العبث هو اختصار ما آلت إليه الأحوال والظروف التي أصبح فيها شباب أمة الإسلام.

فمن يتصور أن الدولة التي ملأت الدنيا صدقًا وعدلًا وحريةً وكرامةً لشعوب الأرض جميعًا، وكانت نموذجًا يصبو إليه القاصي والداني، وحولت الظلام الذي عاشت فيه جماهير العرب والعجم إلى نور تشع أضواؤه في الآفاق تحولت إلى خمول وكمون غير مسبوق.

الدولة الإسلامية التي قامت على أكتاف رجال لم يهابوا يومًا الموت، ولم يخشوا لحظة أي قوة في الأرض لصلابة عزائمهم، وصدق بواعثهم، وامتلاء أفئدتهم فخرًا بما ابتعثوا من أجله، فكانوا خير سند لرسالة السماء.

من يصدق أن الدولة التي نبتت في قلب الصحراء، وانطلقت منها جحافل الدعاة غزاة في سبيل أن يخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد يخلفهم أجيالنا التي وصلت إلى درجة من العبث لا يتصوره عقل.

ومن رحمة الله بالأمة أن قيَّد لها هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين مثلوا جيلًا قرآنيًّا فريدًا وكانوا خير قدوة لأمتنا وخطوا دروب الحق لكل سالك، هذه الثلة المباركة التي لم يسبق لأمة من الأمم أن يكون فيها هذه الكوكبة من الزعامات المتألقة التي حيرت الدنيا في أوصافها التي تفردت بها، قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلبَ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – خيرَ قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد – صلى الله عليه وسلم – فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتلون على دينه.

وبات السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبشدة: لماذا وصلنا إلى ذلك الدرك الأسفل في كل شيء، في المعرفة والعلم والدين والأخلاق؟!

لماذا صرنا إلى ذلك العبث الذي جعل شبابنا مهزومًا، وحالنا مأزومًا، وأنفسنا ضعيفة، وقلوبنا رخوة؟!

إني لا أجلد ذواتنا بهذا الحديث الملوم، ولكني أتساءل مع الجميع لماذا لم تقم للأمة قومة أخرى بعد زوال ملك المسلمين بانتهاء آخر دولة تجمع المسلمين تحت رايتها؟!

فقد تعرضت الأمة لأزمات مريرة مثل اجتياح المغول لبلاد المسلمين ثم اندحارهم في عين جالوت على يد السلطان قطز، رحمه الله، ثم إسلام القبيلة الذهبية منهم في عز قوتهم وصاروا جندًا للإسلام.

كذلك كانت هناك حملات صليبية حاقدة فعلت بالأمة الأفاعيل، وبشَّعت وقتلت وذبحت في المسلمين كما في حروب ما قبل التاريخ، وظهر صلاح الدين الأيوبي، رحمه الله، ليتصدى لهم، ثم تلامذته المماليك أكملوا المشوار من بعده.

وهكذا فإن مع كل أزمة كان يقيد الله سبحانه وتعالى رجلًا صالحًا يزأر في الأمة كما الليث، ويجمعها حوله، ويرفع راية التوحيد والجهاد فيجعل الله، سبحانه وتعالى، النصر على يديه.

قيد الله للأمة رجالًا ظهروا في وقت المحن والشدائد، ومثلوا مصدر نكد وحزن لأعداء الإسلام في شرق المعمورة وغربها وسطر هؤلاء الأبطال على مر التاريخ أسماءهم بأحرف من نور في سجلات العز والفخار.

ولقد طالت أزمة الأمة الإسلامية في هذا العصر، وكلما ظهر صلاح الدين قتلوه وذبحوه، كلما خرج مصلح من الدعاة إلى الله بات الجميع يتربص له ويريد المكر به بأية ثمن، وهذا لسبب رئيسي ومهم، ومنه تخرج وتتفرع كل المصائب التي نشكو منها، وهو أن الأمة عندما تحررت من نير الاستعباد والاحتلال الغربي لم تتحرر من أذنابه من جوقة المنافقين الذين يتسمون زورً امثقفين، وما هم إلا مجموعة من الشواذ فكريًّا تحمل لفيروسات الفكر الغربي الملحد، الذي لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا ويعادي كل ما يتصل بدين الله الإسلام، وهؤلاء أفسدوا الأجيال المسلمة ودمروها فكريًّا وعقديًّا، وغربوها وأبعدوها عن الثقافة الإسلامية بعدما فتح لها جوقة الحكام الفسدة كل المنابر الإعلامية والثقافية والتعليمية، وجعلهم أصحاب المراكز والمناصب العليا لكي يحدوا من النشاط والمد الإسلامي، وإرضاء للغرب الصليبي ونزولًا على أجنداته، فبات كل وجه إسلامي يريد أن يرد الأمة إلى ما كانت عليه من قوة وأنفة فهو في نظرهم رجعي ومتخلف ويريد عقارب الساعة أن ترجع للوراء، وهكذا دواليك.

ولكن سبحان الله الذي جعل المنطق والعقل في اعتناق دين الله عز وجل، فالغرب الذي غزا ديار الإسلام بالفكر والسلاح وذبحوا المسلمين في بلادهم، وأرادوا العبث في ديموجرافيا المسلمين، إذا بالحفرة التي يحفرونها للمسلمين ليوقعوهم فيها، يجدوها بئرًا سحيقة في بلادهم، فالإسلام صار يستشري في عقر دورهم، وينضوي تحت العقيدة الصفوة في كل يوم العديد والعديد منهم، وخاصة من الذين يحاربون دين الله بعد أن يدارسوه ويفهموا فكره ومنهاجه، ففرنسا التي تحارب دين الله صباح مساء، فإن هجمتها لها مبرر صليبي معقول، حيث إنها قلعة الكاثوليكية في العالم، وهي بنت الكنيسة البكر، فبحلول عام 2050 ستصبح الغالبية السكانية لفرنسا مسلمين، وذلك لارتفاع معدل مواليد المسلمين وتدني مواليد الفرنسيين النصارى، وصرحت الحكومة البلجيكية بأن بحلول 2025 سوف يصبح ثلث مواليد أوروبا من المسلمين، وفي بريطانيا أصبح عدد المساجد أكثر من ألف مسجد منها ما كانت كنائس وتحولت إلى مساجد.

إلى جانب تولي الكثير من المسلمين مناصب مهمة جدًّا في الحكومات الأوروبية مثل: صادق خان عمدة لندن، ومحترم أراس التي ترأس برلمان ولاية بادن فورتمبيرغ الالمانية، وكذلك سيڤيل شحادة أول مسلمة تتسلم رئيس وزراء رومانيا، وخديجة عريب المسلمة رئيسة البرلمان الهولندي، وعايدة هادزيلك كانت لاجئة مسلمة من البوسنة، وأصبحت وزيرة للتعليم في مملكة السويد، وسعيدة وارسي التي كانت لاجئة مسلمة من باكستان وأصبحت وزيرة للدولة للشؤون الخارجية في بريطانيا، ونجاة بلقاسم كانت مهاجرة مسلمة من المغرب، وشغلت منصب وزير التعليم العام والعالي والبحث العلمي في فرنسا، وهادية طاجيك مهاجرة مسلمة من باكستان، وشغلت وزيرة الثقافة في النرويج.

وهكذا فإن الإسلام الذي يحاربونه صباح مساء يجتاحهم ويصيب منهم ويغزوهم في كل يوم، وباتت أوروبا تتحرر شيئًا فشيئًا من أغلال الوثنية والبربرية الفكرية التي غذاها بها اليهود والصهاينة، وأصبحنا نحن أسرى الغزو الفكري لشيوخ الاحتلال، وغلت أيادينا من قبل الحركات الماسونية العالمية، ولا حل لنا إلا بثورة إسلامية سنية، والتي باتت وشيكة ومنتظرة ومرتقبة في الأيام القادمة بإذن الله.

الإسلام شمس لا تغيب إن بارحت رؤوس قوم أنارت عند آخرين.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن ساسة بوست

عرض التعليقات
تحميل المزيد