يحدث أن نمر في حياتنا بفترات صعبة، يكون فيها الخوف ملازمًا لنا ولمشاعرنا دائمًا، نخاف من الحياة بعينها، نخاف أن نموت ونحن الذين لم نتمكن من أن نوثق علاقتنا بالخالق أكثر كما ينبغي، يحدث أن نخاف من عصيان الله، نخاف من الذكريات، من أن تأتي ذكرى تجعلنا تعساء إلى الأبد، نخاف أن يحضر سبب يجعل أحلامنا تُجهض قبل أن تتحقق، نخاف أن تُدمَّر علاقاتنا مع الآخرين دون سبب، نخاف أن نكون ضحايا لمن أحببناهم وكانت الحياة بجانبهم أكثر لذة، يحدث أن نعاني من رهاب الحب، أن نخشى الارتباط بالرغم من أن لنا رغبة شديدة في الشعور بأن لنا قيمة عند الطرف الآخر دون أن نحس.
نحتاج للحب الذي يشعرنا أننا لسنا وحيدين، أن بجانبنا سندًا نتكئ عليه دائمًا عندما يتخلى عنا العالم أجمع.
«عاد إلا أنني خشيت أن أتعلق به مجددًا!»
«كانت حياتي عادية جدًّا، كنت ككل فتاة همها الأول طريق تسعى من خلاله للحصول على نتائج جيدة في الدراسة، لم أكن أبالي لا للحب ولا للعلاقات، إلى غاية التحاقي بالصف الثانوي، درست رفقة شاب لا أعرف كيف تلاشت الرسميات بيننا فأصبحنا نقضي ساعات الليل في الحديث دون أن ننتبه، وقعت في حبه دون سابق إنذار فشاءت الأقدار أن تتقطع السبل بعلاقتنا خلال العام الأول من دراستي بالجامعة، مضى عامان، كنت أحتفل بتخرجي، شاركت صورًا عديدة على حسابي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، شاركها أصدقائي بدورهم كي يعبروا عن سعادتهم لنجاحي، وصلني طلب الصداقة من شخص كان قد خفق له القلب سابقًا، تبعتها رسالة منه «أتمنى لك النجاح على الدوام، سعدت جدًّا بكونك حققت الحلم الذي لطالما أخبرتني بأنك ستحققينه قريبًا»، مضيت أقرأ الرسالة وأعيدها، حفظت جميع كلماتها عن ظهر قلب، حذفت طلب الصداقة، حذفت الرسالة أيضًا، لم تكن لي القدرة على إعادة ما عشته سابقًا، فنفسيتي بالكاد تحسنت، ولا قدرة لي على أن أعيد تكرار ما حدث قبل سنتين، كنت خائفة، خائفة أكثر مما ينبغي، خائفة من التعلق به مرة أخرى بعدما كابدت الكثير من المعاناة كي أنساه».
حب نغص علي الحياة!
«قصتي مختلفة عن الجميع، أحببت صديق والدي، الذي يكبرني ضعف ما كنت أحمله من عمري، حصلت على شهادة البكالوريوس ببلدي، انتقلت لإكمال دراستي في بلد آخر كان صديق والدي الذي وقعت في حبه يقطن هناك ، كان رجلاً متزوجًا وأبًا لطفلتين أكبُرُهما ربما بالسنتين، التقيته تحت رغبة والدي في المرة الأولى، ظننتني سأجد رجلًا في مقام الأب بعد غياب والدي، وجدت حبًا في رجل متزوج لم أفكر يومًا أنني سأعيش معه قصة لا يعلمها إلا نحن الاثنان، كانت لقاءاتنا تحدث كل يوم، يطمئن علي مساءَ كل يوم قبل أن يذهب إلى زوجته وابنتيه، سرعان ما تعلقت به، فوجدتني لا أجد سعادتي إلا وهو بجانبي، انقضت السنتان من دراستي، وانقضى معهما مشواري في الغربة، رحلت عن رجل حبه نغص علي الحياة، أذكر أنني أُخبرت من طرفه أن علاقتنا لن يتقبلها والدي، علاوة على أن له ابنتين هما في مرحلة لا يريد أن يخسرهما فيها بسبب كشف علاقتي به، كما أن زوجته ستقلب حياته رأسًا على عقب إن طلب منها الطلاق، عدت إلى وطني حتى أحتمي بأحضانه عله ينسيني في رجل لم يبذل أي جهد سوى أنه اتخذني ملجأ يتخلص به من نكد زوجته، عدت بعدما كنت أظن أن الغربة كانت ستؤمن لي المستقبل الذي لطالما حلمت به، عدت ولم أجن سوى خوف من الحب ورهاب من الارتباط، تقدم لخطوبتي رجال لم يحملوا شيئًا من العيوب، إلا أنني ظللت مقتنعة بأن لا حب يستحقني بالحياة».
الفيلوفوبيا!
«بدأ الرهاب يتشكل لدي منذ أيام طفولتي، كان والدي دائمًا ما يضرب أمي ويعنفها أمام عيني، كبرت وأنا أسمع صراخ أمي من فوق السرير، قد تكون الأمور عادية حتى أسمع والدتي تصرخ وأنا التي لم أكن أملك حيلة لأنقذها سوى أنني كنت أظل مكتفة اليدين حتى تسكت ويغفو أبي إلى السرير، كانت علاقاتي مع زملائي في مقاعد الدراسة قليلة تعد على رؤوس الأصابع، لا أكلم أحدًا ولا أجرؤ على الحديث داخل الصف، كنت طفلة حزينة، والكل كان يلاحظ أن حتى اللعب لم يكن طريقًا لأنضم به للآخرين.
كنت أعاني الوحدة، أخشى العلاقات، وكلما اقترب مني أحدهم أبتعد منه خطوتين، أيام الثانوي لم تغير شيئًا ما زلت كما أنا وما زال الرهاب يزداد رويدًا رويدًا، كبرت معي تلك العادة، ما زاد الطين بلة أن تطلق أبي من والدتي فبقيت في المنتصف، عانيت من فوبيا إقامة العلاقات، كنت أراني فاشلة ولا قدرة لدي على أن أجعل أحدهم سعيدًا، أجيد التهرب فقط، أتهرب من شاب اعترف بإعجابه لي كأنه لم يفعل يومًا، أنهي علاقتي ببرودة مع آخر بالرغم من أنني أحاول أن أجرب إلا أنني سرعان ما أتراجع بسبب الخوف من الفشل».
عن فوبيا إقامة علاقة عاطفية!
«لم يكن أحد قادرًا على سد الفراغ الذي بداخلي بعد رحيلة، بالرغم من أنني تلاعبت بقلوب الكثيرين حتى أنساه، إلا أن أبا تمام صدق حين قال «ما الحب إلا للحبيب الأول»، فحبنا ورغم أنه مات فإنه ما زال حيًّا بدواخلي، ما زلت متأملة أن يعود رغم أنه مضى عام ونيف على فراقنا، ليالي السنة قضيتها وأنا أقرأ محادثاتنا رغم أنني حظرته ولم أندم، صورنا ما زلت أحتفظ بها كلها، وأنا التي أظل أقلبها حتى أغفو من البكاء، الأغاني التي كان قد أرسلها لي ما زلت أستمع إليها منذ الاستيقاظ حتى أحط رأسي كي أنام».
هل الوقوع في الحب جريمة؟
«لطالما تساءلت عن ما إذا كان الحب جريمة، قصتي معها ابتدأت في رحاب المعهد الذي درسنا فيه نفس التخصص، كنا نوهم الجميع أننا أصدقاء في حين أن ما كان يربط بيننا أكثر من صداقة، كان حبًّا لذيذًا لا قدرة للكلمات على وصفه، تخرجنا من المعهد الذي جمعنا مدة أربع سنوات، كنت أنتظر أن يوفر لي سوق الشغل وظيفة كي أتقدم لخطوبتها من والدها، إلا أن آخر سبقني وطار بها بعيدًا بعدما أخبرتني أن الذي تقدم لها ميسور الدخل، يتوفر على منزل وسيارة، وأنا الذي لم أكن أملك حتى راتبًا شهريًّا، انتهى ما بيننا، كنت أشاهد كل صباح خطيبها يوصلها إلى الجامعة بعدما اختارت أن تكمل الماجستير، كنت قادرًا على استحمال كل شيء ما عدا أن أراهما سعيدين وأنا الذي كنت أكتوي بنار الفراق.
دخلت في علاقات كثيرة كنت الطرف الذي يتلاعب فيها بمشاعر الفتيات، لم أقف عند هذا الحد بل اتخذت ما وقع سببًا لأشفي غليلي عبر الانتقام من شابات لم يكن لهن ذنب سوى أن أحببن رجلًا كسرت أخرى قلبه، كنت أتلاعب بهذه وتلك، أقيم ألف علاقة في اليوم، أوهم هذه بالحب وأرحل، أشعِرُ هذه أنني معجب بها حتى تعترف لي وأخبرها أنني أعدها بمثابة أختي، كنت أشعر بأنني أشفي غليلي حينما أكسر قلب إحداهن كما كُسِر قلبي سابقًا».
هل الحب عبء؟
«لم أكن شابًا يعرف للعلاقات طريقًا، قضيت جل العقدين بين عشقي للكرة والسفر رفقة الأصدقاء، وبين هوايات أخرى أبعدتني عنها الحياة، شاءت الأقدار أن أغادر الدراسة بعد مرض والدي بمرض خطير، استلزم ذلك مني أن أتحرك حتى لا تموت والدتي وأختي الصغيرة من الجوع، وحتى يحصل أبي على الدواء الذي كان مرضه في أمس الحاجة إليه، اشتغلتُ رغبةً في أن أنقذ عائلتي من الفقر، تخليت عن كل شيء في سبيل أن لا أرى والدتي تشتغل بعد أن وصلت إلى ذلك العمر، لم يكن هذا هو السبب الوحيد، كانت أختي الصغيرة تستعد للالتحاق بالجامعة فكنت أعلم أن مصاريف دراستها وتنقلها ستزداد حتمًا، كان عملي بسيطًا، إلا أنه كان يؤمن لي دخلًا مقبولًا أقضي به كل ما سلف ذكره، لم يكن لدي وقت لإقامة علاقة حب أو توريط فتاة معي وأنا الذي أحمل مسؤوليات من مقدمة رأسي إلى أخمص قدمي، لم أكن استطيع إعالة نفسي فما بالك بتحمل عبء شخص آخر.
أعجبت سابقًا بإحداهن حتى إنني أظن وكأنها تشاركني الإعجاب أيضًا، الا أنني لم أصارحها يومًا بالأمر، حتى إنني بدأت أتهرب عند رؤيتها كي لا تبني معي عشًّا من الأحلام التي لن أكون قادرًا على تحقيقها برفقتها، بقيَتْ تتوسم بي كل الخير إلا أن كرامتها دفعتها للرحيل بعدما يئست مني، بلغت من عمري الثلاثين سنة، وما زلت أراني لا أستطيع أن أربط حياتي بأي امرأة».
انتصر الرهاب ومات حبنا!
تعرفت على شريكتي في الغربة، كنا ندرس نحن الاثنان الماجستير، بدأت علاقة حبنا من خلال مقاعد الدراسة، كنا نملك الحرية التامة لنخرج ونجوب الأزقة باعتبار أننا كنا في بلد لا يعرفنا فيه أحد، تطورت علاقتنا، امتدت لعامين ونيف، عدنا إلى بلدنا في عطلة الصيف، أخبرت والداي بأنني أريد أن أتقدم إليها، سارت الأمور كلها على ما يرام حتى إنني اقتنعتُ بأنها الشخص الذي يناسبني لأكمل معه ما تبقى لي من الحياة، إلا أنني تراجعت في منتصف الطريق، لسبب ما زلت أجهله إلى حد الآن، كنت أحبها إلا أنني لم أكن مستعدًا للزواج منها.
تراجعت بعدما جهزت عائلاتنا كل شيء يخص خطوبتنا، أخبرتها بأنني لست مستعدًا، وبأنني أجهل سبب التراجع، وحفاظًا على كرامتها، أخبرت عائلتي وأصدقاءنا أنها من تراجعت، وضعت الحد لكل ما كان بيننا، لم أكن مستعدًا لتحمل المسؤولية، لم أكن قادرًا على بناء أسرة، والحصول على أولاد كنت أخشى أن لا أكون قادرًا على إسعادهما.
عن الحب والحبيب الأول!
بعد مرور أعوام على نهاية علاقتي بالرجل الأول الذي أقمت معه علاقة، جربت مرارًا أن أواعد رجالًا آخرين، إلا أن كل علاقة كانت دائمًا ما تنتهي باستسلامي، والاعتذار من الطرف الآخر بالرغم من أنه يكون مستعدًّا لإعطائي كامل الوقت لأسترخي وأعيد النظر في علاقتنا، لم تكن لي القدرة على نسيان من خفق له قلبي من الوهلة الأولى، كان لي عملي الخاص وحياتي الخاصة، وقتي مليء ولدي أصدقاء أرافقهم في كل عطلة، أستمتع معهم إلا أنني بمجرد أن أتذكره كان الأمر ينغص علي الحياة، فأفقد الرغبة في العمل والاستمتاع، وأتوق للبقاء وحيدة، كنت مستعدة لفعل كل شيء حتى أنسى رجلًا عيشني في حب لذيذ ورحل، واعدت الكثير من الرجال إلا أنني كنت أنسحب كلما أحسست أن أحدهم تعلق بي، لم تكن لي رغبة في الوقوع في الحب مجددًا، حتى إنني أشعر بالخيانة حينما أدعو أحدهم بحبيبي، فكان لزامًا علي أن أنسحب من كل علاقة كانت تعيدني إلى الماضي، وتعيد إلي ذكريات الحبيب الأول.
ماذا يقول علم النفس عن رهاب الحب؟
يصنف علم النفس «رهاب الحب» في خانة الأمراض النفسية التي قد يعاني منها أي إنسان في فترة من حياته، وقد تطول هذه الفترة لتشمل حياة الفرد بأكملها.
إنه الخوف من الوقوع في الحب أو أي ارتباط عاطفي يكون لأسباب تختلف من شخص إلى آخر، فقد يعاني شخص من الرهاب بسبب خيانة شريكه السابق، خاصة إذا كانت علاقة الاثنين مبنية على الكثير من الثقة الحب، فتكون الخيانة بمثابة الصدمة التي تجعل طرفًا من العلاقة يخشى الارتباط وإقامة علاقة عاطفية أخرى، خشية أن يخونه شريكه مجددًا، فيعيد الشعور بنخيبة الأمل نفسها والانكسار، وقد ينشأ الرهاب عند الإنسان منذ الصغر، فحينما يرى طفل صغير والديه يتشاجران دائمًا يعتقد بأن جل العلاقات يكون بها صراع بين الطرفين، فيخشى أن يقع هو الآخر في الأمر ذاته؛ مما يجعله يعزف عن إقامة علاقة عاطفية، كما أن الإهمال، وسوء المعاملة، أو موت عزيز قد يكون أيضًا سببًا في امتناع الفرد عن البحث عن شريك، كما أن خبراء علم النفس يرون بأن الفيلوفوبيا قد لا تشمل الحب فقط، بل قد تجعل المريض يتحاشى تكوين العلاقات مع الجميع، قد يتحاشى المكان الذي يجتمع فيه الناس بكثرة، يمتنع عن المناقشة مع أفراد عائلته وأصدقائه وجيرانه أيضًا.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست