مدينة من أهم وأجمل واعرق المدن بالعالم، مدينة سبقت الزمن وظلت إلى يومنا هذا شاهده على عبقرية المصريين القدماء. مدينة آمون، مدينة الصولجان.. مدينة الملوك.. مدينة المائة باب.. وطيبة.. كلها أسماء لمدينة الأقصر، أكبر متحف مكشوف في العالم؛ إذ تضم أكبر تجمع للآثار في مكان واحد، وسميت بالأقصر لكثرة معابدها وقصورها، آثارها تحدت الزمن وشاهده على مكانة وقوة من بناها.
طيبة كانت البداية للحضارة التي أبهرت العالم، وما زالت تعطى بريقًا إلى الآن، الأقصر في البداية كانت عاصمة للإقليم الرابع، عادة كان الأجداد المصريون يذكرون الأقاليم من الجنوب إلى الشمال بمعنى أن البداية كانت في الجنوب والنهاية في الشمال، ترى في المنحوتات القديمة وكتب الحضارة الفرعونية (ملك الجنوب والشمال – مصر العليا والسفلى) لأن النيل يأتي من الجنوب والنيل هو شعاع ومصدر الحياة بمصر، فكانت الأقصر عاصمة إقليمية وصولًا إلى الدولة الوسطى منذ 4 آلاف عام تقريبًا عند إعادة توحيد البلاد كانت الأقصر هي العاصمة، ومنها حارب المصريون القدماء الهكسوس فكانت أقوى عاصمة مصرية للدولة الحديثة.
سأعطي لكم إطلاله سريعة على بعض معابد مدينة الكنوز، والتي تظهر عبقرية الحضارة المصرية؛ لأنه لا توجد مدينة بالعالم تضم هذا الكم الهائل من المواقع الأثرية المصنفة ضمن أهم المواقع العالمية مثل مدينة الأقصر.
وادي الملوك
وادي الملوك تقع في البر الغربي لمدينة الأقصر، يحتوي وادي الملوك على 64 مقبرة منها 28 مقبرة ملكية، منها 26 ملكًا وملكتين، وهما الملكة حتشبسوت والملكة تاو سريت، ويرجع اختيار هذا الموقع للملك تحتمس الأول واختار مكانًا منعزلًا ليكون بعيد عن أعين اللصوص خلف صخور جبل طيبة، فكان وادي الملوك المكان الذي يضم معظم مقابر ملوك الدولة الحديثة من الاسرة الثامنة عشر للأسرة العشرين ومن أهم المقابر التي عثر عليها في وادي الملوك رغم صغر حجمها هي مقبرة الملك المصري الشهير توت عنخ آمون، ويرجع هذا إلى قيمة الكنوز البديعة والقطع الأثرية التي عثر عليها داخل المقبرة. المصريون القدماء كانوا يؤمنون بقدسية الموت، ويعتبرونه بداية الرحلة التي يقوم بها المتوفى، وتكون على مركب تنقله للعالم الآخر لذلك يعتبر وادي الملوك من أعظم المواقع الأثرية في العالم.
معبد مدينة هابو
هذا المعبد يجمع بين القداسة الروحية والانتصارات وهو من أجمل المعابد بمدينة الأقصر وأكثرها فخامة، أمر ببنائه الملك رمسيس الثالث ويعتبر من أعظم معابد الدولة الحديثة المعروف بجمال نقوشه وألوانه إلى الآن تحتفظ بزهوتها، بالرغم من مرور أكثر من 3 آلاف عام عليها.
وجهة المعبد ضخمة ويوجد عليها منظر للملك رمسيس الثالث، وهو يقهر أعداء مصر، وعلى جدرانه رُسمت مناظر يوثق فيها الانتصار على قبائل شعوب البحر والحملات البحرية في عصر الاسرة العشرين، يوجد في مدينة هابو معابد مهمة توثق عصور أخرى غير عصر الملك رمسيس الثالث كلها تدل على الأهمية الدينية والروحية لهذه المدينة بغرب مدينة الأقصر.
معبد حتشبسوت
تحفة معمارية رائعة أُمر ببنائه في البر الغربي في حضن الجبل بالدير البحري، معبد جنائزي للملكة حتشبسوت من تصميم المهندس المصري العبقري سيننموت، وأطلق عليه بالمصرية القديمة جيسرو جيسرو، وتعني أقدس المقدسات.
المعبد يشهد على مكانة المرأة المصرية تاريخيًا وقدرتها على حكم البلاد وتشييد أروع وأفخم القصور والمعابد، سجلت الملكة حتشبسوت على جدران معبدها أقدم تسجيل تاريخي لأدب الرحلات.
حتشبسوت ملكة وابنة ملك وزوجة ملك سجلت أيضًا على جدران معبدها حيثية شرعية حكمها للبلاد، وورثت حكم مصر؛ ليس لأن والدها تحتمس الأول، وسماها وريثة شرعية لحكمة، بل لأن والدها هو آمون نفسه.
مجمع معابد الكرنك
بني القدماء المصريون في مجمع المعابد أعظم تراث بشري، وأحد أكبر المجمعات الدينية في العالم القديم، يأتي إليه الناس من كل أنحاء العالم، أيقونة الحضارة والعمارة المصرية القديمة، ورمز من رموز العواصم الأسطورية المدينة الخالدة طيبة مجمع المعابد بدأً بمقصورة صغيرة لأمون، جرى بنائها في عصر الدولة الوسطي، تحديدًا في عصر الملك المصري سنوسيت الأول استمرت اعمال الانشاء والتوسعات حتي العصر الروماني وساهم في بنائه أكثر من 30 ملكًا بمصر، ليترك كل ملك بصمة له يذكره بها أحفاده، شيدوا معابد وآثار لتكون شاهدة على عصره، إلى أن تحول إلى مجمع ديني متكامل يضم معابد تمثل العديد من مقدسات المصريين القدماء على مر فترة طويلة من التاريخ.
مجمع معابد الكرنك يتكون من أربعة أجزاء رئيسة، معبد آمون رع، ومعبد موت، ومعبد مونتو، ومعبد أمنحوتب الرابع الذي جرى تفكيكه، بالإضافة إلى عدد المعابد الصغيرة.
طريق الكباش
طريق الكباش يصل بين الكرنك ومعبد الأقصر وكان اسم الطريق في العصر القديم طريق وادي نصر يمتد لمسافة 2700م، ويصل عرضه 76م يحتوي على أكثر من 1057 تمثال منهم 807 تمثال يحملون رأس أبي الهول على جانبي الطريق، و250 تمثال 120 في جهة يحملون رأس أبي الهول، و130 تمثال على الجانب الآخر يحملون رأس كبش، واختار المصريون القدماء رأس الكبش؛ لأنه رمز المعبود آمون، ويرجع هذا الطريق إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد بمعنى آخر طريق عمره أكثر من 3400 عام.
معبد الأقصر
كان اسمه في الدولة الحديثة الحرم الجنوبي، ولكن جرى بناء المعبد، وتم في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ثم استؤنف البناء في القرن الرابع عشر قبل الميلاد عن طريق أمنحوتب الثالث، ورمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على مر الزمان عندما يأتي ملك يضع بصمة له وأثرًا يذكره به التاريخ، الإسكندر الأكبر عندما جاء إلى مصر بني قدس الأقداس، وتحولت أجزاء منه إلى معسكر روماني، وتحولت أجزاء منه أيضًا إلى كنيسة، وجاء المسلمين في عصر الدولة الأيوبية ليشيدوا فيه مسجد أبي الحجاج في أواخر عصر الدولة الأيوبية.
وجهة المعبد تحتوي على مسلتين واحدة منهم اهداها الملك فؤاد الأول لفرنسا ووصلت هناك عام 1836م والأخرى موجودة على باب المعبد، تحتوي هذه المسلة على نصوص للملك رمسيس الثاني وهو يقدم القرابين للمعبود آمون رع ويهب له المسلات، وعليها أيضًا نقوش لمعركة شهيرة وهي معركة قادش ومكتوب عليها نصوص بالهيروغليفية لمعاهدة سلام من القرن الثالث عشر قبل الميلاد ضد الحيثيين، في الواجهة ستة تماثيل للملك رمسيس الثاني، اثنان له وهو جالس، وأربعة وهو واقف.
وضع المصريون القدماء نقوشًا على حجر بمعبد الأقصر تظهر فيه سر الحضارة المصرية، هذه النقوش على زهرة اللوتس وزهرة البردي معقودين مع بعضهم، ويمسك هذه العقدة إله الفيضان آمون رع فيما معناه لكي تجد القوة لابد عن الاتحاد.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست