أيها المشرق العربي تفهم المغرب العربي!
بعد أن قال كابتن الرحلة بصوت جميل: خمس دقائق للهبوط، نظرت أسفل يميني لأرى المدينة الجميلة التي نطير فوقها. على عجالة رصدت عيني المساحات الكبيرة التي تغطيها الألوان الصفراء والخضراء والتي تضطجع على ساحل البحر الهائل الجميل. ثم فجأة وقبل أن نهبط في مطار قرطاج الدولي في مدينة تونس، أخذت الطائرة تتراقص بالشكل الذي جعل البحر والسماء يبدوان لي كقطعة واحدة.
«إن مشهد الالتحام بين البحر والسماء لهو لوحة واحدة تتساءل بإلحاح:
ألا يمثل البحر بعمقه وعظمته طريقًا وعملًا ينتهي به الأمر إلى السماء؟ ألا تمثل السماء أيضًا أفقًا لا محدودًا يلتحم في اللوحة التي أمامنا مع البحر ليشكل أمرًا عظيمًا؟ كيف يمكننا أن نقرأ البحر بلغتنا؟ أن نصفه أولًا؟ وبما يمكن وصفه، العمق، الطول، الحركة (مدًا وجزرًا)، ندركه بكل حواسنا. ننظر إليه، نسمع صوت تلاطم أمواجه، ندخل فيه، نغوص أو نركبه، ألا يمثل كل ذلك أدواتنا وإمكانياتنا وطريق عملنا؟ والسماء؛ أليست هي الأفق؟ ألا تمثل الغايات والأهداف الرئيسية التي يمكننا رؤيتها فقط؟
عن قريب، يمكنك أن ترى حجم المسافة بين البحر والسماء وقد تقول: ما علاقة عملي هذا الآن بأهدافي؟ ولكنك لو عملت zoom out ووقفت على الساحل بنظرة تقييم لرأيت تلاحم الأهداف مع القدرات، لرأيت بأم أم عينك البداية والنهاية، البذور والثمار. لتشكل هذه اللوحة الكاملة «المنتج» الذي تسعى لتحقيقه، هكذا أسر لي البحر أول ما رأيته يتمايل على ساحليه».
وصلت تونس والأفكار التي يحملها أي شخص من المشرق العربي تزور ذهني مجددًا. إنه المغرب العربي، بكل شخوصه وثوراته وعلمائه وعظمائه. والسؤال: لماذا هنالك اختلاف واضح في المظهر الخارجي عنا؟ لماذا هم على هذه الحال؟ أليسوا عربًا، مسلمين؟
إن التحدي القائم في كل مكان من هذا العالم يفرض على المجتمع الذي يعيش فيه شكلًا معينًا ولونًا مختلفًا من ألوان الثقافة. ولا نعني هنا باختلاف في العادات والتقاليد فحسب بل اختلاف الثقافة الدينية حتى. مؤمن أن للجغرافية الأثر البالغ في تشكيل المجتمعات، نعرف أن للطقس أثره أيضًا. ونعي تمامًا أن لتاريخ الشعوب الأثر في تشكيل هويتها ومقدساتها. تمامًا نعي ذلك ولكن يمكن أن نضيف «التحدي» كعامل مؤثر في الثقافة المحلية للمجتمعات.
الشكل الذي عليه سكان المشرق من ثقافة دينية يختلف عما في المغرب. يؤثر تحدي المنطقة بشكل أساسي في الأمر. الدول المؤثرة، دول الجوار، الوعي السياسي، دول الاحتلال، الرموز، حركة السياحة، الاقتصاد. هذه عوامل بدورها تؤثر على التحدي. أحببت تونس الرائعة أحببت الروابط بين أفرادها، أحببت عواطفهم ومشاعرهم وطيبتهم. وكم أتمنى أن أزورها مرة أخرى. لأستمد منها ما يخفف من جلادة الرجل المشرقي، ولأعطي ما يشد من لينة الرجل المغربي.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست