ثمان سنوات قد انقضت منذ اندلاع الانقلاب العسكري في مصر على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر الحديث والقديم، ومنذ هذا الحدث المزلزل والمدمر لكل ثوابت الدولة الحديثة، وقد اتخذت جماعة الإخوان المسلمين مسارًا يحسبه المتعطش للحرية مسارًا ثوريًّا، حتى إذا انكشفت له نتائجه الصفرية لم يجده شيئًا.
وحتى لا يجانبنا الإنصاف، فلم تكن من ثورة ولا تحركات ثورية، اللهم إلا في عام 2014، وقليلٌ على استحياء في عام 2015، ومن بعد ذلك كانت العزلة وبدايات العالم الموازي.
العالم الموازي
من هذا التوصيف الذي يصف حالة الإخوان المسلمين والحياة التي يعيشونها أبدأ رسالتي المخلصة إلى الإخوان ومؤيديهم وناصحيهم بإحسان. نصح المنصف وعتاب المحب.
أيها الإخوان، اخرجوا من هذا العالم الموازي وهذا القمقم الذي تعيشون فيه وتغلقون على أنفسكم بكلام من قبيل الاحتساب والصبر، فيخدرون به آلام الضيق ويتصبرون به على غربة الانعزال.
أيها الإخوان، اخرجوا من هذا السرداب لا لكي تثوروا، فقد عقمت أرحام الثورة وجفت ينابيعها وماتت بذرتها في أرضها، كما يموت الجنين في بطن أمه، فقد مات قبل أن يولد.
اخرجوا أيها الإخوان لتتصالحوا أو لتجتهدوا لكي تتصالحوا مع النظام القائم في مصر، السلطة التي تنكرون وجودها فكنتم كما يُنكر وجود الشمس وهي تضيء له، فشاء من شاء وأبى من أبى هناك سلطة الآن تحكم في مصر، وهناك رئيس دولة يعترف به العالم أجمع اسمه عبد الفتاح السيسي.
الشرعية أصبحت وهمًا
لم تعد الشرعية أو لفظها إلا وهمًا في رؤوس الإخوان فحسب، فقد ماتت الشرعية بموت الرئيس محمد مرسي، رحمه الله، وما بعد ذلك هي جعجعة بلا طحين، و استهلاك إعلامي يترزق بها إعلامهم لكي يستطيعوا أن ينتصروا على أعباء الحياة المنعزلة، من مأكل ومشرب وملبس ومصاريف إيجار ودراسة.
للصبر حدود
أنا أشفق كثيرًا على محبيهم ومناصريهم ومؤيديهم من ملل انتظار الفرج الذي قد وُعدوا به، أو من يأسٍ أصابهم فبانت لهم الحياة في كل الظروف والأحوال سوداء قاتمة، أو أن بعضهم قد يصبر ولكنه صبر العاجز قليل الحيلة، يتمنى أن يصرخ بأعلى صوته لكنه يخاف من غضب الله عليه، أو من لوم من حوله ليتهموه بالسخط وعدم الرضا.
أيها الإخوان، عبد الفتاح السيسي هو الأمر الواقع وهو السلطة القائمة في مصر، وهو الواقع الذي تنكرونه وتريدون من الناس أن يصدقوكم في هذا الإنكار.
أيها الإخوان، السلطة في عرف الحُكم وعرف المواثيق الدولية هي التي تمتلك القوة، ومن يمتلك القوة يؤتى إليه ولا يأتي، فأنتم لستم دولة تناطح دولة كي تنتظروا ممن يملك كل أدوات القوة أن يأتي إليكم متوددًا ومتنازلًا لتفرضوا شروطكم عليه، فاستيقظوا من هذا السُبات يرحمكم الله.
أيها الإخوان، قدموا كل العهود والمواثيق التي بها يطمئن النظام ويأمن جانبكم، ضعوا نصب أعينكم المعتقلين والمطاردين والمشردين من أقصى الأرض إلى أقصاها، استحضروا النوايا الحسنة في تفريج كربات المكروبين والمساهمة في أن تكونوا سببًا في رفع البطش عن المظلومين.
أيها الإخوان، اعلموا أن ما ستقدمونه من تنازلات ليس بدعًا من الدين ولا التاريخ، فقد محا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صفة الرسالة عنه من كتاب الصلح بينه وبين الكافرين وهو رسول الله حقًّا وصدقًا.
الختام
ليس أقسى من هذه الرسالة إن كنتم ترونها قاسية إلا أنات المعتقلين، وطول ليالي أهاليهم، وحرمان الأب من ابنه والابن من أبيه، في السجن كانوا أو الغربة، فارفعوا عن أنفسكم القيد وعن إخوانكم فأنا لكم ناصحٌ أمين.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست