – الدينية – مع الكفاءة الإدارية، لدرجة أن كافور أصدر أمرًا بألا يصرف درهم من بيت المال إلا بتوقيع يعقوب بن كلس.
ولكن هل يتم ذلك في وجود وزير قوي مثل جعفر بن الفرات؟
بالطبع لا، فقد تتبع “ابن الفرات” “يعقوب” وحقد عليه وحسده للمكانة التي وصل إليها في وقت قياسي وسنوات معدودة.
فلما مات “كافور”، سارع ابن الفرات بالقبض على كل رؤساء الدواوين ومن بينهم “يعقوب بن كلس”، ولكن “ابن كلس” استطاع أن يفتدي نفسه مقابل بعض الأموال فهرب متخفيًا تجاه المغرب، فدخل هناك في حماية بعض اليهود المقربين من البلاط العبيدي – الفاطمي – أيام ولاية “المعز لدين الله”.
لاحظ هنا من الذي ساعده – بعض اليهود – وهو اليهودي السابق، التارك لدينه (فاليهودي بطبيعة الحال لا يحب المسلم أو المسيحي، فما بالك باليهودي التارك لدينه (فكيف يحموه بعد كل هذا بل ويساعدوه على الترقي في المناصب في البلاط الفاطمي).
لم يتعد السنة حتى أصبح هذا “اليعقوب” محل ثقة المعز لدين الله (موهوب جدًا هذا الرجل) ففتح للمعز خزائن أسراره وأخذ يغريه بفتح مصر شارحًا له حالة الضعف الشديد الذي تعانيه البلاد بالرغم من ثرائها الكبير وقلل من مخاوف المعز في فشل الحملة كسابقيها.
فقد تم إرسال ثلاث حملات من قبل في أقل من عشرين عامًا في الأعوام 301 و307 و321 هجريًا قبل أن تنجح الرابعة في عام 358 هجريًا على يد جيش قوامه مائة ألف جندي كان على رأسها “يعقوب” بجانب قائد الجيوش “جوهر الصقلي”، وبذلك يصبح اليهودي (السابق)، المسلم (السني)، أول وزير للدولة العبيدية (الفاطمية) في مصر.
إذن، ففي نحو العامين انتقل هذا الوزير من اليهودية إلى الإسلام ومن (المذهب السني إلى المذهب الشيعي) كما سيتم إيضاحه بعد قليل.
هل انتهى دور “يعقوب بن كلس” عند هذا الحد وهو التسبب في دخول الفاطميين في الوقت المناسب إلى مصر؟
الإجابة: “لا”، فقد توصل إلى فكرة خطيرة جدًا كانت نتاج خبرته السابقة بالمصريين، فبعد بناء الأزهر استغل حب المصريين لدينهم وتمسكهم بصلاة الجمعة في المساجد فاقترح على الخليفة الفاطمي (العزيز بالله) أن يقيم حلقة فقه أسبوعية بعد صلاة الجمعة إلى صلاة العصر وعدم الاكتفاء بصلاة الجمعة.
فكانت البداية بسبعة وثلاثون فقيهًا تم صرف مرتبات مجزية لهم وتوفير السكن، فكانت هذه بداية نشر التشيع رسميًا في مصر عن طريق استغلال الأزهر كمسجد للمصلين.
أخيرًا لـ “يعقوب بن كلس” مؤلفان مشهوران في الفقه الشيعي وهما “الرسالة الوزيرية” و”مصنف الوزير”.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست