وفقا للدستور المغربي البرلمان مسؤول عن ممارسة السلطة التشريعية، فهو يسن القوانين ويساهم في تعديل القوانين و يصوت على تطبيقها، كما ينص الدستور على أن البرلمان يراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية ويسائل الوزارات حول الكيفية التي يتم بها تنفيذ السياسات، و الإدلاء بملتمس الرقابة أو سحب الثقة من الحكومة.
لكن ما لفت الانتباه هو أنه ليست الحكومة من أتت بالتعديل الذي يتيح احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجَّلين في القوائم الانتخابية عوض المُصوِّتين خلال الاقتراع البرلماني، بل تقدمت به فرق المعارضة والأغلبية، وصوتت لصالحه ضد الحكومة في سابقة هي الأولى من نوعها، وهو ما يفيد بأن الحكومة فقدت أغلبيتها داخل مجلس النواب.
فما هي السبل التي منحها الدستور في هذه الواقعة؟
إذا كان تعيين الحكومة اختصاص الملك، فإن تنصبيها من صلاحيات البرلمان بعد التصويت على البرنامج الحكومي. ولا تعتبر الحكومة منصبة دستوريًّا إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه لصالح البرنامج الحكومي.
على بعد خطوات من انتخابات 2021، تقدمت بعض الفرق النيابية بتعديل على مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب ومنها فرق بالأغلبية الحكومية، باعتماد قاسم انتخابي يحتسب على أساس المسجلين؛ إذ لأول مرة لا تُصوِّت أحزاب الأغلبية على مشروع الحكومة التي رفضت التعديل، وهو ما يعني أن الحكومة فقدت أغلبيتها التي تدعمها داخل مجلس النواب، ما يفيد إمكانية تفعيل الفصل 103 من الدستور، وينص هذا الفصل 103 على أنه «يمكن لرئيس الحكومة أن يربط، لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه… ولا يمكن سحب الثقة من الحكومة، أو رفض النص، إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب. ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على تاريخ طرح مسألة الثقة. ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية»
جدير بالذكر أن الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، تنقسم إلى قسمين: رقابة مباشرة وأخرى غير مباشرة. فالرقابة المباشرة هي وسيلة دستورية بواسطتها يتولى البرلمان محاسبة الحكومة سياسيًّا عن طريق تقييم أعمالها وسياساتها العمومية، وقد يترتب عنها إسقاط الحكومة، وهي النتيجة السياسية التي يتقاسمها ملتمس الرقابة مع مسطرة سحب الثقة من الحكومة.
أما الرقابة غير المباشرة المسندة لأعضاء مجلسي البرلمان فلا يترتب عنها جزاء تقديم الحكومة لاستقالتها، وتشمل الأسئلة الكتابية والشفهية، لجان التحقيق، الأسئلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة، ملتمس مساءلة الحكومة من طرف مجلس المستشارين، عرض رئيس الحكومة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة أمام البرلمان، والاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية.
من المعلوم أن جميع الدساتير التي عرفتها المملكة، نصت على ملتمس الرقابة، ومارسه البرلمان المغربي مرتين، الأولى في 1964 بمبادرة من فريق المعارضة البرلمانية، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. والملتمس الثاني كان في 1990 بمبادرة من المعارضة البرلمانية المتمثلة في حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي. دون الحصول على النصاب الدستوري لإسقاط الحكومة في كلتا الحالتين. مع احترام مبدأ فصل السلطات و التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية دون تعدي سلطة على سلطة أخرى.
ونظرا لأهمية ملتمس الرقابة كآلية رقابية سياسية على الحكومة يتوفر عليها البرلمان، فإن المشروع الدستوري أولاها مكانة مهمة ضمن بنية الدساتير التي عرفها المغرب شرط توفر النصاب الدستوري.
وجاء دستور 2011، بمستجدات متعلقة بملتمس الرقابة، إذ ينص الفصل 105 أنه يجوز لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس الرقابة، ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس.
تجدر الاشارة إلى أن مسالة الثقة طرحت منذ دستور 1962 من خلال الفصل 80 من الباب الخامس في العلاقات بين البرلمان والحكومة: بإمكان الوزير الأول بعد المداولة بالمجلس الوزاري، أن يربط أمام مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يقوم به الوزير الأول في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص يطلب المصادقة عليه.
ولا يمكن سحب الثقة من الحكومة أو رفض النص إلا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب.
لا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على اليوم الذي طرحت فيه مسألة الثقة.
يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية.
ترتبط استقالة رئيس الحكومة بحالة عدم منح الثقة للبرنامج السياسي للحكومة الفصل 88 أو تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه الفصل 103 أو اعتماد ملتمس للرقابة الفصل 105. كما يمكن للاستقالة أن تكون أيضًا طواعية. ولا يمكن تشكيل حكومة جديدة إلا في حال استقالة الحكومة السابقة. ثم إن التغييرات أو التبديلات التي تطرأ من دون استقالة رئيس الحكومة هي تعديلات حكومية. وللملك وحده أن يعفي الحكومة من مهامها بموجب الفصل 47. وطالما لم يفعل ذلك تظل الحكومة على رأس عملها. و إذا قدم رئيس الحكومة استقالته، تقتصر مهمة الحكومة على تصريف الأعمال.
ليظل تقييـم الممارسـة الواقعيـة للمسـتجدات الدسـتورية والديمقراطية مادة دسمة للبحث والدراسة، مع التفاوتات الملاحظة في فهم الدستور من المؤسسات الحزبية.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست