في مصر تربينا على أن الشهرة والثروة والنجومية مرتبطة بطريقين لا ثالث لهما؛ احتراف كرة القدم، أو احتراف التمثيل.. وكنا في الصغر وريعان الشباب تستهوينا أحاديث الإعلام عن أو مع النجوم، سواء من أهل الرياضة أو الفن.

ثم قرأنا وسافرنا واكتشفنا العالم من حولنا، وتبين لنا حجم الخداع الذي كنا نعيش فيه، ومدى الدجل الذي مارسته جهات مشبوهة لتأطير النجومية في الكرة والفن فقط.

في الخارج شاهدنا قدسية العلم ومكانة العلماء، وقرعت طبول آذاننا عبارات «البحث العلمي»، «عجلة الإنتاج»، «حجم الصادرات»، «المدينة التكنولوجية».. أدركنا أن عالم الغرب المتقدم غير محصور في هوليوود ولا في إستاد كرة القدم، كما صوره لنا.

إنه عالم أرحب من ذلك بكثير؛ حيث المصانع على تنوعها وتميزها، وحيث المنتج البصمة الذي يميز البلد عن غيرها من بلدان العالم أجمع.. فهذا موتور كالبيدا إيطالي، وتلك سيارة مرسيدس ألماني، وصاروخ إريان الفرنسي، والجبن الهولندي والشكولاتة السويسري الفاخرة.. والكثير والكثير مما يفوق العد والوصف.

في خارج مصر رأينا أبراجًا تجارية وصناعية جبارة أعلى من برج الجزيرة القاطن في قلب قاهرة المعز، وقد كنا نعتقد أنه أعلى برج في العالم.. ورأينا حاملات طائرات وسفنًا تجارية عملاقة تفوق تلك المراكب الشراعية التي تبحر في النيل «النهر الخالد» وعلى متنها حبيبان وفي نهايتها يجلس المراكبي ومعه الناي يعزف لهما موالًا رومانسيًّا.. بل رأينا شركات صناعية ضخمة تفوق ميزانيتها ميزانية مصر «أم الدنيا».. تلك المقولة التي عشنا متيمين بها ونحلم في أجوائها على إيقاع آلاف الأغاني الوطنية الحماسية التي كانت تحرك مشاعرنا لدرجة أننا كدنا نأكل من ترابها قبل أن نمشي عليه.

والملحمة اليتيمة في حياة المصريين المعاصرين كانت «حرب أكتوبر 73».. تلك الملحمة التي ظلوا يضخموها لنا حتى تصورنا أننا غزونا فيها الدنيا، وليس بلدًا صغيرًا كإسرائيل التي ظلت واستمرت وتضخمت بعد الحرب حتى صارت في مصاف الدول المعتبرة، وتخرج لنا لسانها في الوقت الذي ما زال المصريون يتغنون ببطولات الانتصار.

تجولنا وقرأنا وشاهدنا، فأفقنا من غيبوبة طالت لعقود، لكن الغريب أن المسار العام المصري ما زال في غيبوبته، فقبيل كتابة هذه السطور طالعت أخبارًا من قبيل:

  • في مصر.. حملة الدكتوراه “عواطلية”.

نظم حملة الماجستير والدكتوراه، وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء لعرض مطالبهم في التعيين بالوظائف الحكومية والإدارية بالدولة والتي لم تنفذ، وبعد ساعتين نقلوا احتجاجهم إلى ميدان التحرير، الأمر الذي لم تقبل به الحكومة المصرية، فتوجهت قوة أمنية من عشرات أفراد الأمن المركزي لتفريق المحتجين بالقنابل المسيلة للدموع وإلقاء القبض على المنسقين لحملة الماجستير والدكتوراه.

  • شبكة «النهار» أصدرت بيانًا، أعلنت فيه عودة الإعلامية ريهام سعيد، لتقديم برنامج «صبايا الخير» مرة أخرى، وذلك لاستكمال دورها الخيري والإنساني.

جدير بالذكر أن برنامج «صبايا الخير» قد توقف منذ شهر؛ وذلك بعد الهجوم الذي تعرضت له ريهام سعيد؛ بسبب عرضها لصور شخصية لفتاة تعرضت للتحرش.

  • محمد أبوتريكة يحصل على الرخصة C

قام عبد المنعم شطة؛ المدير الفني للاتحاد الأفريقي لكرة القدم «كاف»، والدكتور محمود سعد؛ المدير الفني للاتحاد المصري، والكابتن فتحي نصير؛ المحاضر الدولي، بتوزيع الشهادات على الدارسين في دورة الرخصة c، والتي نظمتها منطقة الجيزة لكرة القدم بنادي الصيد بمدينة السادس من أكتوبر. شارك في الدورة النجم المعتزل محمد أبوتريكة واجتازها بنجاح.

هذا غيض من فيض، فيض غيبوبة مصرية عجيبة. لكن إحقاقًا للحق لابد أن نعترف أنه حدث تغيير في إطار هذه الغيبوبة، تغير بمثابة انفراجة نسبية، حيث توسع مجال النجومية ليشمل برامج الطهي التي يقدمها الشيف المتألق والطباخ المتميز.

نجوم جدد يضافون إلى رصيد النجومية المصرية تطالع معهم أخبارًا من قبيل:

  • مواقع التواصل وبرامج الطهي سحبت البساط من تحت أقدام كتاب «أبلة نظيرة».
  • اشتعال المنافسة بين القنوات على برامج الطهي والشيفات. حيث يقول الخبر:

“يبدو أن برامج الطهي تثير اهتمام الفضائيات بصورة كبيرة، خاصة أن لها جماهيرية عريضة، وتزداد هذه الشعبية مع دخول شهر رمضان، ومن هنا فقد أطلقت مجموعة قنوات (سي بي سي) أول قناة متخصصة في الطهي والتي تحمل اسم (سفرة سي بي سي) ويشارك بالتقديم في القناة عدد كبير من الطهاة والشيفات منهم (الشيف شربيني)، والذي انضم إلى أسرة عمل القناة بعد سنوات عديدة قضاها في العمل بقناة الحياة.. خاصة أن له جماهيرية كبيرة بين المشاهدين، والطريف أن نجله علاء يقدم برنامج طهي بعنوان (لقمة هنية) على قناة النهار. ومن هنا فإن الفضائيات تلعب من الآن على ورقة برامج الطهي مع اقتراب شهر رمضان لأن ذلك من البرامج الأكثر متابعة. وبعد خطوة انتقال الشيف شربيني للقناة الجديدة بدأت الفضائيات في تأكيد تعاقداتها مع الشيفات حتى لا تحدث أي مفاجآت غير متوقعة، وهذا هو عالم الفضائيات المليء بكل جديد، ولا يقتصر العمل فيها على البرامج السياسية فقط”.

خلاصة الكلام يا سادة أن النجومية المصرية لها أبوابها، وأن البؤس الحقيقي أن تمتهن في بلد كمصر الكتابة والتأليف، فالعلم في مصر بضاعة المفلسين، ويحضرني المثل الشهير في مصر: (لو خفت على شيء فاحتفظ به بين دفتي كتاب فنحن شعب لا يقرأ).

وما أشد ألمك ككاتب أن تأخذ إنتاجك الفكري أو العلمي أو الأدبي.. وتطوف به على من يثمنه فلا تجد إلا بعض المواقع التي توافق به بشرط أن لا يكون سبق نشره، وأن الموقع غير ملتزم بأي مقابل مادي عند النشر!

يعني من يدور في طاحونة أفضل منك سيدي الكاتب.. الكتابة تسمع لها قعقعة ولا ترى طحنًا.. مع الكتابة أنت مغمور، غير ميسور، خارج الطابور، لا ترى النور، بل من أهل القبور.

في المجتمعات المتخلفة لا حرص إلا على ثنائية «الفقر والجهل»؛ أما الفقر فيجعل الشعوب لا تفكر إلا بسد الرمق، وحياتها كلها في فلك الدينار والدرهم. وأما الجهل فبه يسهل قيادة القطيع الذي لا يبصر له حقوقًا غير كسرة خبز تشبعه، وفرشة بسيطة يضع عليها جنبه آخر النهار.

هذه ببساطة قصة أم الدنيا!

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

المصادر

عرض التعليقات
تحميل المزيد