الدكتور محمد بديع ، فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أيها القائد المجاهد المبتلى الثابت الصابر المحتسب.
والله إنه لفخر للأمة أن يكون فيها أمثالك، أولئك العلامات الشامخة في تاريخ الأمة كلها، الذين لا يعطون الدنية في دينهم، ولا ينزلون على رأي الفسدة.
أرى فيك يا فضيلة المرشد وليًّا من أولياء الله، وليس هذا من المبالغة في شيء، ولكنها حقيقة أراها، ويراها الأكثرون، من أبناء الجماعة المباركة، ومن غيرها، على السواء.
فضيلة المرشد العام!
لقد قدمتم أنتم – قادة الإخوان المسلمين – مثالًا لأكرم القادة وأعز القادة، قدمتم مثالًا للذين يعيشون للفكرة قولًا وعملًا، يحيون عليها ويموتون من أجلها.
فخر لهذه الجماعة حقًّا أن يكون قادتها أمثالكم.
فضيلة المرشد العام!
نعلم علم اليقين أنكم ما خنتم ولا تآمرتم، ونعلم علم اليقين أنكم دُفعتم إلى المسؤولية دفعًا على غير رغبة منكم، ونعلم علم اليقين أنكم اجتهدتم قدر طاقتكم لكي تسير المسيرة، ولكن التآمر كان أكبر منكم، وأكبر من أي أحد غيركم.
ثم كان موقفكم المشرف الذي سيكتبه لكم التاريخ، عندما وقفتم ضد هذا الانقلاب التاريخي، الذي تآمر فيه العالم كله ضدكم وضد حرية بلادكم وضد مشروعكم الإسلامي.
ثم كانت مذابح الانقلاب، وكان بطشه الذي لم يكن من قبل في تاريخ مصر كلها، وكل ذلك برضا دولي وتآمر عربي وغربي.
وها نحن قد جاوزنا العامين، وما زلنا في مواجهتنا مع الانقلاب وعصاباته.
فضيلة المرشد العام!
قد آن لنا بعد عامين من المواجهة أن نراجع أنفسنا، وننظر في أمرنا. ومن المعروف أن المسلّم به اليوم ليس من الحتمي أن يسلّم به غدًا، وأن الاختيار الوحيد اليوم، قد يكون له بديل ثان وثالث ورابع في الغد.
فضيلة المرشد العام!
قد رأينا بعد طول المواجهة أن الأمر يسير على غير ما كنا نأمل ونخطط له. إن الانقلاب يزداد تمكنه يوما بعد يوم، ويزداد تملكه من كافة خيوط اللعبة، ويزداد اعتراف العالم به وتعامله معه.
في حين أن ثورتنا هي التي تضعف يومًا بعد يوم.
عامل الزمن على غير ما أمّلنا صار في صالح الانقلاب وفي غير صالحنا.
فضيلة المرشد العام!
بطش الانقلاب وجبروته قد آتى أُكله، واستطاع أن يزرع الخوف والرعب في قلوب الناس، فانفض عن ثورتنا أغلب الناس من مناصرينا ومؤيدينا، بعد أن بطش الانقلاب بهم، فقتل منهم وسجن منهم وطارد منهم.
وكانت الطامة الكبرى أن يخذلنا الكثير من أبناء الإخوان أنفسهم. أغلب أفراد الجماعة يا فضيلة المرشد لم تعد لهم علاقة بالثورة والحراك. زرع الانقلاب الخوف والرعب في قلوبهم فدخلوا بيوتهم وأغلقوا عليهم أبوابها.
فضيلة المرشد العام!
لا أعتقد أننا لدينا صك من الله تعالى بالنصر في هذه المعركة، وقد كنت أستغرب كثيرًا من حديث البعض اليقيني حول أن النصر قادم لا محالة، وأن من شك في نصر الله فقد أعظم على الله الفرية.
كنت أستغرب وأقول: ومن أين لهم بذلك الذي قطعوا به، إنما هي جولة من جولات المعارك بين الحق والباطل، وليس لزامًا على الله أن ينصر الحق على الباطل في كل جولاتهما، والتاريخ يشهد بذلك.
وكنت دائما ما أؤكد على أن ثقتنا ليست في نصر الله، ولكنها ثقة في ما عند الله، وما أعده للمجاهدين الصابرين الذين يقفون في وجه الطاغوت. ثقتنا في أن المعركة معركة حق وباطل، وأنه لزام علينا أن ندفع الباطل بما نستطيعه، ولنا على الله المثوبة والأجر، وليس لنا عليه النصر، فإن شاء نصر، وإن شاء لم ينصر، يسيّر الأمور بحكمة هو وحده الذي يعلمها.
فضيلة المرشد العام!
استطاع الانقلاب بعصاباته الإجرامية أن يضرب الجماعة ضربات قاصمة، حتى أنه وصل إلى سياسة التصفية المباشرة لقادة وأفراد الجماعة، فتمزقت الجماعة مزقا، وكادت أن تطيش، لولا أن الله ثبت أبناءها وأعانهم على لم الشمل.
ولكن القاصم الحقيقي في الأمر هو أن ما بقي من قيادات للجماعة في الداخل والخارج قد دب الخلاف بينهم وظهر على وسائل الإعلام في صورة لم تعهد من قبل، حتى قال القائلون: هذه أكبر أزمة لقيادة الإخوان حدثت في تاريخهم، وفكرة انقسام الجماعة أو تقسّمها وتشرذمها واردة بقوة.
فضيلة المرشد العام!
الصورة قد أصبحت كما يلي: نظام انقلابي يقوى يوما بعد يوم، ومدعوم من العالم أجمع، وهو نظام باطش طاغ، يبدو من أفعاله أنه لن يترك الأمر أبدًا إلا ببحور من الدماء.
وثورة تضعف يوما بعد يوم، وينفض عنها أغلب أبنائها، حتى أبناء الجماعة أنفسهم، فأغلبهم الآن قد باعوها، ويوشكون أن يبيعوا الجماعة نفسها.
وجماعة تلقت ضربات كبيرة أثرت فيها تأثيرًا مباشرًا، وظهر الخلاف الحاد بين قادتها، ويُخشى من انقسامها أو انهيارها.
فضيلة المرشد العام!
إذا كان الإخوان قد خسروا الحكم، وهم على وشك أن يخسروا الثورة كما يبدو ظاهرًا، فليس عليهم أبدًا أن يخسروا جماعتهم.
فضيلة المرشد العام!
أدرك الأمر، قد آن لك الآن أن تفاوض، حتى تخرج بأقل الخسائر، وحتى تحافظ على ما تبقى من جماعتك.
آن لك الآن أن تفاوض الانقلابيين وأنت مضطر غير مخيّر، وقد شرع الله لنا الانسحاب من المعارك إن أيقنا بالهزيمة الساحقة، وإنما هي جولة من الجولات، ولعل الله يمن علينا بجولة قريبة يكون فيها الحسم والظفر.
وإذا قال قائل: لقد طلب منكم ذلك الكثيرون من البداية.
لقلنا له: فرق كبير بين أن تبيع القضية من البداية خيانة وعمالة، أو أن تبيعها من البداية جبنًا وخورًا، وبين أن تبدأ المعركة مستعينا بالله، فيرى العالم كله بأسك وصبرك وثباتك، ثم تتيقن بعد زمن أنها معركة خاسرة.
فضيلة المرشد العام!
لك في أعناقنا بيعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره، ونحن ثابتون صابرون بإذن الله وعونه، مستمرون في ثورتنا إلى أن يشاء الله أمرا، أو ترون من أمركم ما ترون.
وإن كان ذلك الانقلابي هو من يرفض التفاوض، ومصممًا حقا على استئصال شأفتنا، فهي معركة مفروضة علينا، وليس لنا خيار حينها غير الاستمرار والثبات والصبر إلى آخر رمق.
فضيلة المرشد العام!
سلام عليكم أيها القادة الكرام، سلام من أبنائكم الثابتين في الشوارع والميادين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست