يعمد العاملون في مجال التسويق «Marketing» إلى بعض الخداع النفسي والتلاعب بالعقول؛ لتحقيق أرباح «Profits» نتيجة الزيادة المنتظرة في المبيعات، من جراء تنفيذ خطط التسويق وقراراته. ولا أجد أي حساسية هنا في استخدام ألفاظ مثل «الخداع أو التلاعب»؛ فهي تعبر عن المعنى المقصود عندي، وتتسق مع عنوان المقال، ولن أستخدمهما في إجراءات محاكمة أخلاقية للمسوقين وعلم التسويق! فالسوق لا تحكمها أخلاق، ولا تعترف إلا بالتدفق المالي «Cash».

عندما تذهب إلى السوق، فأنت لا تقف أمام رف السلع، لتأخذ منها احتياجك، قد تتحير قليلًا أو كثيرًا، لكنك في الأخير تختار، تختار منتجًا واحدًا دون غيره من بين أقرانه، منتجًا واحدًا فقط يشبع حاجتك.

هنا يلعب التسويق دورًا مؤثرًا في توجيه دفة الاختيار وإحداث تفاعلات عملية اتخاذ قرار الشراء «Buying Decision» والتي تنتهي بك لأن تدفن يدك في جيبك وتخرج المال لتدفع لمنتج بعينه، وأنت تظن بل وأنت مملوء باليقين أن هذا المنتج يستحق قرارك بالاختيار، ويستحق أن تدفع فيه مالك.
والقارئ ليس غريبًا على هذا المشهد، مهما كان جنسه أو سنه، فهو هذا الشخص الذي نتحدث عنه، وقد يرى أن هذا الموقف بسيط قصير لا يتضمن كثيرًا من الحقائق والأوهام، ربما ذلك لاعتياده عليه، وتكراره عمليات الشراء، فيؤديها لا شعوريًّا في عقله الباطن، والعقل الباطن هو ملعبنا المقصود.

الشعور بالحاجة نقطة الانطلاق في علم التسويق

هناك فرقٌ بين فعلين: يحتاج «Need»، ويريد «Want»، فالأول يعبر عن الاحتياج الفطري الغريزي لشيء ناقص، وتسمى – الحاجة- وقد تكون الحاجة إما جسدية «مادية»، كالحاجة للطعام والشراب، والجنس، واللبس وغيرها، وإما أن تكون حاجة معنوية فردية، كالحاجة لتحقيق الذات، والشعور بالاحترام والاهتمام، وقد تكون حاجة معنوية اجتماعية، لها علاقة بالمجتمع ونظرة الناس إليك، كالحاجة إلى الانتماء والحصول على التقدير والثناء.
أما كلمة يريد «Want» فهي تعبر عن صورة الاحتياج الذي شرحته آنفًا، بمعنى أنك لو كنت محتاجًا «Need» إلى الطعام، فإن تفضيلك للبيتزا أو للبرجر هو الرغبة «Want»، هذا هو الفرق، أن الأول هو الاحتياج في صورته الخام من دون تحديد طريقة الإشباع، أي ليس له علاقة بالمنتجات والاختيار والتفضيل بينها، وهو رغم ذلك له حكم الضرورة، ويلح على صاحبه حتى يحدث الإشباع، أما الثاني فهو طريقة الإشباع، أو الطريقة التي ارتضيتها لتشبع هذه الحاجة، أي إنه صورة الاحتياج في شكل سلعة، وهو ليس ضروريًّا حتميًّا، بمعنى أنك قد تكون جائعًا، وأنك ترغب في البيج ماك، فهل لو لم تتوفر البيتزا؛ لن يحدث الإشباع وسد الاحتياج؟! بالطبع لا، ستأكل ما قد تصادفه وينتهي إلحاح الحاجة البيولوجية «الجوع»، لكن السؤال الذي يجب أن يفكر فيه كل جائع:«ما الذي جعله يفضل البيج ماك على غيره، ويجعله في صدر الأولوية لإشباع حاجته؟ لماذا تقدِّم هذا الصنف على سواه من المعروضات وأشباهه من المنتجات؟ هنا يكمن شيطان التسويق.

قرارات الشراء ليست عقلية محضة

الخدعة التي تحصل على المستوى النفسي هو أن المروجين يعملون على تبديل الرغبة محل الحاجة، بعبارة أخرى: يحاول المروج لمنتجه أن يقنع عملاءه المحتملين بأنهم يحتاجون إلى منتجه وأنه ضروري وضرورته ملحة للإشباع، فعليهم أن يشتروا هذا المنتج دون سواه من منتجات المنافسين.
بالطبع فإن خبراء التسويق لا يقولون هذا على الشاشات أو في إعلاناتهم بشكل صريح، لكن كلامهم وإعلاناتهم تتضمن هذا الذي نقرره في ثناياها.

فأحدُنا يشتري منتجًا من المنتجات لأن هذا المنتج يجعله يشعر شعورًا جيدًا، قد يكون هذا الشعور هو شعور الامتنان «Gratitude»، أو شعور التميز «Uniqueness»، كاقتناء منتجات أبل أو سيارات بنتلي، أو شعور «التباهي والفخر» مثل أن تشتري في مزاد بدلة جاكي شان في فيلم Tuxedo، أو شعور «الثقة» مثل شراء الحذاء نفسه الذي ارتديته من قبل مرةً أخرى، أو ربما حتى شعور الرضا «Just satisfied» بسبب انخفاض السعر أو الحصول على عرض مميز.

وتذكر كم مرةٍ وقفت«ـي» في غرفة تغيير الملابس محتار«ة» في شك من أمر بنطال/جيب، حتى قال لك أحد مرافقيك: «جميلة!»؛ فتحسم«ين» أمرك بالشراء! فقرارات الشراء في الأغلب يكمن وراءها المشاعر، والمشاعر هي التي تقودنا لاتخاذ مثل هذه القرارات يوميًّا.

هذه أمثلة بسيطة ليست للحصر، ولكن حتى نضع أيدينا على هذه الخدعة النفسية، ومرةً أخرى كوننا نصف الأمر بالخدعة لا يعني تغريرًا أو إلحاق ضرر أو عمل غير أخلاقي؛ لكنه الاصطلاح، وكما يقولون دائمًا «لا مشاحة في الاصطلاح»، فهي خدعٌ من ناحية أنها تحدث لنا وتخفى علينا، وكم من خدعة تمنيناها لو كانت حقيقة!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد