محاور العمل

وقبل أن نكمل حديثنا عن (مصفوفة) النظام العالمي والتي تمكنت عبر عقود طويلة من إنشاء عالمها الوهمي الذي تخضع له العقول والأفهام، وأخرجت عقل الأمة المسلمة من أطره الحقيقية ومفاهيمه الواقعية الراسخة، والتي ساد في ظلها قرونًا عدة. يجدر بنا قبل أن نكمل حديثنا ذاك أن ننوه أننا لا نرسخ لنظرية المؤامرة، ولكننا فقط نحاول وصف ذلك العالم الوهمي الذي اُستدرج له عقل أمتنا ووقع في أسره، سعيًا وراء التحرر من قيده، والخروج من أسره.

فمصفوفة النظام العالمي تلك لم تنتهِ إلى ما انتهت إليه إلا عبر ضغوط قوية متواصلة امتدت لعقود طويلة، ولكنها رغم ذلك ما كانت لتصل إلى غايتها لولا حالة من الضعف والضياع تمكنت من كل فئات الأمة وعلى جميع المستويات، حالة من الوهن أصابت قيادة الأمة من مفكرين وعلماء وقادة، فدب ذلك الوهن في عقلها وجسدها متزامنًا مع ضغوط أعدائها حتى وقع المحذور.

والغريب أن حالة الضعف والوهن تلك التي نتكلم عنها، لم تكن الأولى من نوعها التي مرت بأمتنا، فلطالما مرت أمة الإسلام بمنحنى القوة والضعف الذي تمر به كل الأمم، ولكنها كانت في كل مرة لا تكاد تصل إلى منتهى منحنى الضعف حتى تجد يدًا فتية صاعدة تقبض على رايتها وتعاود الارتفاع بها في منحنى القوة من جديد قبل سقوطها.

فبعد الخلفاء الراشدين، حمل الأمويون الراية، ولمّا ضعفت قبضتهم عنها، انتزعها منهم العباسيون انتزاعًا، ومرت الخلافة العباسية بجولات قوة وضعف حتى سقطت من بغداد على أيدي التتار، ثم أعيد إحياؤها في القاهرة في حماية الأيوبيين ثم المماليك، ثم جاء العثمانيون ليحملوا الراية إلى الأستانة، لتجد لها هناك مأوى وملاذًا إلى حين، ثم سقطت الراية من أيدي العثمانيين دون أن تتلقاها يد أخرى!

وعلى الرغم من أنه على مر كل تلك القرون والدول والأيدي الحاملة لراية الإسلام، ضعف كثير من ملامحها، وبهتت ألوانها الزاهية الواضحة، إلا أنها بقيت محتفظة بملامحها الرئيسية وتمايز ألوانها إلى حد كبير. ولكنها لمّا سقطت من يد العثمانيين جرت أكبر عملية تلبيس وخداع على عقول الأمة، أُلقي حولها برايات كثيرة رخيصة خشية أن يتعرف عليها عقل أو تميزها عين، فتقبض عليها أيدي الأمة من جديد وتعاود رفعها!
ولكن كيف حدث ذاك؟

كيف تم تلبيس الراية وتنكيس الحقائق ونصب الأوهام في محراب أمة الإسلام؟!

الحقيقة أن ذلك تم بمحاور عمل ثلاثة، عمل عليها أعداء الأمة.

الأول: طمس المفاهيم الحقيقية للأمة والطعن فيها، بل وتجريمها، حتى زهد فيها أهلها، وبخسوها قيمتها.

الثاني: إيجاد مفاهيم بديلة وترسيخها على اعتبار أنها الحقائق المطلقة، لشغل ذلك الفراغ الذي تركه تفريغ عقول الأمة من ثوابتها.

الثالث: عملية إلهاء كبرى تم توظيفها لشغل العقول عن التفكير في قيمة وحقيقة المفاهيم التي زرعت فيها، والأطر التي وضعت لها. لأن ذلك التفكير قد يؤدي إلى جنوح الأمة لثوابتها الحقيقية مرة أخرى.

والحقيقة أن كل محور من تلك المحاور يحتاج إلى إفراد مقالات له، تأتي تباعًا إن بقي لنا بقية من عمر وعزم.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد