السيد  الدكتور صاحب الصرح الطبي الكبير المدعو بـ«طب الكفر».

أكتب إليك خطابي هذا وأنا جالسة في غرفة بيتي الصغيرة جدًا وبجانبي أكوام الكتب الطبية بعد مرور ساعات طويلة في محاولة التناسي لأمور كثيرة، لكنها جميعًا تنتهي لشيء واحد؛ «طب الكفر.. لهذا خلق الله الندم؟!».

موجهةً إليك الخطاب الآتي بينما أنت تجلس في مكتبك أو بيتك الفاره الذي يشغل مساحة هي بالتأكيد أكثر وسعًا وبراحًا من صرحك الطبي العظيم هذا.

___

أنا يا سيادتكم أتذكر جيدًا المرة الأولى التي رأيتكم فيها، كان اليوم الأول لنا، اليوم الترحيبي بأول دفعة تتفتح كلية الطب البشري بجامعة كفر الشيخ، وكنا في ضيافة «كلية العلوم» إذ إن مبنى كلية الطب لم يكن جاهزًا لاستقبالنا في ذلك الوقت، والحق يقال، فقد كان خطابكم تحمسيًا إلى حد كبير، كبير جدًا.

قد قلتم أن حلمكم قد تحقق، الحلم الذي سعيتم له سنوات وسنوات، وقلتم أيضًا أن هذا الحلم لن يكتمل إلا بنا، ووصفتمونا بـ«الأمل».

وإن تحدثت عن نفسي، بالفعل كنت مفعمة بالأمل، وقد لقيت كلماتكم في نفسي صدي عنيفًا.

ثم، ثلاث سنوات تمر.

وإذ بنا نرى الأمل ينفلت من بين أيدينا شيئًا فشيئًا.

هذا الحلم الكبير وهذا الأمل، فجأة وقد هبط على لا شيء، وأصبح وهمًا نغرق به جميعًا حد الجنون المودي إلى الانتحار.

ثلاث سنوات، أراقب ذاتي بدقة ممزوجة بالفزع، وأنا أمارس نوعًا فريدًا من الغباء والتعلق بالأمل في محاولة الذوبان في كيانكم هذا، هذا الكيان الذي أكن له بالأصل كل الاحتقار، احتقار عنيف ومتجذر وطاغٍ.

كيف تسمحون لأنفسكم بأن تتبنوا مشروع تأهيل أطباء، وأنتم تملكون لا شيء من أجل هذا.

لا مبنى، لا مستشفى، لا إدارة، لا هيئة تدريس، لا شيء، «وسعت منك دي يا سيادة الوزير».

كيف تسمحون لأنفسكم بالتحكم في مستقبل المئات من الطلبة «واللي بغباء منقطع النظير حطوا ثقتهم فيكو».

أقدر جيدًا طموح سيادتكم لكن «أنا آسفة يا سيادة الوزير»، لن أستطيع مشاركتكم الفخر والاهتمام بهذا الحلم، وأقدر جدًا شعوري بالاشمئزاز من كل تفصيلة تخصه، بدايةً من عدم وجود مبنى يؤوينا، مرورًا بقلة الكفاءة ونقص الإمكانات وعدم وجودها من الأساس، وأساتذة بعيدًا عن كفاءتهم التدريسية لم يصلني منهم يومًا فكرة الأستاذ أو القدوة إلا من رحم ربي، ولا أستطيع أبدًا فهم سيكولوجيتهم في وضع اختبارات معقدة، ليرسب من يرسب، وينجح من ينحج، أيملكون حقًا بهذا أصلًا؟! «طيب خليني أقول لحضرتك إن تلات أرباع دفعتي مقسومين ما بين كورسات وبين محاضرات لدكاترة من القصر العيني» أي حق هذا؟!

ومبنى المستشفى غير المكتمل بناؤه حتى الآن.

كل هذه التعقيدات، وتريد أن تقنعني أنني سأصبح طبيبة وأؤمن على حياة شخص، تريد أن تقنعني أن حلمك تحقق.

أمر كلية طب ليس شيئًا هينًا لو تعلم، «احنا بنتقتل وبنتحول زومبيز وبنشوف فيها بلا أزرق على دماغنا وعلى دماغ اللي خلفونا وداخلين وعارفين ده كويس وراضين، فلو سمحتوا يعني سيبونا نتقتل ونتحول زومبيز في سلام بعيدًا عن طموحكم وأحلامكم».

يؤسفني أن أصدمك أن نتاج حلمك، أصبح مكانًا سيئًا وقبيحًا وغير عادل إطلاقًا، ويؤسفني – أيضًا – أن أخبرك أن حلمك زائل وإن كان باقيًا للآن، فبفضل اتباعكم لأسلوب القهر والإذعان ومحاولتكم المستميتة لمداراةِ سوءاتكم، فنحن الباقون، أنا ومن مثلي من نصنع المستقبل لا أنتم، لا بحصانتكم ولا مبانيكم الفخمة.

لا أعلم إن كنت ستقرأ خطابي هذا يومًا، ربما إن قرأته تخالطك مشاعر إنسانية لم تعهدها من قبل، لكني أبرأ إلى الله منك ومن حاشيتك ومن حلمك ومن البلد الذي خلفك وأسلمك مستقبلي ومستقبل أقراني وأنت غير مكترث له.

في النهاية، كلكم راعٍ يا سيادة الوزير، وكلكم مسئول عن رعيته.

16-5-2016

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

طب
عرض التعليقات
تحميل المزيد