لست أنا من أكتب عنك، أو أعبر بكلماتي وحروفي عن شرفك وعزتك، فأنتم رأس حربة أمتنا وصانعو أمجادها، أنتم من رويتم بدمائكم الزكية ساحات القدس، فلكم يا أبطال عزتنا أهدي هذه الكلمات التي لا توفي جزءًا ضئيلًا من حقكم، أو شيئًا يسيرًا من دينكم في أعناقنا جميعًا.

لقد أثبتم للعالم أجمع أن الأمة ما زال فيها رجال أشداء على الكفار، رحماء بينهم، تراهم ركعًا سجدًا، يخشون ربهم ولا يخشون أحدًا سواه، فأنتم من سطرتم بأحرف من نور تاريخًا لن يمحى ولن ينسى ما بقي إنسان على وجه الأرض.

نعم، تخلى عنكم القريب والبعيد، وبقيتم وحدكم تدافعون عن الأقصى مستعينين بالله وحده، ولم يفت في عضدكم هذا التخاذل المقيت الذي ساد الأمة العربية والإسلامية، بل تواطأ الكثير منهم عليكم، وتعاونوا مع عدوكم عليكم من أجل كسر شوكتكم، وتمريغ أنفوكم في التراب، لكن أنتم بصمودكم ورباطكم وشرفكم استطعتم أن تمرغوا أنوف اليهود وكل من عاونهم في التراب، وجعلتم كل حر شريف يفخر بكم وبصنيعكم.

لقد فهمتم المعادلة، وأدركتم أنكم إذا سمحتم لهذا العدو بتمرير إجراءاته، وفرض واقع جديد على الأقصى، فإنه لن يتوقف عن هذا الحد بل سيتمادى في تنفيذ مخططاته الساعية إلى تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا، وليتحول المسجد الأقصى من ملكية خالصة للمسلمين إلى ملكية متنازع عليها بين المسلمين واليهود، كما حصل في الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، والذي أصبح المسلمون لا يستطيعون الصلاة فيه في كل الأوقات، ويتم منعهم من قبل الاحتلال بحجج واهية، حتى يُفرَض على المسلمين واقع جديد يكون اليهود فيه أصحاب السيادة على الحرم الإبراهيمي، وبالفعل نجح اليهود في ذلك، ولكن أبطال الأقصى تعلموا الدرس، وأبوا أن يتحول المسجد الأقصى إلى حرم إبراهيمي ثانٍ يسيطر عليه اليهود، ويفعلون فيه ما يحلو لهم دون حسيب أو رقيب.

استطاع رجال الأقصى بوحدتهم، ووقوفهم مع بعضهم البعض، وبتوكلهم على الله وحده، أن يحموا المسجد الأقصى من هذا المصير، الذي يسعى الاحتلال بكل طاقته أن يفرضه على المقدسيين، ونابوا عن الأمة كلها التي غابت عن المشهد بشكل كامل، مما يثير في النفس الكثير من التساؤلات، ألا إلى هذا الحد أصبح الأقصى هينًا على المسلمين، وأصبحت خيانة الحكام العرب علانية وبدون أي إخفاء لها، لقد كنا نسمع في السابق بيانات التنديد والشجب إذا تعرض الأقصى لأقل خطر، وكنا نضحك من هذه البيانات التي لا فائدة منها، ولكن في الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى فإن هذه البيانات قد اختفت تمامًا، في مشهد يدلك على مدى الذل والهوان الذي وصلت إليه الأمة، ومدى الخيانة التي وصل إليها حكام أمتنا.

لا ريب أن ما فعله رجال الأقصى في هذه الأيام القليلة، يدل على مدى الوعي لدى المقدسيين بطبيعة المعركة مع الاحتلال، وكيفية إدارتها، وكيفية تحقيق أهداف الحراك الشعبي الذي قاده مجموعة من القيادات الدينية الواعية، بعيدًا عن الأحزاب السياسية التي تفرق أكثر مما تجمع، وبعيدًا عن أي نوع من أنواع التعصب سواء السياسي أو الديني.

وأن كلمة السر في هذا الانتصار هي وحدة صف الشارع المقدسي، ووحدة القيادة التي عملت على تلبية كل مطالب الشارع المقدسي، والتي لم تستسلم لكل الضغوط التي مورست عليها من أطراف عديدة، لمنع رجال الأقصى من تحقيق كل مطالبها العادلة والشرعية.

واختتم رجال الأقصى أيام صمودهم ورباطهم، بمشهد أعظم فرح له كل إنسان حر وشريف، وهو مشهد دخولهم إلى ساحات المسجد الأقصى مكبرين مهللين فرحين بما آتاهم الله من نصر على عدوهم، ظافرين كاسرين شوكة المحتل الغاصب وأعوانه، فهنيئًا لكم أيها الأبطال ما حققتم، فأنتم من حفظتم شرف هذه الأمة وعزتها، ومحوتم العار الذي أحاط بهذه الأمة التي أصبحت مستضعفة في الأرض، لا تستطيع أن تدافع عن نفسها أو عن مقدساتها.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

تحميل المزيد