من المعروف أن ثلاثية التخلف التي تميز الأمم هي: الجهل، والمرض، والفقر. فعندما تجتمع هذه الأعراض الثلاثة فإن هذا يعني إصابة الأمة بداء التخلف.
والحقيقة التي يجب الاعتراف بها أن مصر الآن تعيش أحد عصور التخلف بظهور هذه الأعراض بحدة تضرب عمق المجتمع المصري.
أول هذه الأعراض وأخطرها هو الجهل، بنسبة كبيرة من يقرأ المقال الآن قد شاهد أو سمع عن ما تذيعه هذه الأيام ريهام سعيد في برنامج تليفزيوني عن إصابة خمس فتيات بمس شيطاني، وأن ثمة جنيًّا قد تلبسهن، وحاول أهل هؤلاء الفتيات بكل الطرق علاجهن، إلا أن الفشل كان النتيجة الدائمة.
يعرض البرنامج خلال حلقات تشويقية تبحث عن الدعاية والشو الإعلامي وﻻ تهتم بالحقيقة أو البحث عن الجانب العلمي في القصة محاولة علاج الفتيات على يد أحد الشيوخ، حيث يقرأ عليهن القرآن فتنتابهن بعض الأعراض ويحاول الشيخ من خلال ذلك إخراج الروح الشريرة وطردها من أجساد الفتيات أو حرقها.
أولاً دعونا نهمل خبر نشر في جريدة المصري اليوم عن ظهور طفل في نفس البرنامج (صبايا الخير) باعتباره مرة طفلاً ضائعًا تبحث عنه أسرته، والمرة الثانية خلال حلقات الفتيات الخمسة، دعونا إذن نصدق أن ما شاهدناه هو واقع وليس عملاً سينمائيًّا.
دعني أفاجئك سيدي القارئ أنه كما تعرف الأمراض العضوية التي تصيب جسم الإنسان كالقلب والسكر وغيرهما من الأمراض، يوجد ما يصيب الإنسان من أمراض نفسية، وهي مشاكل صحية تصيب بشكل ملحوظ كيفية شعور المرء وتفكيره وسلوكه وتفاعله مع الآخرين، وهذه الأمراض النفسية منها ما هو شائع كالاكتئاب الذي سيصبح أحد أهم المشاكل الصحية في العالم بحلول 2020 م وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
أحد الأمراض النفسية غير شائعة ما يعرف بمتلازمة توريت “Tourette Syndrome”، وتاريخ الطب مع هذا المرض بدأ منذ عام 1825م حينما تحدث طبيب عن فتاة تعاني من حركات ﻻ إرادية فجائية، وتتلفظ بكلمات نابية رغمًا عنها، وتتميز بسلوك عدواني تجاه الآخرين.
وفي عام 1873م قام الطبيب الفرنسي توريت بإطلاق اسمه على هذه الحالة حينما صادفته عدة حالات بنفس الأعراض السابقة.
توصل بعد ذلك الأطباء إلى أن هذا المرض سببه خلل عصبي وراثي يصيب الأطفال خاصة عند عمر 7 سنوات، ويستمر معهم طوال الحياة، تبدأ أعراض هذا المرض بحركات لا إرادية في الوجه أبرزها الغمز بالعين أو تحريك جانب من الوجه بطريقة تبدو سخيفة لمن لا يعرف طبيعة الاضطراب.
تصل الأعراض إلى حركات لا إرادية وإصدار أصوات من البلعوم ولفظ كلمات بذيئة وسلوك عدواني تجاه الآخرين.
توصل العلم مؤخرًا لعلاج طبي وجراحي يؤدي إلى الحد والتحكم في الحركات اللاإرادية بما يساعد المريض على ممارسة حياته بشكل أفضل نسبيًّا.
من الواضح أن هذه الأعراض تتطابق مع الأعراض التي ظهرت على الفتيات الخمسة في البرنامج، مما يعنى أنهن مصابات بحالة من المرض النفسي المسمى متلازمة توريت، وأن ادعاء وجود روح شريرة في أجسادهن وأن هذه الطريقة ستخرجها ما هو إلا وهم ناتج عن جهل بالجانب العلمي والديني.
في بلادنا الآن يتم الترويج للجهل في وسائل الإعلام التي تتاجر بآلام الناس وفقرها ومرضها، لا يدرك ذلك الإعلام أن دوره صناعة الوعي وحث المجتمع على التخلي عن هذه الخرافات، ﻻ عرضها والدفاع عنها وتشجيع المجتمع على التمسك بها، ليزداد الجهل والتخلف.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست