إلى أين نسير؟ كان هذا هو السؤال الذي أرق مضجع عالم من طراز رفيع، قضى سنوات عمره في البحث والتحليل، آلمه واقع العالم عربي، أرهقه التفكير وأنهكه الصراخ دون أن يلقى مجيبًا، لكنه ظل وفيًا للقيم ولأفكاره حتى وافته المنية سنة 2014، في مسقط رأسه وفي نفس المدينة التي نالت شرف أن يكون أحد أبنائها مرجعًا في علم المستقبليات، وهي مدينة الرباط.

قضى عالم المستقبليات المغربي فترات من حياته في دول أوروبية و آسيوية، تلقى تعليمه العالي في بعضها واستقطبته أخرى محتضنة علمه وأفكاره، مؤمنة بأن مفكرًا بحجم المنجرة لا يجب إفلاته دون الاستفادة منه، فارتحل بين أمريكا وإنجلترا لتلقي تعليمه العالي، وهناك تقلد وظائف مختلفة، كما تقلد عمادة جامعات يابانية في فترة التسعينات؛ هناك حيث قضى سنوات من عمره محلقًا إلى اليابان التي تفتح له أبوابها كلما أغلقتهم في وجهه أخرى٠

شغف المنجرة بالبحث وحبه للدراسة جعله يرفض تقلد مناصب عليا داخل المملكة، حتى لا تشغله السياسة عن العلم، وعرف بدعوته لاستثمار العنصر البشري واهتمامه بالتعليم والقيم.. ورافضًا لكل محاولات الهيمنة الخارجية وسياسة الأمركة، معتبرًا أن أكبر خطر يهدد العلم هو خطر هيمنة فكر استعماري أحادي، يسعى لفرض قوته على الدول النامية.

شهرة المهدي المنجرة جعلته مرجعًا في علم قل رواده رغم أهميته، وإتقانه للغات الأجنبية جعلته يكتب بلغات مختلفة من قبيل الإنجليزية واليابانية.. ناهيك عن لغته الأم اللغة العربية، كما تمت ترجمت كتاباته إلى عدة لغات.

بذل المنجرة الغالي والنفيس في سبيل نشر أفكاره، ولم يكتف بإلقاء المحاضرات وحضور البرامج الإعلامية، بل كذلك وظف ملكة الكتابة عنده، مخلفًا بذلك إرثا ثقافيًا وجب علينا دراسته وإتمامه لمن استطاع سبر أغوار هذا العلم، وحق لنا أن نفتخر به.

من مؤلفاته

 عولمة العولمة 

العولمة في نظر عالم المستقبليات المهدي المنجرة، هي محاولة لفرض هيمنة قيمية وأيديولوجية لدول الشمال على دول الجنوب، واصفًا إياها بالظاهرة الاستعمارية، والتي غايتها التأسيس للمركزية الغربية.

الإهانة في عهد الميجا إمبريالية

يتميز المهدي المنجرة باستعماله وابتكاره لمصطلحات قوية جدًا، حيث يقول في إحدى فقرات كتابه:

يعيش العالم العربي الخوفو – قراطية، إضافة إلى الإفقارو – قراطية الذي أصبح نظاما للتدبير والحكم أيضًا وأولوية الجهلو – قراطية، والكذبو – قراطية والشيخوخة – قراطية.

معبرًا بذلك عن الذل الذي يعانيه العالم العربي، بسبب غياب الديمقراطية والمشاريع التنموية، ورضوخه لهيمنة الغرب وتسلطه وهو ما وصفه بالإهانة.

من المهد إلى اللحد 

وفيه يتطرق عالمنا لأهمية العلم والمعرفة في بناء الحضارات والأمم.

الحرب الحضارية الأولى

يركز فيه المهدي المنجرة على ضرورة الاستفادة من دروس التاريخ والحاضر للاستعداد للمستقبل، وبأن ذلك يحتاج إلى الاهتمام البالغ بالعلم والبحث العلمي.

انتفاضات في زمن الذل – قراطية

من المنطقي جدًا بالنسبة للمهدي المنجرة أن تولد صور الذل والإهانة المفروضة على الشعوب العربية حالات من الانتفاضة في مختلف ربوع العالم العربي.. وما تحدث عنه انطلاقًا من أسس علمية وأبحاث هو نفسه ما جسدته ثورات الربيع العربي.

عاش عالم المستقبليات المغربي كل حياته خادمًا لقضايا آمن بعدالتها، موظفًا كل ما يملكه من مال وعلم في سبيل نشرها والدفاع عنها، وقد اشتهر في الغرب أكثر من اشتهاره في العالم العربي للأسف.

حصل الدكتور المهدي المنجرة طيلة مساره على عدة جوائز داخل المغرب و خارجه، حيث نال الوسام الملكي في أكثر من مناسبة، ونال جوائز في كل من فرنسا واليابان.

ونظم عام 1991 جائزة التواصل الثقافي بين الشمال والجنوب، ممولًا إياها من ريع كتبه، ومُنحت لعدد من المثقفين كالمسرحي المغربي الطيب الصديقي.

مسار المهدي المنجرة هو مسار حافل بالعطاء والإنجازات، يستحق أن يدرس في المناهج الدراسية باعتباره نموذجًا رائدًا شرف الوطن والعالم العربي، ولم يتنكر له رغم الإكراهات الداخلية والإغراءات الخارجية، ولأن الفكر لا يموت بموت صاحبه إنما يظل حيًا وعابرًا للأمكنة والأزمنة وجب علينا ان نحييه بحثًا ودراسة، وأن نترحم على هذا الاسم كلما مررنا به.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

علامات

elmanjra, maroc, Mehdi, قراءات
عرض التعليقات
تحميل المزيد