ما إن تلج بقدميك ردهة الفندق التاريخي، حتى يحتضنك الشعور بالدفء الذي يسيطر على المكان، فكل غرفة وكل منطقة فيه تحمل قصة للعظماء والمشاهير؛ فبين أروقته تنقل المخادع الإنجليزي الكبير تشرشل، واحتضنت إحدى غرفه البطل مونتجمري قائد الحرب العظمى الثانية، وفيها من قصص العشق والغرام المفعمة بالأحاسيس المرهفة، والتي تضفي عليها إطلالة الأهرامات مذاقًا خاصًا.
فندق مينا هاوس أو استراحة الخديوي إسماعيل أو قصر أوجيني، كل هذه أسماء تطُلق عليه، الذي احتوت جنبات غرفه مزيجًا من قصص العشق التي مازالت جدرانه شاهدة عليها، فهنا كان يلتقي “أحمد حسنين” باشا بالمطربة أسمهان، وهنا اجتمع عمر الشريف بالفاتنة فاتن حمامة، وفيه دفن الخديوي إسماعيل حبه للإمبراطورة الفرنسية أوجيني، وفيه قضت كاتبة الجريمة الأشهر في العالم “أجاثا كريستي” لياليَ وأيامًا وهي تكتب روايتها الأشهر على الإطلاق “جريمة في وادي النيل”.
بناه الخديوي إسماعيل باشا في عام 1969، ليكون استراحة له ولأسرته أثناء رحلات الصيد التي كان يقوم بها في الفيوم، وكانت تلك الربوة من أنسب الأماكن وأجملها على الإطلاق، وزوده بحدائق رائعة ذات روائح عطرية جميلة، ومساحات خضراء شاسعة، وقد شهد حفل افتتاح قناة السويس والذي ظل لمدة 30 يوما متصلة، وكانت من بين الحضور إمبراطورة فرنسا “أوجيني” زوجة الإمبراطور نابليون الثالث الذي تركته في فرنسا وحضرت هي احتفالات الافتتاح، وقد افتتن بها الخديوي إسماعيل، وشهد القصر أولى حالات العشق “الممنوع”، فلا الخديوي صارحها بحبه، ولا هي كانت تستطيع مجاراته، رغم أنها ظلت على اتصال بالفندق حتى وفاتها.
شهد فندق مينا هاوس أول شهر عسل بين الزوجين البريطانيين “فريدريك وجيسي هيد” اللذين اشتريا القصر في عام 1883 من الخديوي توفيق لحاجته للمال، وذلك الثري الإنجليزي فريدريك هو الذي أعطى استراحة إسماعيل اسمها الحالي، فقد أطلق عليه اسم “مينا” نسبة للفرعون المصري العظيم.
توالت على الفندق أسرة إنجليزية أخرى اشترته في عام 1885، وحولته إلى فندق، وأطلقت عليه اسم “مينا هاوس”.
شهد الفندق قصة غرامية عنيفة بين رئيس الديوان الملكي “أحمد حسنين باشا”، والمطربة الشهيرة “أسمهان”، وبحسب العاملين في الفندق، كان الباشا يلتقي بأسمهان في إحدى غرف الفندق؛ كان حسنين باشا يجذب السيدات إليه بأناقته ووسامته، وكانت أسمهان من بين معشوقاته الكثيرات، وقد اتفق على الزواج ولكن وقفت تطلعات حسنين باشا حائلا دون ذلك، فقد تقرب العشيق إلى الملكة الأم “نازلي” والدة الملك فاروق، وتزوجته سرا، وهذا جعل أسمهان تتزوج من الممثل والمنتج أحمد سالم انتقاما من أحمد حسنين باشا.
ولكن حسنين باشا اعترف لها أنه يحبها وأن زواجه من الملكة الأم لا يهدف إلا للمصلحة فقط – وبحسب الوقائع فإن الملك فاروق هو الذي عرف أسمهان بخبر زواج حسنين باشا لأنه كان يعلم قصة الحب بينهما، وكان فاروق يشتهي المطربة الفاتنة، لذا قام بتسريب خبر زواج حسنين باشا من والدته – وقد عاد حسنين باشا ليثبت لأسمهان أنه مازال يحبها، وتطورت الأحداث حتى كاد زوجها أحمد سالم أن يقتلها بأن أطلق عليها الرصاص حتى لا تذهب لحسنين باشا “فندق مينا هاوس”؛ حتى أنه شاعت في تلك الفترة، أن أسمهان ماتت مقتولة غرقا في الترعة عام 1944 بدافع انتقامي من أحمد سالم، طليقها في ذلك الوقت.
على أرض الفندق، كان يقضي عمر الشريف الوسيم مع فاتنته “فاتن حمامة” أياما يستجمان فيها، ويعيدان ذكريات الغزل والحب.
احتضن الفندق قصة الحب الملتهبة بين “عبد الحليم حافظ والجميلة مريم فخر الدين” في الفيلم الشهير “حكاية حب” والذي أمسى من كلاسيكيات السينما لما فيه من عشق وحب ووفاء منقطع النظير.
واحتضن الفندق عددًا من المشاهير والملوك لعل أبرزهم “رئيس وزراء إنجلترا تشرشل، ولا يزال هناك جناح خاص به، والبطل القائد مونتجمري ولا يزال هناك جناح خاص يحمل اسمه، والكاتبة البريطانية الشهيرة “أجاثا كريستي” والتي خطت روايتها الشهيرة “جريمة في وادي الملوك”، وفيه حضر ملك بريطانيا جورج الخامس مأدبة غداء برفقة زوجته الملكة ماري عام 1909، وفيها قضى ملك ألبانيا “زوغنجريد” أياما، ولهذا الملك قصة نادرة، فعندما جاء إلى الفندق لم تتسع خزائن الفندق لمجوهراته، لذا قامت إدارة الفندق بشراء خزينة خاصة له.
أيضا، احتضنت غرف الفندق مؤتمر السلام بين الرئيس الراحل أنور السادات وبين جيمي كارتر ومناحم بيجين فيما عرف بمؤتمر مينا هاوس، وزاره الرئيس الأمريكي نيكسون، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر في عام 1974، ورئيس فرنسا ساركوزي، والممثل شارلي شابلن، والمغني العالمي فرانك سيناترا، وأم كلثوم تقضي عادة بضعة أيام بالفندق للراحة بعد كل حفلة غنائية ولها جناح باسمها.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست