صديقي العزيز علاء،
تحية طيبة وبعد،
(1)
بالأمس قمت بمفاجأتي وزيارتي بمنزلي لتخبرني بأنه تم الإفراج عنك وتمت تبرئتك من جميع التهم المُوجهة إليك. لم أصدق نفسي فبكيت من الصدمة حتى اكتشفت فجأة بأنك لم تقم بزيارتي ولم تتم تبرئتك، لأن تلك كانت إحدى أحلامي التي تروادني مؤخرا بخصوصك. بعدها بيومين؛ أُلقي القبض عليّ وأنا بطريقي إلى المنزل عقب خروجي من الجامعة وتم التنكيل بي جسديًا ومعنويًا واقتيادي إلى المُعتقل وأول ما قابلت قابلتك. كان هذا أحد كوابيسي، هل ترى الجنون الذي وصل إليه عقلي الباطن بسببك يا صديقي؟
(2)
“عبثًا تنادي.. أنت منذ الآن وحدك.. أنت في البلوى يتيم-” نجيب سرور
أحد أكثر الأبيات التي لها وقع غريب في نفسي، لأن الذي كتبها شاعر ذاق مرارة الظلم والاضطهاد أكثر من أي إنسان قد تعرفه، فهو لم يكتب تلك الأبيات لمجرد أن يملأ بها السطور مثلما يفعل البعض الآن. فما أحاول قوله هنا يا صديقي أنني مهما حاولت أن أواسيك وأن أخبرك بأننا جميعًا معك ولن نستكين حتى تخرج من عندك فأنت في حقيقة الأمر وحدك في سجنك.
لا تمر دقيقة دون أن تتذكر بأنك مسجون ومظلوم، وأنت في تلك العلبة الرطبة مكتومة الأنفاس لا تمر ليلة إلا وأنت تتمنى أن تنام في غرفتك، على وسادتك، في سريرك الدافئ في غرفتك بمنزلك وسط عائلتك التي تحبك. قد أكون معك حقاً حينما يتحقق الكابوس الثاني الذي حكيته لك. غير ذلك فأنا أو غيرك لسنا معك، الشيء الوحيد الذي نملكه بأن نواسيك فقط وقد لا نفلح .
(3)
“سوف تلهو بنا الحياةُ وتسخرْ” – أم كلثوم
هل تعلم أن معظم الأماكن التي كنت أزورها لأول مرة كنت أنت معي فيها؟ فأنا كما تعلم جديد في هذه المدينة. سائقو الميكروباصات؛ نعم يا صديقي، هؤلاء الأشخاص الذين لا تكف ألسنتهم عن إطلاق السُباب بجميع أنواعه طوال اليوم، يتحولون فجأة إلى كائنات وديعة عندما تمطر، إنهم يشبهون تلك الأفلام التي تتحدث عن أشخاص يتحولون إلى ذئاب عندما يكتمل القمر، لكن الفرق هنا أنها فقط تمطر!
بالتأكيد ليس لهم أنياب، لكن سلاحهم الفتاك هي تلك الأغاني التي يستمعون إليها، تلك الأغاني التي يلعنون فيها أصدقاءهم وحبيباتهم لأنهم تركوهم أو الزمان الذي لا ينفك يغدر بهم يومياً، ليل نهار، وكأن الزمان قد نسي الكل وتفرغ لهم خصيصًا. عندما ركبتُ إحداها في عودتي إلى المنزل أثناء فترة هدوء واسترخاء السائق بسبب المطر في مشهد درامي.
كانت أم كلثوم تغني وظهرت أمامي تلك الجملة فجأة، تمامًا كما كانت تظهر المباني والأشخاص والسيارات الذين كنت أراقبهم من خلف الزجاج: “سوف تلهو بنا الحياةُ وتسخرْ”. “سوف”؟ يبدو أن الحياة قد بدأت لعبتها مبكرًا معنا، لكن أخشى يا صديقي أن لا تنهيها مبكرًا كما بدأتها، أخشى أن تكون هذه هي فقط البداية، أصاب بالذعر لمجرد التفكير في هذا. إذا كنا في مقتبل العمر وتفعل بنا هذا ماذا سيحدث لنا في هذه الدنيا وتلك البلاد عندما نصبح كهولاً ثم عجائز؟ أم في رأيك أنها سوف تنتهي منا قبل أن نصل لتلك المرحلة؟
(4)
إن هذه الدنيا غريبة وما تفعله بنا أغرب يا صديقي. عبد الرحمن، وهو أحد زملائي المظلومين مثلك والذين تم القبض عليهم، ومن يعلم ربما التقيت به عندك؛ كان يحتفل بعيد ميلاده ودخل الجميع ليتمنى له عامًا سعيدًا مليئًا بالفرح على صفحته الشخصية، وفي اليوم التالي دخل الكل ليتمنى له الخروج العادل من سجنه وأن يُظهر الله الحق! فقد اتهموه هو ومن قُبض عليهم معه في نفس الوقت بقتل زميلهم الذي قتلته الشرطة بشهادة الشهود!
أخبروني بأنه لم يستطع الجري عندما اقتحمت الشرطة الكلية عنوة فأُلقي القبض عليه. لماذا لم تجرِ يا صديقي لتريحني من هذا العناء؟ صحيح! فقد تم القبض عليك من منزلك؛ أنت وأخوك الصغير. مصيبتك مصيبتان فأنا كأخ كبير أدرك ما أنت فيه، لكن على الأقل هناك من يؤنسك.
(5)
في النهاية لم أنتهِ من كلامي.
أخشى أن تُصاب بالضجر وأخشى أن أنهي كل كلامي الآن، فهذه ليست النهاية! كنت قد أجلت فكرة الرسالة أملاً في أن تخرج قريبًا لكني حقا اشتقت إليك. آمل أن تكون هذه هي الرسالة الأخيرة التي أكتبها لك، خصوصًا أني لما أرك منذ تم القبض عليك وحتى الآن.
أتجنب هذا، الموقف ليس جديدًا علي _بالمرة_ لكن يعز علي أن أراك وأنت ذلك الإنسان المَرِح الذي لا يكف عن المزاح بطريقة تتميز بها عن غيرك، أنت بالذات آخر شخص كنت أتخيلك في هذا الموقف، وحتى الآن حينما أستغرق في التفكير لا أستوعب الأمر، سأنهار _حرفيًا_ إن رأيتك وأنت مكبل بالأغلال ولن أملك الكلمات التي تواسيك، أنا حقًا جبان وبائس. هذه رسالة لن أرسلها لأنك ستخرج وتقرؤها وتضحك على ما فيها.
أراك قريبًا.
صديقك المخلص .
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست